السياسية:


مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً للكاتبين فريدريك ويهري وجنيفر كافاناغ، اللذين تحدّثا فيه عن احتمال تطبيع العلاقات بين الاحتلال "الإسرائيلي" والسعودية، مؤكدين أنّ نتائج التطبيع لن تكون إيجابية بالنسبة إلى الولايات المتحدة أو السعودية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

إنّ مغادرة الرئيس جو بايدن البيت الأبيض، في أوائل العام المقبل، ستفعّل بنداً مميزاً في أجندته للشرق الأوسط من دون أن يكون مدركاً ذلك: التطبيع الدبلوماسي بين "إسرائيل" والسعودية، مختوم بضمانة أمنية أميركية رسمية للرياض. ومع ذلك، فإنّ هذه الاتفاقية المراوغة معرضة لخطر أن يلتقطها خليفته مرة أخرى، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات.

في أثناء وجوده في منصبه، كان الرئيس السابق دونالد ترامب بين أكبر مؤيدي السعودية، وأشار بالفعل إلى رغبته في توسيع ما يسمى اتفاقيات "أبراهام"، وهي سلسلة من الاتفاقيات الثنائية بين "إسرائيل" وحفنة من الدول العربية، تم التفاوض عليها تحت إشرافه، لتشمل السعودية.

قد تضطر نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية، إلى إحياء الصفقة أو بعض أشكالها، سواء من أجل الاستمرار أو لأن التوصل إلى صفقة كبرى في هذه المنطقة المضطربة سيكون إنجازاً في السياسة الخارجية لسياسي منعدم الخبرة نسبياً.

لكن، بالنسبة إلى هاريس أو ترامب، فإنّ الاستمرار في تعزيز هذا الاتفاق الإقليمي سيكون خطأً فادحاً. فالترتيب المقترح لن ينهي الحرب في غزة، أو يحل الصراع "الإسرائيلي" ـ الفلسطيني، أو يمنع توسع الصين في الشرق الأوسط، أو يواجه إيران ووكلاءها. وبدلاً من ذلك، من خلال إلزام واشنطن بالدفاع عن دولة عربية قمعية للغاية ولها تاريخ من السلوك المزعزع للاستقرار، فإنّ الإنجاز الرئيس للاتفاق سيكون زيادة تورط الولايات المتحدة في منطقة حاول الرؤساء الأميركيون المتعاقبون الابتعاد عنها.

إنّ السعي الحثيث لتحقيق هذه الصفقة السيئة أعمى صنّاع السياسات في الولايات المتحدة عن عوامل أخرى أكثر أهمية للصراع في المنطقة، كما تسبب بتأخير الولايات المتحدة للجهود الرامية إلى تكثيف الضغوط على "إسرائيل" من أجل إنهاء حربها في غزة. وبالتالي، يتعيّن على الرئيس الأميركي المقبل أن يتخلى عن الاتفاق المقترح.

من الواضح أنّ إبرام الاتفاق له جاذبية كبيرة لدى القادة الإسرائيليين والسعوديين. فقد يقدم رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو الاتفاق كونه انتصاراً سياسياً بعد مواجهة انتقادات شديدة لفشله في منع هجمات الـ7 من أكتوبر، وإطالة أمد الحملة العسكرية في غزة. كما يظل ولي العهد السعودي والزعيم الفعلي للمملكة، محمد بن سلمان، عازماً على توقيع نسخة عن الاتفاق لأنّها توفر للمملكة الحماية وفوائد اقتصادية كبيرة والهيبة المتمثلة بكونها من أقرب حلفاء الولايات المتحدة.

أمّا بالنسبة إلى واشنطن، فيبدو التطبيع "الإسرائيلي" السعودي كأنه يقدم وسيلة لتعزيز حل الدولتين، وبالتالي إنهاء الصراع الذي امتص موارد الولايات المتحدة واهتمامها مع منع النفوذ المتزايد للصين في الشرق الأوسط. لكن، عند الفحص الدقيق، لن يحقق التطبيع أياً من هذين الهدفين. فبادئ ذي بدء، لن تكون الصفقة الطريق إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كما تأمل واشنطن. ولا يوجد ببساطة أي دليل على أنّ نتنياهو أو أي حكومة "إسرائيلية" سوف تلتزم التنازلات اللازمة لإنشاء دولة فلسطينية، وهو ما طالبت به الرياض شرطاً مسبّقاً، بغض النظر عن الفوائد الاقتصادية والأمنية التي قد يجلبها التطبيع السعودي.

حتى لو توصلت "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية إلى اتفاق ما، فإنّ احتمالات أن يؤدي ذلك إلى خلق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين ضئيلة. والواقع أنّه حتى اتفاقيات التطبيع، التي وقعتها "إسرائيل" بالفعل، تبدو على أرض مهتزة. فبعد السابع من أكتوبر، اندلعت الاحتجاجات في المغرب والبحرين ضد اتفاقيات "إبراهام".

ولن تمنح الصفقة الولايات المتحدة أي ميزة حقيقية على الصين في الشرق الأوسط. لقد عملت المملكة العربية السعودية على توسيع علاقاتها بمجموعة من القوى الخارجية، بما في ذلك الصين وروسيا، في مجال الطاقة والتجارة لتجنب الإفراط في الاعتماد على الولايات المتحدة. وتعتقد الرياض أنّ تنوّع الشركاء من شأنه أن يجذب فرصاً اقتصادية أفضل ويسمح بالوصول إلى تكنولوجيا وأنظمة عسكرية أكثر تقدماً، وخصوصاً في المناطق التي تفتقر فيها الولايات المتحدة إلى ميزة تنافسية.
على سبيل المثال، تعمل الصين والمملكة العربية السعودية معاً في مشاريع البنية الأساسية والتكنولوجيا، فضلاً عن مبادرات الطاقة المتجددة. ولن تحظر الصفقة هذا النشاط. وبالتالي، من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في كلتا الحالتين.

ومن شأن الاتفاق أن يمنع الأنشطة العسكرية لبكين من خلال منع الصين من بناء قواعد عسكرية في المملكة العربية السعودية، والحد من حيازة السعودية للأسلحة الصينية وتكنولوجيا المراقبة المحلية. لكن هذه تنازلات تكاد تكون بلا معنى: فالروابط العسكرية ليست المصدر الرئيس لنفوذ بكين المتزايد في المملكة العربية السعودية أو في الشرق الأوسط الأوسع. اليوم، ليس للصين وجود عسكري دائم أو خطط لقواعد عسكرية في المملكة العربية السعودية، وليست مورّداً رئيساً للأسلحة للمملكة، ونادراً ما تدرب الدولتان قوّاتهما معاً. والأمر الأكثر أهمية هو أنّ الشراكات الاقتصادية والتجارية، التي تشكّل المحرّكات الحقيقية للنفوذ الإقليمي للصين، ستُترك من دون مساس إلى حد كبير.

وحتى في ظل الاتفاق المحتمل، على سبيل المثال، من المحتمل أن تحتفظ الصين باستثماراتها في الموانئ السعودية، والتي قد يتم الاستفادة منها في العمليات العسكرية تحت الرادار أو لإعادة تزويد السفن العسكرية الصينية بالوقود أو إعادة الإمداد. وبالتالي، فإنّ الصفقة هي وسيلة رديئة لحرمان الصين من موطئ قدم في المملكة.

