غزة اليمنية وصعدة فلسطين.. توأمان في الصمود وحكاية مقاومة لا تنكسر
السياسية || محمد محسن الجوهري*
على الرغم من التباعد الجغرافي بين صعدة اليمنية وغزة الفلسطينية، إلا أن المسار الذي سلكته المدينتان في مقاومة العدوان والصمود في وجه الطغيان، يكاد يكون متطابقًا. فكلا المنطقتين تحولتا إلى رمزٍ للصمود والتحدي، وقدمتا دروسًا خالدة للعرب في العزة والكرامة والتضحيات.
فكما تتعرض غزة لحصار خانق منذ أكثر من عقد ونصف، فقد واجهت صعدة حصارًا مشابهًا منذ اندلاع الحروب الست التي شنها عليها نظام صالح العميل بين عامي 2004 و2010، قبل أن تكون أولى المحافظات المستهدفة عند بدء العدوان السعودي على اليمن عام 2015. وكما استهدفت آلة الحرب الصهيونية غزة بغارات جوية مكثفة خلال حروبها المتكررة، فقد كانت صعدة في قلب الهجمات الجوية الأمريكية والسعودية، حيث نالت النصيب الأكبر من الغارات التي شنها ترامب وسلفه بايدن، ما يعكس تشابهًا واضحًا بين ما تعرضت له غزة وما واجهته صعدة.
تجسد غزة جوهر الصمود المقاومة الفلسطينية، إذ تحولت إلى حصن منيع أمام العدوان الصهيوني، رغم الفارق الكبير في موازين القوى. وبالمثل، وقفت صعدة بقوة أمام العدوان السعودي الأمريكي، مستندة إلى إرادة صلبة وإيمان بعدالة قضيتها. في كلا المنطقتين، لم يكن خيار الجهاد ترفًا، بل ضرورة وجودية فرضها العدوان المستمر.
لم يقتصر العدوان على القصف والتدمير، بل سعى أيضًا لكسر إرادة سكان المنطقتين عبر الحرب النفسية، تمامًا كما حاول العدو الصهيوني ترهيب أهالي غزة لإضعاف معنوياتهم. ومع ذلك، لم تفلح هذه السياسات في كسر صمود الشعبين اليمني والفلسطيني، بل زادتهم قوة وإصرارًا.
ما يميز صعدة وغزة ليس فقط صمودهما أمام آلة الحرب، بل قدرتهما على الصبر والتضحية، وإعطائهما الأمة نموذجًا يُحتذى به في الثبات على المبادئ. لم يركع أهل غزة تحت الحصار، ولم تستسلم صعدة رغم شراسة القصف. وفي كل مرة يظن العدو أنه اقترب من حسم المعركة، يجد نفسه أمام مقاومة أشد وعزيمة أقوى.
رغم كل محاولات سحق صعدة وغزة، أثبتت الوقائع أن الحروب لم تحقق أهداف المعتدين، بل زادت من تماسك أهل المنطقتين، ورسخت ثقافة المقاومة والصمود في وجه الطغيان. فكما لم تنكسر غزة رغم العقود الطويلة من العدوان، فإن صعدة أيضًا أثبتت أنها عصية على الانكسار.
وكما تتشابه غزة وصعدة، فإن العدو لا يقل تشابهاً، حيث تتقاطع السياسات الإسرائيلية والسعودية في عدوانهما على غزة وصعدة، ويتبنى الطرفان أسلوب الحرب الشاملة والتدمير الممنهج لكسر إرادة المقاومة. فقد استخدمت "إسرائيل" في غزة كل وسائل القتل والتدمير، واستهدفت المدنيين والبنية التحتية بلا هوادة، وهو الأسلوب ذاته الذي اتبعته السعودية في صعدة، حيث حولت المدينة إلى ميدان للتجارب العسكرية الأمريكية والبريطانية، مستهدفة الأسواق والمنازل والمساجد في محاولة يائسة لإركاع سكانها.
ورغم أن "إسرائيل" تدّعي أن عدوانها على غزة يأتي في إطار "حماية أمنها القومي"، فإن السعودية تسوّق عدوانها على صعدة بذريعة "استعادة الشرعية" في اليمن، لكن كلا الذريعتين مجرد غطاء لأهداف استعمارية واضحة، تسعى من خلالهما تل أبيب والرياض إلى القضاء على أي قوة مقاومة تهدد نفوذهما. ومع ذلك، أثبتت الوقائع أن هذا النهج لم يحقق أهدافه، بل زاد من صلابة المقاومة في كلا المنطقتين، ورسّخ معادلة جديدة تُثبت أن الصمود والانتصار ممكنان رغم قسوة العدوان.
إن ما تواجهه صعدة وغزة ليس مجرد استهداف جغرافي، بل هو جزء من معركة كبرى تستهدف إرادة الشعوب الحرة. ومع ذلك، أثبتت التجربتان أن المقاومة قادرة على قلب الموازين، وأن إرادة الشعوب أقوى من ترسانة العدوان. وهكذا، تبقى صعدة وغزة شاهدتين على أن الصمود هو الطريق الوحيد للحرية، وأن الكرامة لا تُوهب بل تنتزع بالتضحيات.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب