السياسية || محمد محسن الجوهري*

لم يكن الإمام الخميني -رضوان الله عليه- وثورته الإسلامية، بدعاً في السنن الإلهية التي يدير الله بها الأرض، ويهيأها لنصرة المستضعفين والمظلومين في العالم، فهو امتداد لخط النبوة وآل البيت الذي اختصه الله بوراثة الكتاب وتقديمه للناس من جهة، ومقارعة الطغاة والمستكبرين بالحق والقرآن، من جهةٍ أخرى.

ومن يتأمل ثورة الشعب الإيراني التي قادها الإمام الخميني عام 1979 سيجدها أنها تجسيدٌ عملي لقوله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) سورة محمد 38، سيما وأنها جاءت في الفترة الزمنية التي وقعت فيها مصر اتفاقية كامب ديفيد مع العدو الصهيوني، وأعلنت بذلك إطلاق رصاصة الرحمة على المشروع العربي التحرري، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عندما سؤل عن تفسير الآية وعن القوم المستبدلين، فأشار إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقال: "هذا وأصحابُه"، إشارةً إلى سَلْمانَ رضِيَ اللهُ عَنه وقومِه، ثمَّ حلَف النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وآله وسلَّم، فقال: "والَّذي نفْسي بيدِه"، "لو كان الإيمانُ مَنوطًا"، أي: مُعلَّقًا "بالثُّريَّا"، ، "لَتَناوَله رجالٌ مِن فارِسَ"، أي: أخَذه وحصَّله رِجالٌ مِن فارسَ، وهذا إشارةٌ إلى حِرصِهم وشدَّةِ ما يَبذُلونه لخِدْمةِ هذا الدِّينِ، وهذا من الأحاديث التي وردت نصاً في صحيح البخاري ومسلم.

وفي إطار هذه السنة الإلهية كانت الثورة الإسلامية في إيران، بقيادة الإمام الخميني، والتي مواقف واضحة تجاه القضايا الإسلامية الكبرى، وأهمها القضية الفلسطينية. فقد أغلقت إيران السفارة الإسرائيلية في طهران فورًا بعد الثورة، واستبدلتها بسفارة لفلسطين، في خطوة تعكس التزامها بالقضية الفلسطينية، في وقت كانت بعض الدول العربية تمضي في مسار التطبيع. كما أن دعم إيران لفصائل المقاومة، مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، أسهم بشكل كبير في تعزيز قدرة هذه الفصائل على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهو دعم افتقدته القضية الفلسطينية من الأنظمة العربية التي وقّعت اتفاقيات الخنوع مع "إسرائيل".

علاوة على ذلك، كان للثورة الإسلامية دورٌ في إحياء مفهوم "نصرة المستضعفين"، المستمد من القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5). وقد تجسّد هذا المفهوم في سياسات إيران الخارجية التي دعمت حركات التحرر في فلسطين والعالم.

أما قيل في الإمام الخميني، وإيران الإسلامية، فهو ما قد قيل من قبل في كل الحركات التحررية في العالم، بما في ذلك الأنبياء والرسل عليهم السلام، فلم يسلم مصلح في هذه الدنيا من الشيطنة والسب والتكفير على يد أولياء الشيطان والمنافقين، خاصة ممن وصفهم الله في كتابه بالأشد كفراً ونفاقاً، وهم الأعراب، حكام الخليج ومن لف لفهم.

وبالحديث عن الإعراب، فإن للفرس -تاريخياً- مواقف مشرفة كثيراً في وأد فتنة الدجال مسيلمة الكذاب التي أعلنها من يمامة نجد، مقر حكم الدولة السعودية في هذا العصر، وكان للصحابة من الفرس، ومنهم سيدنا سلمان الفارسي، وسيدنا فيروز الديلمي وسيدنا منبه بن كامل، دور أساسي في وأد فتنة الأعراب بقيادة مسيلمة، واستشهد الكثير منهم في تلك الفتنة، وهذا أحد الأسباب التي يحقد بها النظام السعودي على الجمهورية الإسلامية، فهي تذكرهم بحقيقة تدينهم وموقفهم التاريخي المعاند للإسلام والمسلمين.

ولا نغفل أن التاريخ الإسلامي حافل بمساهمات الفرس في نشر الإسلام، حيث كان لعلماء الفرس دور بارز في العلوم الإسلامية، مثل الفقه والتفسير والحديث، كما أن الصحابي الجليل سلمان الفارسي كان نموذجًا للتلاحم الإسلامي العابر للقوميات، وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "سلمان منا أهل البيت".

إن تقييم دور أي دولة في خدمة الإسلام والمسلمين لا يمكن أن يكون مجرد تصنيف سياسي أو مذهبي، بل يجب أن يُبنى على المواقف العملية تجاه القضايا الإسلامية الكبرى. وبينما قدمت إيران دعمًا حقيقيًا لحركات المقاومة، فإن بعض الدول العربية اتخذت مسارًا مختلفًا، ما يجعل من الضروري مراجعة السياسات المتبعة وفقًا للمصالح الإسلامية العليا، وليس وفقًا للتحالفات السياسية المرحلية. إن الحكم على المواقف يجب أن يكون بميزان الإنصاف والموضوعية، بعيدًا عن التصنيفات الجاهزة، وبناءً على الأدلة التاريخية والواقع الميداني.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب