السياسية : تقرير|| عبدالعزيز الحزي||


يسعى مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة إلى فرض التهجير القسري على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية كأمر واقع، وتنفيذ مخططات الضم والتوسع الاستيطاني، وحرب الإبادة والتطهير العرقي في القطاع والضفة الغربية المحتلة، بينما يزداد تشبث الشعب الفلسطيني بأرضه وحقه في تقرير المصير.

ومن المعروف أن التهجير القسري هو إبعاد الأشخاص عن أراضيهم بشكل دائم أو مؤقت على غير إرادتهم دون توفير الحماية القانونية أو غيرها من الوسائل الأخرى لهم، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وفق ما ورد في نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية، ويكون التهجير القسري إما بصورة مباشرة عبر استخدام القوة أو غير مباشرة عبر التهجير من خلال وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد.

ويتعرض الفلسطينيون في الأراضي المحتلة منذ 75 عاما للتهجير القسري الذي يصنف أيضا كجريمة ضد الإنسانية، وهو سياسة ممنهجة يمارسها ضدهم العدو الصهيوني منذ نكبة عام 1948.

ومنذ بداية العدوان على غزة في السابع من أكتوبر الماضي تحدثت حكومة نتنياهو والصهاينة في تصريحات علنية، بشأن تهجير فلسطينيي غزة إلى مصر.

ويرى مراقبون أن السيناريو الصهيوني، بالتهجير القسري للفلسطينيين، ما يزال قائماً، بل أنه يمثل الهدف الأكبر للكيان الصهيوني الغاصب في عدوانه على غزة.

ويعتقد المراقبون، أنه ورغم وجود العديد من الأهداف المعلنة للكيان الصهيوني، والتي يتحدث عنها قادته العسكريون ليل نهار، إلا أن الهدف المستتر، والذي لا يأتون على ذكره يظل دائما، هو التهجير القسري الجماعي للفلسطينيين ليس من غزة فقط، ولكن من الضفة الغربية أيضاً.

ويرى محللون أن الخطوات التي يتخذها الكيان الصهيوني على الأرض، من عمليات قصف وتدمير لكل مقومات الحياة، لا تؤدي إلا لخيار واحد، وهو دفع فلسطينيي غزة دفعا، باتجاه الحدود المصرية وإجبارهم على الخروج قسراً أو طوعاً بحثاً عن حياة.

ويعتبر خبراء عسكريون أيضاً، أن العمليات العسكرية التي باتت أكثر عنفاً في جنوب القطاع، تؤكد استمرار دفع الكيان الغاصب باتجاه سيناريو التهجير القسري لسكان غزة، باتجاه سيناء المصرية.

وسبق لجيش العدو الصهيوني، ضمن عملياته العسكرية، في جنوب غزة، أن طالب سكان خانيونس بالتوجه نحو مدينة رفح على الحدود المصرية.

ويرى عدة مُحللين فلسطينيين، أن الكيان الصهيوني يسعى لأن يجعل سيناريو التهجير بمثابة الأمر الواقع، بمعنى أنه يهيئ الظروف التي تقتل كل مقومات الحياة داخل غزة، ثم يقوم في نفس الوقت بدفع السكان في اتجاه واحد، نحو الحدود المصرية بحيث يحتشدون هناك، ليخلقوا أزمة إنسانية على الحدود، ويشكلون نوعاً من الضغط على الجانب المصري، الذي قد يسمح تحت ضغوط إنسانية بادخالهم في نهاية المطاف.

ومنذ أن طُرحت أفكار التهجير القسري لفلسطينيي غزة، من قبل مسؤولين صهاينة، مع بداية العدوان على غزة، فإنها قوبلت برفض أمريكي، وكذلك رفض من قبل مصر والأردن.

ورغم الرفض الأمريكي المعلن للخطط الصهيونية، بالتهجير القسري لفلسطينيي غزة، إلا أن مصادر فلسطينية تشكك في جدية هذا الرفض، وتعتبر أنه بمثابة نوع من توزيع الأدوار، وأن هدفه في المقام الأول تخدير الأطراف العربية، وإشغال الناس بالحديث عنه، لمنح فرصة للكيان الغاصب لإكمال عملياتها العسكرية، وسيناريو التهجير في نهاية المطاف.

وتعتبر مخططات العدو الصهيوني لتهجير مواطني الأغوار وفرض السيادة الكاملة عليها ليست جديدة، وتعود جذورها إلى بدايات احتلال الأغوار قبل خمسة عقود، عبر مشاريع استعمارية كبرى كان أبرزها مشروع "ألون" الذي يعود للعام 1968، ومنذ ذلك الحين تتخذ حكومات العدو الصهيوني المتعاقبة أساليب وذرائع مختلفة لذلك.

واستولت سلطات العدو الصهيوني على غالبية أراضي الأغوار واستخدمت لذلك ذرائع مختلفة منها: أراضي الدولة، والمحميات الطبيعية، ومناطق إطلاق النار، وغيرها من المسميات التي تصب في نهاية المطاف في حرمان أصحاب الأرض منها ومنحها للمستوطنين.

وانتقلت حكومة العدو الصهيوني وعلى رأسها نتنياهو من مراحل تمرير مخططات الضم والتهجير سراً إلى التصريح بذلك، وظهر ذلك جلياً، خلال مؤتمر صحفي عقده نتنياهو مطلع الشهر الجاري حول حرب الإبادة التي يشنها على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

واللافت في الأمر أن نتنياهو عند عرضه خريطة فلسطين أسقط منها الضفة الغربية، وهو ما اعتبره محللون استشرافا لشكل المرحلة المقبلة بتهجير الفلسطينيين وضم الضفة الغربية، وأول المناطق التي بدأت فيها مقدمات ذلك هي مناطق السفوح الشرقية والأغوار، حيث تشير معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إلى أنه تم تهجير 27 تجمعاً سكانياً بالضفة الغربية منذ بداية العدوان على غزة في شهر أكتوبر 2023 وحتى الآن، تحت تهديد السلاح وبسبب عنف المستعمرين.

ويتخذ ضم الضفة أشكالا عدة ومنها ترحيل تجمعات معينة كما حدث في السفوح الشرقية، كما قد تعمل حكومة العدو الصهيوني على إكمال ذلك من خلال إجراءات متعلقة بخلق ظروف صعبة وقسرية طاردة لتجمعات أخرى مثل الإفقار، أو التضييق على سكان الأرياف ودفعهم باتجاه المدن.

وفي ذكرى النكبة، قالت منظمة العفو الدولية في بيان لها: إن التهجير القسري الجاري لقرابة مليونيْ فلسطيني، والتدمير الشامل لممتلكات المدنيين والبنية التحتية المدنية في قطاع غزة المحتل، يسلّطان الضوء على سجل الكيان الصهيوني المروّع في تهجير الفلسطينيين، ورفضها المستمر لاحترام حقهم في العودة على مدى الـ76 عامًا الماضية.. مشيرة إلى أن هذه الذكرى تُذكِر بتهجير ما يزيد على 800 ألف فلسطيني في أعقاب قيام الكيان الغاصب في عام 1948.

وهجّر العدو الصهيوني خلال الأشهر الماضية أكثر من 150 ألف فلسطيني قسرًا من رفح جنوب قطاع غزة، تزامنًا مع تكثيفه لعملياته البرية والجوية في المنطقة، مُعرّضا آلاف الأرواح للخطر ومانعاً وصول المساعدات الإنسانية الضرورية، إلى معظم الذين فرّوا وهُجّروا أصلًا مرات عديدة بسبب العدوان الصهيوني الذي لا يرحم على قطاع غزة طوال الأشهر الماضية، بحسب المنظمة.

وقالت إريكا جيفارا روساس، مديرة البحوث وأنشطة كسب التأييد والسياسات والحملات في منظمة العفو الدولية: "إن أجيالًا من الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي المحتلة تعرّضوا لصدمة اقتلاعهم من أرضهم ومصادرة ممتلكاتهم عدة مرات دون أمل في العودة إلى ديارهم، ما خلّف جرحًا عميقًا في أنفسهم.. ومن المروّع جدًا رؤية المشاهد المخيفة (لكارثة) نكبة 1948 كما يسميها الفلسطينيون تتكرر مع اضطرار أعداد كبيرة من الفلسطينيين في قطاع غزة إلى الفرار من منازلهم سيرًا على الأقدام بحثًا عن الأمان مرة تلو أخرى، وإقدام جيش العدو الصهيوني والمستوطنين المدعومين من الكيان على طرد الفلسطينيين في الضفة الغربية من منازلهم".

هذا وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الكيان الصهيوني إلى استمرار تسهيل عودة الفلسطينيين، ومع ذلك لم يعترف الكيان الصهيوني الغاصب حتى بحق الفلسطينيين في العودة رغم القرارات الملزمة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.

وهنا ينبغي على المجتمع الدولي أن يبذل كل ما في وسعه لمنع المزيد من التهجير القسري للفلسطينيين، وأن يغيّر وضع التهجير الدائم لجميع الفلسطينيين بتمكينهم من الممارسة الفعلية لحقهم في العودة.. كما ينبغي أيضا تحقيق وقف إطلاق نار فوري فوري ومستدام في قطاع غزة.