السياسية:

يمتلك العالم العربي أكثر من57 بالمائة من الاحتياطي العالمي للنفط الخام، كما يمتك أكثر من 26 بالمائة من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي، حسب إحصاءات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك”.

لكن مآلات هذه الثروة الطبيعة الهائلة أصبحت موضع تساؤل مع تزايد التوجه العالمي نحو طاقة نظيفة ومتجددة، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن الطاقة النظيفة (الشمسية والرياح والمياه) ربما تطيح بالنفط والغاز من على عرش مصادر الطاقة بحلول عام ألفين وأربعين أي بعد أقل من عشرين عاما.

تنسجم هذه التوقعات مع التوجهات العالمية التي تضع الوقود الهيدروكربوني (النفط والفحم والغاز) في قفص الاتهام كمسؤول رئيس عن ارتفاع درجة حرارة الأرض وما يستتبعها من تغيرات مناخية، فما هو المصير المرتقب للنفط والغاز العربيين؟ هل يمكن للدول العربية المنتجة لهما أن تواصل رخاءها وتكافح تغير المناخ في نفس الوقت؟ أم أن ما وفره النفط والغاز من رفاه اقتصادي واستقرار اجتماعي سيكون مهددا في حال تراجع إنتاجهما؟

لماذا الشرق الأوسط؟

تتفق خبيرة البيئة والناشطة البريطانية أنجيلا تيري مع المطالبات التي تدعو الدول الغنية المنتجة للنفط بتحمل مسؤوليتها عن ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغير المناخي وتقول في مقابلة مع بي بي سي “احتياطات النفط والغاز الهائلة في الشرق الأوسط جلبت معها أرباحا هائلة، هذه الأرباح عززت النمو نحو الاستهلاك، واقتناء سيارات كبيرة والسفر لمسافات أطول، وخلقت دائرة متصلة من العرض والطلب، وقد آن الأوان لكسر هذه الدائرة”.

ترد العالمة البريطانية قائلة “الشرق الأوسط لديه أكثر من ربع الإنتاج العالمي من النفط والغاز، وشركة آرامكو السعودية وحدها مسؤولة عن أربعة في المئة من انبعاثات الغاز في العالم. الحقيقة أن الشرق الأوسط لاعب كبير جدا عندما يتعلق الأمر بالنفط والغاز وعليه إدراك أن المستقبل لا يسير في هذا الاتجاه وإنما يسير نحو مصادر الطاقة النظيفة”.

وكان تقرير اللجنة الحكومية المعنية بتغير المناخ IPCC التابعة للأمم المتحدة قد أشار صراحة إلى أن الغازات المنبعثة من الوقود الأحفوري تعد المصدر الرئيس لارتفاع حرارة الجو، الأمر الذي حدا بالأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش للمطالبة “بإعلان نهاية الفحم ومصادر الطاقة الأحفورية قبل أن تدمر كوكبنا” معتبرا أن مصادر الطاقة هذه وقطع أشجار الغابات “تخنق الكوكب”.

“جهود خجولة”

وقد أعلنت دول عربية عدة في مقدمتها السعودية والإمارات العربية المتحدة عن اعتماد استراتيجية لمكافحة تغير المناخ بتقليل الاعتماد على النفط والغاز كمصدرين رئيسين في دخولها القومية.

لكن معهد أبحاث بروكنغز Brookings الأمريكي شكك في دراسة له العام الحالي في جدية تلك الخطط مشيرا إلى أن خطط التنمية في القطاعين العام والخاص ما تزال مرتبطة بالنفط والغاز حتى في ظل النوايا الطيبة لما تعلنه الحكومات.

تعرف على أعتى العواصف النارية في العالم

تغير المناخ: الناخبون السويسريون يرفضون إجراءات مقترحة من الحكومة لمكافحة الظاهرة

وتشير دراسة للبنك الدولي إلى أن عائدات النفط والغاز ما تزال تمثل نحو أربعين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي ، ما عدا الإمارات 30 في المئة، والبحرين التي يوشك احتياطيها على النضوب 18 في المئة. فهل يمكن التخلي عن تلك العادات من أجل التغير المناخي؟

يرى خبير النفط العربي ممدوح سلامة إن “الثمن الذي سيدفعه قطاع النفط والغاز في الدول العربية المنتجة لن يختلف عن الثمن الذي ستدفعه صناعة النفط في العالم من روسيا إلى أمريكا اللاتينية إلى الصين. هذا الثمن يتمثل في مواصلة إنتاج النفط والغاز مع العمل على تقليل الانبعاثات السامة المصاحبة لإنتاج واستعمال النفط والغاز”.

كيف التحول نحو الطاقة النظيفة؟

يرى سلامة أن النفط والغاز سيظلان العمود الفقري لدول الخليج العربية وعلى الدول العربية المنتجة أن تساهم بشكل كبير في المساعدة على التعامل مع الاحتباس الحراري والتغير المناخي عن طريق الإسراع بشكل أكبر في استخدام التقنيات المتقدمة.

“الدول العربية المنتجة للنفط وخصوصا دول الخليج العربي لن تتخلى عن النفط والغاز طوال القرن الحادي والعشرين وربما أبعد من ذلك، لأن اقتصاد العالم يعمل على الغاز والنفط. إذا كان هذا هو الأمر، فالدور الذي تلعبه دول الخليج هو المساعدة على خفض الانبعاثات في إنتاجها من النفط والغاز.

لكن سلامة يستعبد تخلي الدول العربية المنتجة للنفط، خاصة دول الخليج، في التخلي عن النفط من أجل الطاقة النظيفة “لأن الطاقة المتجددة لن تعطيها دخلا يساوي ما تحصل عليه حاليا، فالطاقة المتجددة سوف تساعد دول الخليج في زيادة صادراتها من النفط والغاز لبقية العالم”.

وبالرغم من أن انتاج الوقود الأحفوري، خاصة النفط والغاز، لا يقتصر على الدول العربية فقط، إلا أن هذه الثروة الطبيعية مثلت أساسا لقيام دول واستقرارها، كما أن عائداتها مسؤولة عن توازنات اجتماعية وسياسية تتجاوز النطاق الجغرافي لمناطق الإنتاج، وهو الأمر الذي يجعل من استمرار تدفق تلك العائدات أمرا مهما في سياسات العالم العربي.

بي بي سي