ترامب أعجز من بايدن
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ظن الصهاينة أن عودة ترامب للبيت الأبيض ستكون القاضية بالنسبة لليمن ولسائر الأطراف في جبهات الصراع ومحور المقاومة، وما هي إلا أيام قلائل حتى اتضح للعالم أجمع أن جحيمه الذي توعدنا به مردود عليه، وأن قطعه العسكرية هي نفسها التي جاء بها سلفه العجوز بايدن، والذي لا يختلف عنه كثيراً إلا في بعض المظاهر الشكلية، أما في العجز والوهن فهو أبعد.
ولو أن ترامب يختلف عن بايدن في مسار القوة والتصعيد، لأقدم على اجتياحٍ بري للأراضي اليمنية، ولما اكتفى بالضربات الجوية التي مارسها بايدن على مدى أكثر من عام، ولم تحقق أي انتصارٍ يُذكر، رغم أنها صوحبت - كما حملة ترامب - بدعاية كبرى، وبأنها ستغير الموازين في اليمن والمنطقة بأكملها.
إن ترامب لا يقل وهناً عن جميع أسلافه، لكنه أكثر جرأةً في الطرح، كما أنه لا يحترم أدوات واشنطن في المنطقة، خاصة النظام السعودي. ورغم أنه ابتز محمد بن سلمان بنصف تريليون دولار في ولايته الأولى، متوعدًا بحماية النظام السعودي من الهجمات اليمنية، إلا أن أعنف الضربات تلت ذلك الوعيد، ولم تكن ضربة بقيق وخريص النفطية إلا عينة لسلسلة هجمات استمرت لسنوات، وأجبرت واشنطن على تحييد حليفيها في الرياض وأبوظبي من معركة اليمن خوفاً على مصالحها في البلدين.
وفي الوقت الذي يتغنى فيه ترامب بقوته، يواجه اليمن قوة صاعدة أصبحت تمتلك تقنيات متقدمة في تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية التي ضربت مواقع حيوية في العمق السعودي والإماراتي، بل وأرغمت شركات الملاحة العالمية على إعادة حساباتها في البحر الأحمر.
وهذا التطور العسكري ليس مجرد تكتيك عابر، بل هو جزء من استراتيجية متكاملة جعلت اليمن لاعبًا رئيسيًا في معادلات المنطقة، وأثبتت فشل كل المحاولات الأمريكية لإخضاعه.
ولا يقتصر عجز واشنطن على الساحة اليمنية فقط، بل يتجلى أيضاً في العجز عن تغيير المعادلات في محور المقاومة ككل. فكما فشلت أمريكا في كسر إرادة اليمنيين، وجدت نفسها عاجزة عن حماية الكيان الصهيوني من الضربات التي تلقاها في أكثر من جبهة، وسط تصاعد حالة الانهيار الداخلي لدى الاحتلال. ولم تفلح واشنطن في تقديم أي ضمانات لحلفائها، ما زاد من الشكوك حول جدوى الاعتماد عليها.
باختصار، فإن الخاسر الأكبر من عودة ترامب هم حلفاء الغرب وأدواتهم، فحظهم منه ليس الحماية والاستثمارات الاقتصادية، بل العكس تماماً. وها هي السعودية على وشك أن تخسر تريليون دولار بالقوة، ولن يختلف الحال عن مصير أخواتها المطبعات، ولن يعود عليها ذلك إلا بالمزيد من الخسائر العسكرية، خاصةً إذا أجبرها ترامب على سوق مرتزقتها في اليمن لفتح جبهة إسناد للكيان الصهيوني، عندها ستكون مصالح الرياض وأبوظبي عرضة للضربات اليمنية المتواصلة.
ومهما تغيرت الإدارات في واشنطن، فإن اليمن ومحور المقاومة يثبتان يومًا بعد يوم أن معادلات المنطقة لم تعد تُرسم في البيت الأبيض، بل في ميادين المواجهة، حيث تتحطم رهانات العدو على صخور الصمود والمقاومة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب