السياسية:

يلحظ المتابع للوضع الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية نوعاً ما من الاستقرار الداخلي منذ وصول الرئيس الجديد جو بايدن، عكس ما كان يحدث في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، خاصة بين أعضاء الكونغرس من الحزبين الرئيسيين في البلاد الحزب الديمقراطي والجمهوري.

هذا الهدوء الظاهر بين أعضاء الكونغرس وقطبي السياسة الأمريكية يعود بالأساس إلى مهندسة العلاقة الخاصة بالكونغرس لويزا تيريل، مديرة مكتب الشؤون التشريعية بالبيت الأبيض التي تربطها علاقات خاصة وقديمة بالرئيس بايدن.

وفي الأيام الأولى لإدارة بايدن، التقى الفريق المعني بالشؤون التشريعية في البيت الأبيض بمديري مكاتب السيناتورات الجمهوريين في مقابلة استقبال وترحيب. كان على رأس هذا الوفد الديمقراطي لويزا تيريل، مديرة مكتب الشؤون التشريعية بالبيت الأبيض، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

حدَّدت تيريل، التي كانت تتحدث أمام حضور من المساعدين الجمهوريين الأقوياء، طريقة عملها. وشعرت بأنَّه ينبغي السعي وراء التسوية حتى في هذه الفترات التي تتسم بالاستقطاب السياسي. لن يتفقوا على كل شيء، لكن هناك صفقات يتعين إبرامها.  

حلالة المشاكل لبايدن

أوضح خطاب تيريل كيف أنَّها كانت رأس الحربة لفريق إدارة بايدن خلال إنجازها لواحدة من أصعب المهام في المشهد السياسي الأمريكي المنقسم بشدة: حلَّالة مشكلات بايدن في الكونغرس ومرشدته في الشؤون التشريعية. تقود تيريل فريقاً يتلقى المقترحات من البيت الأبيض ويتولى رعايتها عبر قاعات الكونغرس المتعرجة والضيقة أحياناً، حتى يمكن أن تعود إلى مكتب الرئيس لتصبح قانوناً. هي الشخص المسؤول عن إنجاز الأمور والمسؤولة عن توجيه المقترحات السياسية عبر متاهة الكونغرس.

جادل جو بايدن خلال حملته الرئاسية وفي اللحظة التي خطا فيها إلى المكتب البيضاوي بصفته رئيساً بأنَّه يجب السعي وراء الصفقات الكبرى بين الحزبين، وأنَّها ممكنة حتى في الوقت الراهن. وجادل بايدن، العضو المخضرم بمجلس الشيوخ على مدى عقود عدة، بأنَّ لديه جذوراً عميقة في كلا الحزبين ويمكن أن يحقق صفقات شاملة بين الحزبين.

وهنا يأتي دور تيريل، وهي مساعدة قديمة لبايدن ومديرة مكتب سابقة لسيناتورات تتضمَّن سيرهم الذاتية أيضاً تولي مهام عمل في بعضٍ من أهم الأركان المؤسسية في الاقتصاد الأمريكي الحديث، مثل شركات McKinsey & Company وYahoo وفيسبوك وغيرها. قد لا يكون لديها ملف شخصي معروف خارج أروقة السلطة في واشنطن، لكنَّ تيريل لاعبة حيوية في تلك الأروقة. وكانت حاضرةً خلال أكثر اللحظات محوريةً في المبادرات التشريعية الكبرى خلال حقبة إدارة بايدن.

وعلاقات تيريل ببايدن عميقة، وتعود إلى شبابها في ولاية ديلاوير. فقد عملت مديرة تنفيذية لـ”مؤسسة بايدن”، وعملت أيضاً مستشارة أولى ومديرة لشؤون التواصل مع الكونغرس في صندوق تمويل المرحلة الانتقالية الرئاسية لبايدن. وهي خريجة جامعة تافتس وكلية الحقوق بكلية بوسطن.

من هي لويزا تيريل؟

تشتهر تيريل في أرجاء واشنطن بفاعليتها وقبولها– بين الجمهوريين والديمقراطيين- حتى بعد صعودها إلى أعلى مراتب السلطة في الكونغرس. هي واحدة من مجموعة النخبة الصغيرة في إدارة بايدن التي كانت تتنقل ذهاباً وإياباً بين البيت الأبيض وأروقة الكونغرس، فتلتقي المشرعين في بعضٍ من أكثر الفترات توتراً في المفاوضات الكبرى حول حزمة المساعدات المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، أو مؤخراً، حول البنية التحتية.

كانت تيريل، في مقابلة نادرة مع صحيفة The Guardian البريطانية، واقعية حيال إيجاد تسوية وصفقات بين الحزبين. جرت الموافقة على مشروع قانون البنية التحتية، لكنَّ هذا مثال على الاستثناء الذي يُثبِت القاعدة أكثر منه العكس. فقد تعرَّض الكونغرس للشلل بسبب الانتماء الحزبي لسنوات. وبات من الطبيعي أكثر أن تظل حتى مقترحات السياسة التي تبدو متماشية مع المنطق السليم عالقةً في مستنقع التشريع في مبنى الكابيتول هيل.

فقالت تيريل: “يجب أن تكون واقعياً. هناك مجالات يكون فيها تعاون ومجالات أخرى سنتفق فيها على ألا نتفق وحسب، لذا دعونا ننظر حولنا وفي الفناء الخلفي ونرى إن كان هناك بعض الأمور التي يمكننا العمل عليها. وإذا لم يمكننا ذلك، دعونا فقط نبقَ على تواصل ونتأكد من حصولكم على ما تحتاجون من الوكالات في ظل قيامكم بعملكم. هناك الكثير من السبل للتواصل، حتى لو كنت لا تحاول البحث في مشكلة سياسية صعبة فعلاً”.

يسارع السيناتورات وموظفوهم، من الجمهوريين والديمقراطيين، بالإشارة إلى أنَّ تواصل إدارة بايدن مع الكونغرس مختلف بشكل ملحوظ عن الإدارتين السابقتين.

لا يعني ذلك أنَّ الكل يحصل على ما يريده، لكنَّ المشرعين ومساعديهم يشعرون بأنَّهم على اتصال أكبر مع البيت الأبيض. يتناقض هذا مع الإدارتين السابقتين؛ إذ يُنظَر إلى إدارة دونالد ترامب باعتبارها نموذجاً لعدم التنظيم والعجز عن مجرد التواصل المبدئي جداً مع الكونغرس.

لكنَّ الديمقراطيين أيضاً يقولون إنَّهم وجدوا في بعض الأحيان غياباً للتواصل من جانب إدارة باراك أوباما.

تعامل الإدارات السابقة مع الكونغرس

فقال سيناتور ديمقراطي لم تُكشَف عن هُويته كي يتحدث بصراحة عن الإدارة الديمقراطية السابقة: “كان الناس يشعرون أنَّ أوباما لا يحترم مجلس الشيوخ، كما لو أنَّه كان ينظر باستخفاف إلى السيناتورات والعملية القائمة هنا، وبصراحة لم يقم بالعمل الذي تبرع فيه لويزا للغاية، وهو وضع السيناتورات في قلب ما يدور والاستماع إليهم وجعلهم يشعرون بأنَّ صوتهم مسموع”.

وبالمقارنة، يشير المشرعون وموظفوهم إلى أنَّ فريق الشؤون التشريعية الحالي كثيراً ما يتحدث إليهم، وأنَّهم يشعرون بأنَّ خطوط الاتصال مفتوحة.

وإذا كانت هناك أي سمة مميزة بشأن تفاعلات إدارة بايدن مع الكونغرس، فإنَّها الرغبة في التأكد على أقل تقدير من أنَّ أعضاء كلا الحزبين يشعرون بأنَّ صوتهم مسموع. وتتحدث تيريل عن كيف أنَّ فريقها لا يتواصل مع الكونغرس كمجموعتين جمهورية وديمقراطية وحسب.

تقول تيريل: “أعتقد أنَّ الأمر مختلف، وننظر إليه (الكونغرس) أكثر باعتباره مكاناً مُجزَّأ إلى التقدميين، ومعتدلينا (الديمقراطيين)، والمجموعات المختلفة في مجلس النواب.. وأعتقد أنَّ الأمر نفسه بالنسبة للجمهوريين. فهم ليسوا مجموعة متفقة كلها وحسب”.

