السياســـية - تقرير || صادق سريع*

بات اليمن المساند لغزة، وفرضه للمعادلات العسكرية على بحرية أمريكا والمنطقة، وخنق "إسرائيل" في البحر الأحمر، واستهدافها جواً بالصواريخ والمسيَّرات، "ترند" أخبار مِنصات الإعلام والتواصل، ومحل اهتمام ومراكز الأبحاث ومحللي الساسة والخبراء العسكريين والنُخب في المنطقة والعالم.

يقول المحلل السياسي السوداني عبدالوهاب حفكوف: "أصبح اليمن قوة إقليمية وقراره حر، ويمتلك مصانع عسكرية، ومخازن أسلحة إستراتيجية، في حين عجزت أمريكا عن حسم معركة جديدة في البحر الأحمر مع القوات اليمنية التي تستزف قدراتها بالصواريخ والمسيّرات".

اليمن لا يفاوض على الكرامة

يضيف، في منشور مكتوب ومرئي على حسابه بمنصة "X": "اليمن شعب أصيل يمتلك سيادة وقرارا مستقلا، واليمنيون لا يفاوضون على كرامتهم، وقرار إسنادهم لغزة قرار يمني خالص، وقد وقع ترامب في فخ أوهام إدارته بتهديده لإيران للضغط على اليمنيين، وهو يعلم أن لا أحد يُملى عليهم، ولا من الذين يتلقون التعليمات من أي جهة، فلا إيران أنقذته، ولا اليمنيون توقّفوا".

يتابع: "اليمنيون نجحوا في إعادة رسم المشهد وهزيمة الطائفية، باستهدافهم مطار بن غوريون في قلب الكيان الصهيوني، وضرب حاملات الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر".

والحديث للمحل السياسي اليوتوبير الشهير حفكوف: "في خلفية هذا المشهد، يبرز انتصار آخر أعمق أثراً بهزيمة الطائفية، حين يتقدّم مشروعا تحرريا شاملا يتجاوز الانتماءات المذهبية، ويجمع في صفوفه مختلف المكونات اليمنية في جبهة واحدة تقاتل من أجل السيادة والكرامة".

.. ويخاطب الكبار بلغة الحديد والنار

وقال: "إن القول إن الأمر مجرد انقلاب ميداني فيه إجحاف، إنه إعادة تعريف لمنطق الردع، وصعود فاعل غير تقليدي يفرض قواعد اشتباك الإقليمية، من خارج المنظومة، وعلى أنقاض موازين القوة الكلاسيكية".

وأضاف: "كانت العمليات الأخيرة اليمنية في البحر الأحمر ثمرة لبنية صاروخية واستخباراتية دقيقة، وبقدرة مذهلة في توظيف الجغرافيا والموارد المحدودة في معركة استنزاف طويلة النفس لقوات أمريكا".

المؤكد في قناعة المحلل السياسي واليوتوبير السوادني، إن ما يجري في البحر الأحمر، فعل إستراتيجي مكتمل الأركان يربك مراكز القرار العالمية، ويُعيد تموضع اللاعبين، ما يثبت أن اليمن أصبح قوة يُحاكي العالم بلهجة الكبار، ويُخاطب واشنطن ويافا المحتلة "تل أبيب" بلغة الحديد والنار، وهي اللغة التي لا يفهم الصهاينة غيرها".

.. ويؤسس مرحلة جديدة

بدوره، اعتبر عضو المكتب السياسي للتيار الشعبي التونسي، وليد العباسي، موقف اليمن في إسناد غزة والمقاومة الفلسطينية تجسيدا حقيقيا لوحدة المصير بين قوى التحرر في المنطقة، وهو تأكيد على أن فلسطين ليست قضية تخص شعبها وحده، بل هي قضية كل أحرار الأمة.

وقال: "إن صمود اليمن في وجه التحالفات والضغوط والعقوبات الغربية، وإصراره على استمرار عملياته العسكرية ضد الاحتلال "الإسرائيلي" حتى وقف العدوان، ورفع الحصار عن غزة، يعكس الإلتزام المبدئي الذي تفتقده الأنظمة العربية".

وأضاف، في حوار لـموقع "عرب جورنال"، حول موقف اليمن من إسناد غزة والتطورات في المنطقة: "اليمن اليوم يثبت أن القضية الفلسطينية ليست مجرد شعار، بل التزام عملي يتجسد في مواقف واضحة وتضحيات ملموسة".

وتابع: "بعد أكثر من 15 شهراً، من إسناده لغزة لم تنجح الضغوط الدولية في ثني اليمن عن موقفه، وهو ما يؤكد أن هذه الجبهة أصبحت ركيزة أساسية في معادلة الردع الإستراتيجي ضد الكيان الصهيوني، ويؤكد أن المقاومة اليوم لم تعد محصورة داخل فلسطين، بل أصبحت تمتد عبر محور متكامل يمتلك إرادة المواجهة وكسر المعادلات".

.. ويواجه العدوان الأمريكي وحيداً

سياسي التيار الشعبي التونسي، العباسي، اعتبر العدوان الأمريكي على اليمن ليس مجرد رد على عملياته العسكرية ضد بحرية أمريكا والكيان، وإنما ضمن المشروع الاستعماري وفق الخطة السياسية الأمريكية الهادفة إلى إخضاع الدول والهيمنة عليها.

وأكد مواجهة اليمن العدوان الامريكي وحيداً؛ لأنه اختار مقاومة المشروع الصهيو - أمريكي، بينما الأنظمة العربية اختارت الخنوع والذل والتواطؤ، خاصة الأنظمة الخليجية والمطبعة، التي تتعرض لإذلال وابتزاز أمريكا.

وقال: "لا يمكن القبول أن يبقى اليمن وحيداً في مواجهة هذه الحرب الظالمة؛ لأن المعركة ليست يمنية فقط، بل معركة كل الأمة، خاصة وأن دعم اليمن لغزة شكل نقطة تحول إستراتيجية أثبتت هشاشه الاحتلال، ويمكن ضربه من أي نقطة".

وأضاف: "إن استمرار دعم اليمن لغزة يؤسس مرحلة جديدة في الصراع لمصلحة فلسطين والأمة، حيث تصبح معركة تحرير فلسطين مسؤولية محور متكامل، وليس مجرد معركة فلسطينية معزولة".

.. ويحارب الإمبريالية والصهيونية

بدوره قال مدير مكتب قناة "آر تي" في لبنان، الإعلامي والناشط البريطاني ستيفن سويني: "أنصار الله" يحاربون من أجل الحرية والديمقراطية يقدمون ديونا لا يستطيع الآخرون تسديدها، ويواجهون النازية الجديدة بزعامة "إسرائيل" وأمريكا لارتكابهن أبشع جرائم الإبادة الجماعية بحق شعب غزة".

وأضاف: "لا يمكن أن يحل السلام في المنطقة والعالم في وجود 'إسرائيل'؛ كونها كيانا إرهابيا"، داعياً إلى محاصرتها وقطع العلاقات معها في كل المجالات "من أجل وقف حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها بحق أهل غزة".

وتابع في مشاركته فعاليات المؤتمر الدولي الثالث "فلسطين قضية الأمة المركزية"، الذي عقد في العاصمة صنعاء، الأسبوع الفائت: "لقد قرأت في الانتصارات الكثيرة في المعارك التي حققها المسلمون في خيبر، والخندق، (...) ، تثبت القدرة على تحقيق الانتصار ولو في أوقات مختلفة".

وفق ستيفن، فـ"اليمنيون يمثلون محور المقاومة والدفاع عن الحق والمظلومين، وقضية فلسطين التي تعتبر اليوم هدف كل الأحرار، ولهذا السبب لا يستطيع الآخرون الانتصار عليهم".

وأكد ، بالقول: "أشعر بالفخر لوقوفي مع الشعب اليمني الذي يحارب الإمبريالية والصهيونية، ومن يقف إلى جانبه يشعر بالقوة والشجاعة، وهذا الشيء لا يستطيع نتنياهو وترامب أن يفهماه".

