السياسية :

التطبيع الرياضي هو أحد أهم أشكال التطبيع الذي تسعى إليه حكومة الاحتلال وبعض الحكومات العربية، ومن هنا كان الواجب والوعي الجماهيري هو الحل للوقوف في وجه هذا التطبيع الخطير، الذي يمهد للاعتراف بكيان العدو والتعامي عن جرائمه الشنيعة التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني.

مناسبات تطبيعية مختلفة تطوف فيها الدول الخليجية سعيًا للتقارب مع الاحتلال الإسرائيلي من طرق وممرات مختلفة أهمها بوابة التطبيع الرياضي الذي بات ملحوظًا في الأعوام الأخيرة من خلال استضافة اللاعبين الإسرائيليين في الفعاليات الرياضية التي تستضيفها الدول العربية.

بشكل مُباشر أو عبر طُرق التفافية، تسعى حكومات الدول الخليجية المُنظمة لهذه البطولات إلى جعل التطبيع مع الاحتلال أمرًا طبيعيًا، مبررة ذلك بأن استضافة دولهم لمثل هذه البطولات العالمية تتطلب الالتزام بشروط الاتحادات الدولية للألعاب الرياضية المختلفة، التي تُلزم الدول المُضيفة بمنح تأشيرات للفرق واللاعبين الذين يمثلون بلدانهم.

التساهل الرسمي في التطبيع مع الاحتلال الذي تُبديه بعض دول الخليجية في هذه السنوات، أظهر على السطح حجم الرفض الشعبي لهذه الممارسات خاصة مع تزامن المبادرات التطبيعية مع مجازر للاحتلال تجاه فلسطين شعبًا وأرضًا، ويمكن رصد هذا الغضب والرفض الشعبي من خلال ما يتداولونه على وسائل التواصل الاجتماعي التي تكاد وسيلة التعبير الوحيدة عن الرأي في دول الخليج العربي.

الكويت أنموذج للمقاطعة

مُبادرات عديدة أطلقت لرفض التطبيع مع الاحتلال في دول العالم، منها في دول خليجية كمبادرة “سعوديون ضد التطبيع” في السعودية و”شباب قطر ضد التطبيع” في قطر، والنشاط الذي يبذله نشطاء بحرينيون لمقاطعة الاحتلال بعد أن تم إغلاق مكتب مقاطعة “إسرائيل” في البحرين عام 2006 ورفعت البحرين بعده الحظر عن البضائع الإسرائيلية.

لكن الأمر مُختلف تمامًا في الكويت التي تُغرد خارج سرب التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتُنظم فيها العديد من الفعاليات والأنشطة الرافضة للتطبيع مع الاحتلال في الجامعات والمراكز الشبابية، يقودها اتحادات الطلبة وفريق حركة مقاطعة “إسرائيل” BDS في الكويت، إضافة إلى “رابطة شباب لأجل القدس – فرع الكويت”.

هذا الرفض الرسمي والشعبي للتطبيع مع الاحتلال أسبابه مُختلفة، منها حرية المجتمع المدني بالكويت والوعي الشعبي العام بجرائم الاحتلال الإسرائيلي الذي عزّزه منذ البداية افتتاح “مكتب مقاطعة إسرائيل” في الكويت عام 1957، الذي تبعه إقرار القانون رقم 21 لسنة 1964 الذي يحظر حيازة وتداول السلع الإسرائيلية بكل أنواعها، وقد تم إقرار القانون وقتها بإجماع كل الوزراء والنواب الحاضرين دون أي امتناع أو اعتراض.

وإذا ذكرت الكويت والتطبيع الرياضي يجب أن نذكر ما فعلته الكويت لإخراج الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم من الاتحاد الآسيوي للعبة، يوم أن كان النائب الكويتي أحمد السعدون رئيسًا للاتحاد الكويتي لكرة القدم عام 1976، وتقدّم باسم الاتحاد بمشروع قرار لطرد الاحتلال الإسرائيلي من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم وقد نجح في ذلك بمساندة ماليزيا التي كانت تستضيف المؤتمر السابع للاتحاد الآسيوي ذلك العام، ما جعل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يُعدل نظامه الأساسي حتى يتم قبول الاحتلال الإسرائيلي ضمنه.

