السياسية || محمد محسن الجوهري*

تداول الإعلام الخليجي المتصهين خبر الانفجارات الأخيرة الموجهة ضد حزب الله على أنها الضربة القاصمة له، وأن مستقبل المعركة بينه وبين العدو الصهيوني محسومٌ لصالح الأخير، ولا أمل بعد اليوم في نصرة القضية الفلسطينية.

وهم بذلك لا يقدمون الحقيقة ولا حتى اليسير منها؛ وإنما يقدمون أمانيهم المضللة، وما يحلمون به من تحقيق نصرٍ تاريخي لليهود ضد المعسكر الإسلامي المعادي لهم، خاصةً عندما يتعلق الأمر بحزب الله، حيث يظهر معسكر التطبيع والخيانة انحيازه للكيان الصهيوني، سواءً كانوا في الرياض وأبوظبي، أو الدوحة ومعسكر الإخوان المتصهين الذي يظهر بعض الانحياز العلني لأهل غزة، ولدوافع طائفية ضيقة وحسب.

أما الحقيقة فهي بخلاف ما يتوهمون، ولو افترضنا أن الضربات الأخيرة وما يعدها ستكون قاضية على حزب الله، أو أعلن هو التراجع عن معاداة الكيان الصهيوني، فإن ذلك لا يغير من المعادلة شيئاً؛ فمستقبل الكيان محسوم لصالح المعسكر المعادي لليهود، وقد تكفل الله في كتابه العزيز بأن يبعث عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، ولهذا كانت الثورة الإسلامية في إيران، ونصرتها للقضية الفلسطينية، بعد إعلان العرب انبطاحهم الكلي، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد المهينة لهم ولشعوبهم.

ومن كان يتوقع أيضاً أن يتحول اليمن إلى جبهة مرعبة للعدو الإسرائيلي، وللكيانات الموالية له، وأن تصل الضربات اليمنية إلى عمق العدو، وأن تعجز البارجات الأمريكية عن حماية المصالح الاقتصادية لـ"إسرائيل" في البحر الأحمر!

كل هذه من علامات النصر الإلهي، ومؤشر فعلي على قرب نهابة العدو الصهيوني، وانتهاء مرحلة الإفساد اليهودي، بعد أن طغوا في البلاد، وتمادوا في إبادة المسلمين في غزة وخارج الأراضي الفلسطينية.

وبالعودة لحزب الله، فليس هناك ضربة محددة تستطيع أن تقضي عليه، أو حتى تخرجه من المعادلة، حتى لو انتصر العدو في معركةٍ هنا أو هناك، فإن حزب الله سيتمكن في الأخير، وبصبره الاستراتيجي المعهود، من كسر شوكة العدو الإسرائيلي، كما فعل خلال 18 عاماً من الجهاد والكفاح المسلح، والتي انتهت بخروج القوات الصهيونية من جنوب لبنان وهي صاغرة.

وبالنسبة للحرب الإعلامية التي يشنها عملاء "إسرائيل" في الخليج، فالمعلوم أن تلك الكيانات المتصهينة كانت تتجاهل حزب الله خلال السنوات الأولى من الكفاح ضد "إسرائيل"، إلا أنها اضطرت للدخول إلى المعركة علناً بعد الانتصار الكبير للحزب أثناء حرب تموز عام 2006، وهي الحرب التي أكسبت حزب الله شعبية واسعة في العالم الإسلامي، وانتشرت حينها صور السيد حسن نصر الله في كل بيت وكل شارع في المنطقة.

وهنا كان لا بد من تدخل العدو الصهيوني بشكلٍ إعلامي، وعهد إلى أدواته في المنطقة بتشويه صورة حزب الله في الإعلام، وأنفقت دول الخليج مليارات بهدف طمس الصورة البطولية له ولقائده المظفر بين شعوب الأمة، واستخدموا في سبيل ذلك كل أشكال الحروب الناعمة، ولكن دون جدوى.

ومع انطلاق عملية طوفان الأقصى المباركة، كان حزب الله حاضراً إلى جانب المقاومة الفلسطينية منذ اليوم الثاني لها، وعاد الحزب بكل قوة إلى الواجهة، وهو الأمر الذي أربك العدو الإسرائيلي، وزاد من تعقيد المعركة في غزة، فكانت الضربات الأخيرة لردع الحزب، ومنع نصرته للشعب الفلسطيني، وهذا المخطط أيضاً لم ينجح، وسيزيد من صلابة حزب الله وقوته الميدانية والشعبية.

أما إذا كان هناك تدخل إسرائيلي مباشر ضد حزب الله، فإن الحرب الشاملة ستزيد من قوته وشعبيته، خاصة إذا نجح في إحداث مفاجئات ميدانية على غرار ما أنجزه في حرب تموز 2006، ولا جدوى حينها للحرب الإعلامية الخليجية، كما لم تكن ذات قيمة فعلية بالأمس، وسيتحول الحزب وقائدة إلى أيقونة عظمى للانتصارات العربية، والسبب أن من يعادي اليهود دوماً ينتصر، وهذه سنة إلهية من المحال تجاوزها إلى الأبد.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب