السياسية : مركز البحوث والمعلومات

يبدو أن معاناة العالم بسبب حرب الفيروسات الشرسة ضد البشر ستستمر، لاسيما مع ظهور هجمة جديدة بفيروس ماربورغ القاتل وتسجيل أول وفاة في غينيا غربي أفريقيا في التاسع من هذا الشهر، ليعود مجددا بعد ظهوره الأول عام 1967 في مدينة ماربورغ الألمانية وتسميته على نفس اسم المدينة.

ويشكل فيروس ماربورغ الذي تفشي لأول مرة في مختبرات بمدينتي ماربورغ وفرانكفورت بألمانيا وفي بلغراد بيوغسلافيا السابقة، في حال انتشر بشكل كبير كفيروس كورونا، سيشكل خطراً على النظام الصحي العالمي المنهك أصلاً بسبب جائحة كوفيد19 التي تسببت بوفاة وإصابة الملايين من البشر.

وشهد العالم منذ تحديد الفيروس المنتمي لعائلة ايبولا 12 حالة من تفشي الفيروس معظمها في جنوبي وشرقي القارة الأفريقية، كانت أشدها في أنغولا بين عامي 2004 و2005م.. ووصلت حينها معدلات الوفاة للمصابين بالفيروس إلى 88%، وذلك في جميع أنحاء البلد.

وتحدث عدوى الفيروس الإفريقي وفقا لمنظمة الصحة العالمية من خلال ملامسة إفرازات الجسم المصاب وأنسجته، تليها فترة حضانة تتراوح من ثلاثة إلى عشرة أيام، مسببأ حمى نزفية شديدة العدوى، تشابه أعراضها بأعراض الملاريا أو التيفود، تؤدي فيما بعد إلى فشل الأعضاء والوفاة في كثير من الحالات.

وأكد الباحثون أن العدوى الأولية في تفشي الفيروس تبدأ عند التعرض في المناجم أو الكهوف التي تسكنها مستعمرات الخفافيش، والتي ستكون محور تشكل العديد من الفيروسات المستقبلية.

وحتى الآن لم يتم اعتماد أي لقاح أو دواء لهذا الفيروس، لكن المصابون يتلقون الرعاية الداعمة وعلاجات للمضاعفات والجفاف تعمل على تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة، وفق منظمة الصحة العالمية.

وأصبح الإعلان عن الفيروسات الجديدة أشبه بالأحداث العادية اليومية، فكل فترة يظهر فيروس جديد، بأعراض خطيرة، ولا يعرف له لقاح أو علاج، إلا بعد فترة من اكتشافة، ورغم تعدد الفيروسات واللقاحات، إلا أن الخطر يظل واحداً.

ومع ظهور المتحورات المختلفة للفيروس المسبب لكوفيد19 في شتى أرجاء العالم، إلا أن أبرزها متحور دلتا، نظراً لسرعة انتشاره في العديد من الدول، ليصبح هو المتحور السائد وراء معظم الإصابات الحالية، ما يجعل العالم بعيدا عن نهاية الجائحة، في ظل ضغط كبير على النظام الصحي في كل دول العالم.

وكان ظهور المتحور دلتا لأول مرة في الهند نهاية العام الماضي، قبل أن ينتشر في العديد من بلدان العالم، بما فيها الولايات المتحدة التي اكتشفت أول إصابة بها في مارس الماضي.

وهو ما دفع بعض الدول نحو إعادة فرض الإغلاقات وقيود السفر، فيما قررت بعضها إعطاء جرعة ثالثة معززة من اللقاحات لمواجهة هذا المتغير.

وكشف المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بشرق المتوسط، الدكتور أحمد المنظري، في حوار مع سكاي نيوز عربية الأربعاء الماضي، أن 142 دولة أبلغت عن ظهور السلالة الجديدة من كورونا المتحور دلتا بما في ذلك ثلثي بلدان الإقليم.

مشيرا إلى أن العدوى تتسبب بمقدار ضعف العدوى التي تسببها السلالة الأصلية من الفيروس، وأكثر عدوى بنسبة 50% من سائر المتحورات المثيرة للقلق.

وفي سياق تقييمه لتحركات دول إقليم شرق المتوسط في تطعيم المواطنين، نوه المنظري إلى وصول اللقاح لجميع بلدان الإقليم بنسب متفاوتة، عن طريق الشراء المباشر، أو وصولها عبر مبادرة كوفاكس الآلية المصممة لضمان الوصول السريع والعادل والمنصف للقاحات إلى 21 بلد في الإقليم وبلغت نحو 21.19 مليون جرعة.

وحددت منظمة الصحة العالمية حتى الآن أربعة أشكال مختلفة من السلالات المصنفة مثيرة للقلق.. وأطلقت على السلالة التي تم اكتشافها لأول مرة في بريطانيا اسم ألفا، ومنذ العاشر من أغسطس العام الماضي تم الإبلاغ عن حالات متحور ألفا عالميا في 185 دولة.

والسلالة التي اكتشفت في جنوب أفريقيا أطلق عليها اسم بيتا وأبلغت عنها 136 دولة، وأطلق على السلالة المكتشفة في البرازيل اسم غاما، وأبلغت عنها 81 دولة، بينما أطلق على السلالة المكتشفة في الهند وهي الأحدث، اسم دلتا وتم رصدها في 98 دولة.

أما التصنيف الثاني من المتحورات فهي التي توصف بالمثيرة للاهتمام، وتضم فيه منظمة الصحة سبعة متحورات، أهمها، إبسيلون ولامبدا، بعد نشر دراسات تظهر أن متحور إبسيلون، المكتشف في كاليفورنيا الأمريكية، له قدرة التغلب على الأجسام المضادة التي تنتجها لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (مثل فايزر وموديرنا)، كما له القدرة على مقاومة الأجسام المضادة التي تنتجها إصابة سابقة من فيروس كورونا.

أما المتحور لامبدا الذي ظهر في البيرو وسجل في 29 دولة، فقد بدأ بإقلاق المسؤولين في أمريكا اللاتينية ويحير العلماء بسبب مجموعة طفرات غير عادية.

ويعتبر متحور لامبدا أكثر شراسة من متحور دلتا حسب منظمة الصحة العالمية، ويشكل ما نسبته 70% من إصابات الفيروس في كل من تشيلي والأرجنتين في الأسابيع الأخيرة.

وقالت مديرة المكتب الإقليمي للمنظمة، كاريسا إتيان، إن القرائن المتوفرة حتى الآن عن هذه الطفرة تشير إلى خطورتها العالية، خاصة من حيث سرعة سريانها وقدرتها على مقاومة المناعة الناشئة عن اللقاحات والتعافي من الوباء.

وأضافت المسؤولة الأممية: “ما زلنا لا نملك البيانات الكافية لتحديد مدى خطورة هذه الطفرة ومواصفاتها النهائية، لكن المؤشرات العلمية التي تجمعت حتى الآن لدى الخبراء لا تبعث على التفاؤل”.

وحذرت منظمة الصحة العالمية، الأسبوع الماضي من أن البيانات التي قدمتها بعض الدول تشير إلى أن السلالة المتحورة من فيروس كورونا المستجد دلتا ترفع مخاطر دخول المصابين للمستشفى، ما يفند الاعتقاد السائد بأنها أكثر انتشارا وأقل أعراضا.

ونقلت مجلة ناشونال إنترست عن المسؤولة التقنية في منظمة الصحة العالمية، د. ماريا فان كيرخوف، قولها “إنه من ناحية الشدة، رأينا بعض الدول تشير إلى مخاطر متزايدة من دخول المستشفى للأشخاص المصابين بالمتغير دلتا”.

ولفتت فان كيرخوف إلى أن المتغير دلتا خطير بشكل خاص على من يعانون ظروفا صحية خاصة، كالسمنة والسكري وأمراض القلب.

وأوضحت “إذا كان لديك حالة ضمنية، بغض النظر عن عمرك، أنت في خطر متزايد من دخول المستشفى”.

وتشير البيانات إلى أن متغير دلتا السائد في الولايات المتحدة منذ يوليو الماضي أدى لزيادة حالات الإصابة الشديدة بالمرض لأولئك الأشخاص الذين لم يحصلوا على اللقاح كاملا.

كما حذر علماء من أن هدف الوصول إلى ما يعرف باسم “مناعة القطيع” من مرض كوفيد-19 أصبح مستبعدا مع تفشي متحور “دلتا” واحتمالات ظهور سلالات أخرى في المستقبل أكثر فتكا خاصة بالنسبة لغير المحصنين.

وتقول المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، أن المتحور دلتا هو المسؤول عن أكثر من 90 % من حالات الإصابة الجديدة بمرض كوفيد-19.. ليصبح المتحور المهيمن على الحالات الجديدة في الولايات المتحدة.

وتساهم اللقاحات في الحماية من المرض الشديد والوفاة، لكن فعاليتها ضد الإصابة بمتغير دلتا تقل نسبيا عن الفعالية التي سجلتها تلك اللقاحات مع السلالة الأولى للفيروس، لان اللقاحات المتوفرة حاليا صممت للحماية من أنواع سابقة لفيروس كورونا، مما يعني أنها قد لا تكون مثالية تماما مع المتحورات الجديدة وبالتالي قد لا تكون فعّالة على نحو جيد.

حيث أظهر تحليل أجرته هيئة الصحة العامة في إنجلترا أن جرعتين من لقاح فايزر أو أسترازينيكا توفر فعالية بنسبة تزيد على 90 % تجعل الأشخاص لا يلجأون إلى المستشفى نتيجة الإصابة بمتحور دلتا.

ووسط تفشي متحور دلتا السائد حاليا في كثير من دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة التي سجلت معدلات مرتفعة لدخول المستشفى للأشخاص في الثلاثينات من العمر.. يحذر العلماء من ظهور متحور جديد لفيروس كورونا يستطيع مقاومة عمل اللقاحات الحالية، مما قد يعيد المعركة ضد وباء كوفيد-19 للوراء أكثر من عام.

ففي الهند كشفت الموجة الثانية، التي انفجرت في أبريل ومايو هذا العام في كل أنحاء البلاد، عن زيادة قابلية انتقال متحور دلتا وعجز الهند عن المواجهة.. حيث تظهر الأرقام الرسمية أن حوالي 430 ألف شخص لقوا حتفهم منذ ظهور وباء كوفيد19 أوائل العام الماضي، لكن الكارثة قد انحسرت في الوقت الحالي وانخفض عدد الإصابات اليومية في الهند إلى حوالي 40 ألفا، مقارنة بأكثر من 300 ألف حالة شهدتها خلال أسوأ فترات الأزمة.

وتتحور الفيروسات باستمرار وبشكل عشوائي، لكن معظمها غير منطقية، حتى أن بعضها يؤذي الفيروس نفسه، وهناك تحورات أخرى قد تجعل الفيروس أكثر عدوى وخطرا، وهي التحورات التي تسود في النهاية.

واعتمادا على كيفية استمرار تطور متحورات الفيروس، يمكن أن توفر جرعات لقاح معززة على الأرجح حماية لكبار السن أو الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة إكلينيكيا في وقت لاحق من العام.

في غضون ذلك انتقدت منظمة الصحة العالمية، الخميس الماضي توجه الدول الغنية وتخطيطها لتقديم جرعة ثالثة معززة، من لقاحات فيروس كورونا لمواطنيها، في الوقت الذي تعاني الدول الفقيرة، في توفير حتى جرعة واحدة لمواطنيها.

ويأتي ذلك بعد إعلان السلطات الأمريكية أن مواطنيها الذين حصلوا على جرعتين من لقاحات الفيروس، سيكون بإمكانهم قريبا تلقي جرعات معززة، لتنشيط عمل اللقاح.

وتشير المنظمة أيضا إلى أن تنفيذ هذه الفكرة، في الوقت الذي ينتظر فيه ملايين البشر تلقي الجرعة الأولى من اللقاح يعتبر خطوة غير أخلاقية.

هذا وتبين أحدث الإحصاءات العالمية حول جائحة كورونا التي تواصل تفشيها في 220 دولة وإقليما ومنطقة حول العالم، بلغت حتى الأحد الماضي الوفيات جراء الإصابة بالفيروس نحو أربعة ملايين و367 ألفا و381 وفاة، فيما بلغت حصيلة الإصابات الإجمالية 207 ملايين ونحو 542 ألف إصابة، تعافى منهم 186 مليونا، ونحو 40 ألف مريض.

وأوضحت الإحصاءات أن الدول الخمس التي تعتبر حتى الآن الأكثر تأثرا عالميا من حيث الحصيلة الإجمالية لأعداد الإصابات هي أمريكا (37،435،835 إصابة)، والهند (32،192،576 إصابة)، والبرازيل (20،530،142 إصابة)، وروسيا (6،579،212 إصابة)، وفرنسا (6،449,863 إصابة).

تجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية قررت في أواخر مايو الماضي، أن تعطي المتحورات أسماء من الأبجدية اليونانية، لمنع تداول تسميات قد تحمل طابعا سلبيا للبلد الذي يظهر فيه المتحور، وتعد هذه التسمية غير علمية، إذ يلجأ العلماء إلى نظام خاص لتسمية الطفرات والمتحورات.