للإجابة عن المُتحججين بأّن رعاية البطولات الرياضية الدولية يتطلب من الدولة المستضيفة منح التأشيرات لكل المشاركين، نستعرض سريعًا بعض النماذج العربية والعالمية التي رفضت فيها الدول المُضيفة منح التأشيرات لرياضيين ليمثلوا بلادهم في بطولات رياضية مختلفة.

العديد من الرياضيين العرب رفضوا أن تكون ممارستهم للرياضة وسعيهم للفوز بالبطولات مُبررًا للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال مواجهة ممثليه في مختلف المحافل الرياضية، نستعرض أبرزهم خلال الأعوام الماضية، نذكر منهم الشبل الكويتي محمد العوضي لاعب منتخب الكويت للتنس الذي رفض مؤخراً مواجهة لاعب إسرائيلي في الإمارات، وأعلن انسحابه.

سَجل الشبل الكويتي ولاعب منتخب الكويت للتنس، محمد العوضي البالغ من العمر 14 عاماً، الجمعة، موقفاً مشرفاً بعد رفضه التطبيع باللعب أمام لاعب إسرائيلي، في بطولة “باول الدولية للتنس” التي تستضيفها دبي في الإمارات.

وتأهل العوضي إلى نصف نهائي البطولة، لكنه رفض التطبيع بعد أن عرف هوية خصمه وهو لاعب من كيان الاحتلال.

ولاقى انسحاب العوضي إشادات واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال عضو رابطة علماء الخليج، يوسف السند، في تغريدة في “تويتر”: “البطل الكويتي والخليجي محمد العوضي ينسحب من اللعب مع ممثل الكيان الصهيوني العنصري في بطولة التنس المقامة بدبي”.

وأضاف السند إن اللاعب الكويتي “يعلن بموقفه تضامنه مع أهل فلسطين الذين ما زال الصهاينة الإرهابيون يسجنونهم ويهدمون بيوتهم ويقتلونهم”.

مسؤولية الجماهير

لا يشكل الاحتفاء بالرياضيين المقاطعين، سواء في الفضاء الإلكتروني أو الاستقبال الشعبي، أحد مشاهد تجسد العنفوان الشعبي العربي الذي قل ما نراه في ظل الانقسام السياسي العربي الحاد على طول الخارطة، بل إن هذا الاحتفاء، من صور وتصاميم فنية ورايات ترفع رغم بساطتها وفقرها المادي، أحد أكثر الأسلحة جدوى في مجابهة الحملة المنظمة والممنهجة المدعومة من أنظمة عربية، على مدار عقود. الموقف الشعبي هنا سلاح، ودليل آخر على الهوة بين الخطاب الشعبي العربي المكبوت وما تمظهره وسائل إعلام النخب العربية، فمن صعوبة رفض التطبيع اليوم -وقد يكون من حسن الحظ- أن مفاعيله في المجال العام مختلفة، فهي تساهم في تقويض النخب الثقافية المهيمنة على الدول العربية، كما هي رفض للاحتلال.

ومن هنا تكون أهمية تشييد ثقافة جماهيرية مضادة مسؤولية تاريخية، قبل أن تكون مسألة عاطفية، حيث تستلزم استنفار كل المواهب والأصوات الجماهيرية العربية من كتاب وفنانين والأهم في هذا السياق الرياضيين العرب، الذين يكتسي دورهم مسؤولية تاريخية غير مسبوقة. ولعل من أهم الشواهد في هذا السياق النقاش المتلفز الحاد بين البطل الجزائري فتحي نورين وإحدى الصحفيات الجزائريات، حيث قال في معرض رده: “يا سيدة، لا علاقة للأمر بالنقاط والهزيمة، فحتى لو هزمته شرّ هزيمة، هو انتصر لأنك اعترفت به”.

* نقلا عن : الوقت التحليلي
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع