السياسية – تقرير: فاطمة الهمداني

انتشرت فضيحة برنامج التجسس الالكتروني الإسرائيلي “بيغاسوس”، وضج بها العالم في الآونة الأخيرة مستنكرا استخدام هذا البرنامج التجسسي في مراقبة الصحفيين والنشطاء الحقوقيين والأكاديميين وحتى القادة السياسيين وذلك من قبل (إسرائيل) صاحبة الشركة المصنعة والسعودية والإمارات ودول أخرى.

واهتمت أكثر من 16 وسيلة إعلامية دولية بينها الـ”واشنطن بوست” الأمريكية والـ”غارديان” البريطانية والـ”لوموند” الفرنسية، وكذا صحف ومواقع عربية بنشر  تفاصيل هذه الفضيحة المدوية عن استخدام هذا البرنامج التجسسي الالكتروني.

والأدهى من ذلك والأمر هو الكشف عن أن بعض الحكومات تستخدم “بيغاسوس” لمراقبة مواطنيها من صحفيين وحقوقيين وأكاديميين وغيرهم لذا قامت حوالى 40 دولة حول العالم  بشراء البرنامج لأجل التجسس والمراقبة.

ويرى العديد من الكتاب والمحللين في هذا المجال أن فضيحة بيغاسوس ستهز العالم، بينما وجه آخرون اتهامات لكل من إسرائيل والسعودية والإمارات ودول عربية أخرى بانتهاك الخصوصية الشخصية ،وأن البرنامج التجسسي يعتبر إحباط لكل سعي نحو الديمقراطية في المنطقة.

و”بيغاسوس”هو برنامج تجسسي تم تطويره من قبل شركة إسرائيلية ناشئة باسم “إن إس أو”، يمكن تثبيته على أجهزة تشغيل بعض إصدارات نظام آي أو أس “أبل ” أو أي نظام آخر من أجل التجسس على الشخص المستهدف ومعرفة ما يقوم به على هاتفه المحمول والإطلاع على ملفاته وكل الصور أو الوسائط التي يحتفظ بها في الجوال.

مجموعة  “إن إس أو” شركة إسرائيلية متخصصة في تطوير أدوات التجسس السيبراني، ويعود اسم المجموعة إلى أسماء مؤسسيها الثلاثة نيف كارمن وشاليف هوليو وعمري لافي، ويرجح  بأن مؤسسيها كانوا أعضاء سابقين في وحدة 8200 وهي وحدة تابعة لمخابرات الاحتلال الإسرائيلية والمسؤولة عن جمع معلومات استخباراتية. وتأسست عام 2010 ويعمل فيها نحو 500 شخص ومركزها قرب تل أبيب .

وكانت الشركة محل جدل كبير في السنوات الأخيرة حيث يقول مختبر “سيتيزن لاب” الكندي لمراقبة الإنترنت إن نظام “بيغاسوس” الذي تسوقه الشركة الإسرائيلية تستخدمه دول تتميز ” بسجلات مشبوهة في  حقوق الإنسان وتواريخ من السلوك التعسفي لأجهزة أمن الدولة.

وقد تم اكتشاف هذا البرنامج التجسسي من قبل ” سيتزن لاب “وهو مركز أبحاث في جامعة تورنتو الكندية عام 2018 حيث كشف عن  تعرض أكثر من 50 ألف رقم هاتف للمراقبة والتجسس عبر برنامج بيغاسوس في حوالي 50 دولة مختلفة منذ عام 2016.

وبحسب “سيتزن لاب” تعود هذه الأرقام لصحفيين وناشطين سياسيين وأكاديميين.

وللكشف عن مدى انتشاره خلال العامين الماضيين مسح مختبر “سيتيزن لاب ” الإنترنت بحثا عن خوادم مرتبطة بـ ” بيغاسوس ” ووجد آثاره في 45 دولة بينها 17 دولة عربية بينها السعودية والإمارات، إلى جانب الدول الأخرى مثل أمريكا وبريطانيا وكندا وفرنسا وإسرائيل وتركيا.

وتستفيد حوالي 40 حكومة من برنامج التجسس بما في ذلك السعودية المغرب والإمارات والمكسيك والهند وأذربيجان والمجر.

واكتشفت هذه البرمجية في أغسطس 2016 وذلك بعد فشل تثبيتها على” آي فون” أحد النشطاء في مجال حقوق الإنسان الإماراتي أحمد منصور من خلال رابط مشبوه في رسالة نصية، حيث كشف التحقيق تفاصيل البرنامج وإمكانياته والثغرات الأمنية التي يستغلها ما مكن شركة “آبل” من الانتباه لها والانتباه لاستغلالها الثغرات الأمنية بهدف الاختراق والتجسس.

وكشفت مجموعة من وسائل الإعلام وهم حوالي 17 وسيلة إعلامية عبر تحقيق مشترك قائمة أرقام ما لا يقل عن 180 صحفيا و600 سياسي و85 ناشطا حقوقيا و65 رجل أعمال، وفق التحليل الذي أجرته المجموعة وقد تأكد اختراق أو محاولة اختراق برنامج تجسس المجموعة الإسرائيلية 37 هاتفا.

ونشرت صحيفة لوموند الفرنسية تحقيقا حول برنامج بيغاسوس واستخدامه من حكومات مختلفة وتعاون وزارة الحرب الإسرائيلية عن كثب في عمليات البيع وخصوصا تلك المتعلقة بالحكومات، وتحصل مجموعة  “إن إس أو” على موافقة الوزارة الإسرائيلية لهذه الحكومة أو تلك.

وبهذا الصدد، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية إن “استخدام برامج التجسس لاستهداف الصحفيين غير مقبول على الإطلاق” وذلك بعد تقارير تفيد باستخدام برامج تجسس من إنتاج شركة إسرائيلية لاختراق الهواتف المحمولة لمجموعة من الصحفيين والمسئولين الحكوميين ونشطاء حقوق الإنسان حول العالم.

وأضافت اورسولا فون دير لاين “إذا كان هذا قد حدث فإنه غير مقبول على الإطلاق إنه يخالف أي نوع من القواعد في الاتحاد الأوروبي”.

وقارن بعض الكتاب فضيحة بيغاسوس بفضيحة ووترجيت التي تسببت في استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بعد اكتشاف ضلوعه في التجسس على الحزب الديمقراطي المنافس عام 1972.

ووجه العديد من الكتاب العرب والغربيين اتهامات لدول عربية ولإسرائيل بالتورط في فضيحة التجسس اتهامات للحكومات العربية التي وقعت اتفاقات سلام ابراهام في الأشهر الأخيرة بأنها هي الأكثر تورطا في فضيحة بيغاسوس التي تهز العالم حاليا، لما تكشف عنه من أعمال تجسس على أكثر من 50 ألف هاتفا لصحفيين ومعارضين سياسيين بل وملوك ورؤساء وزارات وشخصيات عربية وعالمية بارزة.

ويقول المراقبون أنه إذا كانت الدول التي انخرطت في هذه العمليات من خلال شرائها هذه البرامج التجسسية من الشركة الإسرائيلية الأم حصلت على بعض المعلومات عن معارضيها وتحركاتهم، مثل السعودية والمغرب والإمارات والبحرين لكن المشغل الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر لأنه وحسب المعلومات الأولية حصل على كم هائل من الأسرار والمعلومات.

وكشفت فضيحة التجسس التي استعملتها تلك الحكومات على عدد معتبر من المسؤولين والناشطين باستخدام برامج بيغاسوس الإسرائيلي المتطور ومنذ فترات زمنية سابقة أي منذ 2017  أن الحرب الالكترونية ليست وجهة نظر بل هي واقع معاش، والدليل واضح وذلك من خلال استخدام “بيغاسوس” التجسسي في انتهاك الخصوصيات الشخصية لأفراد المجتمعات وحقوق الإنسان في العالم أجمع وقمع الحريات العامة والدوس على كرامات الناس تحت مبررات وحجج واهية بأن التطبيق يستهدف محاربة الإرهاب والجريمة وتسهيل عمل الأجهزة المعنية بإنفاذ القانون”، والدول المتورطة في شراء التطبيق واستخدامه هي في المرجل ذاته مع الشركة الإسرائيلية ” بحسب المراقبين.

والجهات الأمنية في دول شمال أفريقيا وفي غرب آسيا وأمريكا اللاتينية ترى أن هناك نمط معين من يتم استهدافهم إذ يتم استخدام هذه التقنيات في مكافحة التغيير مثل استهداف الصحفيين الذي يكشفون عن جرائم التعذيب او جرائم الشرطة او الفساد . وكل هذا من باب التضييق على الحريات والتنمر الإلكتروني والتخويف والتهديد او ابتزاز الصحفيين باستخدام برنامج بيغاسوس .

وعما إذا كان فضح هذا البرنامج واكتشافه  يعنى أن المستهدفين للتجسس أصبحوا في مأمن، فأننا لا نستطيع التأكيد والثقة من أن الشركة الإسرائيلية المطورة لبرنامج “بيغاسوس” تقوم بإيقاف هذا البرنامج بشكل كامل، فهذه البرمجيات يمكن أن تستخدم لتطوير برمجيات أخرى جديدة يمكنها التخفي والعمل بشكل فعال أكثر من القديمة والطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هو مع الأسف أن تصطاد ضحايا جدد لتعيد نفس الدائرة.

وللوقاية من هذه التقنيات بشكل عام أهم قاعدة عليك القيام بها هي لا تضغط على أي رابط لان الروابط هي بشكل أساسي الطريقة الأولى لاختراق الهواتف ويجب أن يكون هناك حذر من استقبال روابط حتى من أشخاص تعرفهم لان الجهات الشريرة بإمكانها انتحال هويات أشخاص آخرين وإذا قمت بالضغط على الرابط فسيتم تسريبه لباقي الأشخاص على هاتفك.

لكن إن شعر الفرد انه قد تم استهدافه فبإمكانه إعادة تهيئة الجهاز مرتين لان هناك برمجيات ذكية يصعب محوها من عملية إعادة تهيئة الهاتف لمرة واحدة فقط، ومع “بيغاسوس” بالإمكان أن يتم حذف البرنامج إن قمت بإعادة تهيئة الجهاز مرتين.