وهي تضع في اعتبارها أيضاً خانة أخرى في هذا التقسيم، وهو ما إن كان المشرع موجوداً في منصبه منذ فترة طويلة أم لا.

وهناك بالطبع مساعدون جمهوريون لا يزالون متشككين أو حذرين من العمل مع فريق إدارة بايدن، لكن هناك آخرين يتحدثون باحترام عن الفريق. تبرَّم بعض مديري المكاتب خلال اللقاء التقديمي مع فريق تيريل. لكنَّ اللقاء كان بالنسبة لآخرين غصن زيتون ناجحاً.

ماذا يقول عنها الجمهوريون؟

يقول الجمهوري جو هاك، الذي كان حتى وقتٍ قريب مديراً لمكتب السيناتورة ديب فيشر من ولاية نبراسكا: “وجدتُها مهنية للغاية. كانت مهتمة بمعرفة ردود الفعل. لقد وجدتُها صريحة. وقد أمضت وقتاً لمقابلة رئيستي لمعرفة أولوياتها، وهو الأمر الذي كان محل تقدير مني. وأعتقد، مجدداً، أنَّها كانت خلال تلك المحادثة صريحة بشأن الأمور التي قد يمكننا العمل عليها معاً. لكنَّها بدت مُستَمِعة جيدة ونشطة جداً. وأعتقد أنَّ رئيستي، التي لم يكن لديها رأي عنها حين أتت، كانت مُعجَبة بها عند مغادرتها”.

تترأس تيريل فريقاً من نحو 15 شخصاً مسؤول عن المساعدة في إيجاد مسار لتمرير الأجندة التشريعية للبيت الأبيض في الكونغرس.

يتطلَّب منها هذا العمل أن تكون جزئياً مسؤولة ارتباط للبيت الأبيض، وجزئياً حلَّالة مشكلات، وجزئياً مُفاوِضة رهائن. ووفقاً لوكالة Associated Press الأمريكية، أجرى فريق لويزا أكثر بكثير من 500 مكالمة ولقاء مع المشرعين وكبار مساعديهم من أجل صفقة إدارة بايدن المتعلقة بالبنية التحتية وحدها. ويتألف الفريق من مخضرمين عملوا طويلاً في الكونغرس إلى جانب خبراء في السياسات. وأعضاء الفريق مُكلَّفون بأعضاء ولجان ومجالات سياسة مختلفة.

وكما هو الحال بالنسبة للكثير من المناصب في أي إدارة رئاسية، تعتمد الفعالية السرية لدور تيريل على القرب من الرئيس.

فقالت سارة بيانكي، وهي مسؤولة زميلة سابقة في إدارة أوباما، والآن مرشحة بايدن لمنصب نائبة الممثل التجاري، إنَّ تيريل تتمتع بمصداقية في الكونغرس لأنَّها “حين تتحدث، يكونون على علم بأنَّها شخص لديه مصداقية كبيرة. ويُحدِث هذا فارقاً كبيراً، لاسيما في هذا المنصب”

وقال السيناتور كوري بوكر عن ولاية نيو جيرسي، الذي عملت تيريل مديرة لمكتبه في بداية عمله كسيناتور: “لدى لويزا والرئيس قاسم مشترك. فكلاهما صنيعة مجلس الشيوخ وقضيا الكثير من الوقت هناك، ولديهما توقير للمؤسسة، وهو ما أقول لكم الآن إنَّه يوفر شوطاً طويلاً مع السيناتورات من كلا جانبي الخط السياسي”.

وعن سؤالها عما يمكن أن تقول إنَّه انتصار لفريقها، أشارت تيريل إلى “حزمة الإنقاذ الأمريكية”، وهي مشروع قانون إدارة بايدن بخصوص المساعدات المرتبطة بكوفيد 19.

فقالت تيريل: “انظر، الانتصار الكبير كان هو إنجاز حزمة الإنقاذ، لقد كان أمراً هائلاً”.

كانت تيريل تُجدِّف وتلعب في فريق الإسكواش خلال فترة الجامعة. وقد لعبت التنس أيضاً. إنَّها شخص ودود، لكن لديها أيضاً غريزة للمنافسة.

عربي بوست