إنّ الفوائد العسكرية المزعومة للولايات المتحدة من التطبيع "الإسرائيلي" السعودي مبالغ فيها أيضاً. من الناحية النظرية، من شأن الاتفاق أن يوفر للولايات المتحدة بعض المزايا العسكرية الهامشية عندما يتعلق الأمر باحتواء إيران. قد تستخدم واشنطن الوصول الجديد إلى المياه والمجال الجوي السعودي من أجل تحسين قدرتها على تعقب الحركات الإيرانية وتعطيلها واعتراض شحنات الأسلحة المتجهة إلى وكلائها. لكن، في الممارسة العملية، ستكون المكاسب العسكرية ضئيلة. تسعى المملكة العربية السعودية، مثل دول الخليج العربية الأخرى، لتجنب الصراع المفتوح مع إيران أو وكلائها. وبالتالي، كانت مترددة في مساعدة الولايات المتحدة في صد هجمات حركة أنصار الله في البحر الأحمر أو العمل ضد وكلاء إيران في أماكن أخرى من المنطقة. ومن غير المرجح أن يغير الاتفاق هذه الحقيقة.

لكن، حتى لو حدث ذلك، فإنّ الوصول الإضافي إلى المملكة العربية السعودية لن يمنح واشنطن دعماً كبيراً: لقد أثبتت محاولات ردع نشاط الحركات، من خلال عروض أكبر للقوة الصارمة الأميركية، أنّها مخيبة للآمال في كثير من الأحيان. لقد أصبحت الجماعات المسلحة المدعومة من إيران ماهرة في إلحاق الضرر بـ "إسرائيل" والقواعد الأميركية في العراق وسوريا، مع قَدْر كافٍ من ضبط النفس لتجنب المس بالخطوط الحمر الأميركية، أو إثارة التصعيد. إنّ حملة الولايات المتحدة لوقف هجمات حركة أنصار الله على الشحن التجاري، على مدار العام الماضي، هي مثال على ذلك. حتى كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين اعترفوا بأنّ العملية كانت فشلاً مكلفاً لأنّ حركة أنصار الله نجحت في توزيع أسلحتها وأفرادها في أكثر من مكان.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّ من شأن اتفاق التطبيع أن يعرقل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، في وقت ينبغي فيه للبيت الأبيض أن يعطي الأولوية لتحديات عالمية أخرى، مثل مواجهة بكين في بحر الصين الجنوبي. وعلى الرغم من تلقي ملايين الأطنان من الأسلحة المتقدمة من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، فإنّ المملكة العربية السعودية تحتاج إلى مساعدة خارجية للدفاع عن نفسها. وفي حالة اندلاع حرب، فمن المرجح أن يثبت أنها تشكل عبئاً على واشنطن أكثر من كونها شريكاً قيماً. وينبغي للولايات المتحدة أن تستمر في مساعدة المملكة العربية السعودية في تطوير القدرات المتخصصة التي تحتاج إليها لحماية نفسها، مثل أنظمة الدفاع الجوي، لكن يجب أن تتجنب الالتزام الشامل بإرسال قوات ومعدات أميركية للدفاع عن النظام من العدوان الخارجي. وقد يثني مثل هذا التعهد الرياض عن السعي للمصالحة مع جيرانها، ويشجع المملكة على المخاطرة.

ومن شأن الاتفاق أيضاً أن يُلحق الضرر بالشرق الأوسط عبر طرائق أكثر دهاءً. لقد أدى السعي الدؤوب للتطبيع "الإسرائيلي" السعودي إلى صرف انتباه واشنطن عن مساعدة المنطقة في إحراز تقدم بشأن مصادر الصراع الفعلية. إن إنهاء الحرب في غزة، على سبيل المثال، يتطلب من الولايات المتحدة أن تمارس ضغوطاً أكبر وأكثر مباشرة على "إسرائيل"، لكن، بدلاً من ذلك، تصرف المسؤولون الأميركيون كأنهم قادرون على حل الصراع من خلال التلويح بجزرة التطبيع.

* المادة نقلت حرفيا من موقع الميادين نت ـ فريدريك ويهري وجنيفر كافاناغ ـ نقلته إلى العربية: بتول دياب