.. ويمارس حقه المشروع

من جهتها، اعتبرت البريطانية فانيسا بيلي، حظر القوات اليمنية بالعمليات العسكرية ضد السفن الصهيونية في البحر الأحمر إسنادا لغزة، حقا مشروعا وفق المواثيق الدولية.

وأكدت بيلي، وهي صحفية وباحثة قانونية لقناة أمريكية، إن اليمنيين يتصرفون ضد سفن الكيان بشكل قانوني وأخلاقي، وبنزاهة تامة في إطار الإتفاقية الدولية بشأن تجريم حروب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش "الإسرائيلي" بحق المدنيين في غزة، وقد أثبتتها محكمة العدل الدولية.

.. وهو المارد السعيد بين الأقزام

وأكد الكاتب الفلسطيني، منجد صالح، أن "المعدن الأصلي الصافي الحُر يبان ويتجلّى وقت الشدّة، والذهب يزداد لمعانا واصفرارا عندما تفركه، واليمن يزداد تألقاً وعزّة وإباء، هذه الايام، يبدو مارداً عملاقاً من نور ونار وسط مجموعة من الاقزام التعساء والبؤساء، حتى لو كانوا مُكتنزي الجيوب والخزائن بالدولارات وسبائك المجوهرات".

وقال، في مقال نشره على موقع "رأي اليوم": "كُلّ إناءٍ بما فيه ينضحُ"، هكذا تقول الحكمة والقول المأثور، وإناءُ اليمن مدبوز بالبطولة والشهامة ومرابط الخيل العربيّة الاصيلة، وأبهى ما في اليمن أنّه مبادر، في المقدّمة والطليعة، يمسك بزمام الأمور، ولا ينتظر الزمان والمكان المناسب للفعل أو الرد".

وأضاف: "اليمن هو القول والفعل، وهو الرد يا شعبنا، أما جيرانه والمحيطون بجغرافيته، ومن حواليه من المياه إلى المياه، فيُحبّون النوم في العسل على أنغام موسيقى ترامب التخديرية، وعزف نتنياهو على آلات التحايل والتلاعب والرياء والمُداهنة، وخلق أعداء وهميِين لتغطية المُحتل".

وتابع: "اليمنيّون صيّادو اللؤلؤ المهَرة من خليج عدن، ويصطادون سفن الأعادي في باب المندب والبحر الاحمر، وجيرانهم يصطادون الجواري على شواطئ ماربيّا، وأينما يطيب لهم المجون والسهر؟؛ نُغنّي لليمني 'يا يمني خلّي رصاصك صايب"، ونهزج للأخر 'كيس دولاراتك خايب'".

الكاتب والدبلوماسي الفلسطيني أنهى مقاله بهذه العبارات: "في اليمن عيون صاحية ساهرة على الثغور، وفي جواره ومن حوله عيون ناعسة، أرضها بُور والأفخاخ والكمائن والخوازيق".

.. ويضرب أقوى حاملات الطائرات

استهدفت القوات اليمنية عددا من حاملات الطائرات الأمريكية، آخرها "هاري ترومان"، ومدمراتها، عدة مرات في البحر الأحمر، مُنذ استئنافها الحظر البحري على سفن "إسرائيل"؛ إسناداً لغزة بعد منع الكيان إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، واستئناف العدوان على غزة.

واستؤنف قرار فرض الحظر البحري اليمني على سفن "إسرائيل" في 12 مارس 2025، الذي أعلنته القوات اليمنية في نوفمبر 2023، واستمر حتى يناير 2025، وأطلقت 1170 صاروخاً باليستياً، وفرط صوتي، ومسيّرة، إلى عُمق الكيان.

وكبَّدت قوات دول العدوان الأمريكي - البريطاني - "الإسرائيلي"، في المواجهات البحرية، أكثر من 225 قِطعة بحريَّة تجارية وحربية؛ ضمن معركة "الفتح الموعود والجهاد المقدّس"، خلال 15 شهراً؛ دعما للمقاومة؛ ونصرة لغزة.