بين الرصاص والمواليد.. لماذا قد يخسر الكيان الصهيوني معركة الوجود؟
السياسية || محمد محسن الجوهري*
من يتأمل بدقة في البنية الداخلية للكيان الصهيوني يلاحظ هشاشته البنيوية واحتمالية انهياره على المدى الطويل. ورغم ما يروج له من مظاهر قوة عسكرية واقتصادية، إلا أن هنالك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن هذا الكيان يعيش تحت وطأة عوامل تهديد حقيقية من الداخل، تتجاوز حدود الصراع العسكري، وتتمثل إحدى أبرز هذه التهديدات في العامل الديموغرافي.
فالواقع السكاني في فلسطين المحتلة يشير إلى تفوق مبدئي لصالح الشعب الفلسطيني، الذي يواصل نموه السريع في ظل تزايد عدد سكانه، بينما يشهد الكيان الصهيوني تداعيات سلبية على مستوى الاستقرار السكاني نتيجة الهجرة العكسية لأعداد كبيرة من اليهود.
في تاريخ الصراع، وتحديدًا بعد حرب النكسة عام 1967، حين حقق الكيان الصهيوني انتصارًا عسكريًا، بدأت موجات من الهجرة العكسية، حيث ترك العديد من اليهود الأراضي المحتلة ليعودوا إلى دولهم الأصلية أو يهاجروا إلى دول غربية أخرى. وعلى الرغم من الهيمنة العسكرية التي لا تزال تحكم المعادلة، إلا أن هذه الهجرات تظل دليلاً على هشاشة الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الكيان. في الوقت الراهن، يقدر عدد المواطنين الإسرائيليين من أصل يهودي بحوالي سبعة ملايين، لكن نصفهم يعيشون خارج فلسطين المحتلة في غياب تام لأي استقرار حقيقي.
من جهة أخرى، يظل معدل الخصوبة بين الفلسطينيين مرتفعًا مقارنة باليهود، مما يضاعف تحديات الكيان في الحفاظ على ميزان سكاني مستقر لصالحه. ففي الأراضي المحتلة يعيش حوالي سبعة ملايين فلسطيني، نصفهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما يشكل الفلسطينيون في الداخل المحتل نسبة كبيرة أيضًا. هذه الأرقام تشير إلى أن الكفة السكانية تميل تدريجيًا لصالح الشعب الفلسطيني، وهو ما يعزز التوقعات بأن المستقبل القريب قد يشهد تحولًا في المعادلة الديموغرافية لصالح الفلسطينيين.
أحد أبرز المؤشرات التي تُقلق الكيان الصهيوني اليوم هو عودة الفلسطينيين من الشتات، الذين فرّوا من الأراضي المحتلة بعد النكبة. على الرغم من محاولات "إسرائيل" منع عودة هؤلاء النازحين، إلا أن العديد منهم تمكنوا من العودة عبر جوازات سفر أوروبية وأمريكية، مما يهدد استقرار الكيان داخليًا. وفقًا لبعض التقديرات، فإن عدد الفلسطينيين الذين يقيمون في الأراضي التي احتلت عام 1948 قد تجاوز 400 ألف نسمة، ويشكلون مصدر قلق دائم للوجود الصهيوني في المنطقة.
وبذلك، نجد أن القوى البشرية والتوازن السكاني أصبحا عاملين أساسيين في رسم معالم المستقبل السياسي لهذه المنطقة. ورغم التفوق العسكري والتكنولوجي الذي يتمتع به الكيان الصهيوني، إلا أن الواقع الديموغرافي يحمل في طياته إمكانيات كبيرة للتحول، بما قد يفضي إلى انهيار داخلي إذا استمرت هذه الديناميكيات.
إذا كانت الأنظمة العربية قد أدركت هذه النقطة وركزت جهودها على دعم الشعب الفلسطيني عسكريًا وماليًا، فإن المعركة قد تكون أكثر توازنًا، وقد تنقلب الموازين لصالح الفلسطينيين في المستقبل القريب. في هذا السياق، تظل القضية الفلسطينية على الرغم من كافة التحديات التي تواجهها، محورية في رسم ملامح نظام إقليمي جديد يخلو من الاحتلال والتفوق الإسرائيلي.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب