السياسية:

عقب النجاحات الأخيرة التي حققتها طالبان في أفغانستان، بات كثير من الأفغان يلقون باللوم على باكستان ويُدلِّلون على ذلك باستخدام مقاتلي الحركة للأراضي الباكستانية بطرق متعددة. وعلى أثر ذلك، يتزايد الضغط على إسلام آباد، التي أقنعت طالبان في البداية بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، لحملِ الحركة على وقف هجومها والعودة إلى المحادثات.

ومع أن عديداً من الخبراء في الشأن الأفغاني يقولون إن نفوذ باكستان غالباً ما يكون مبالَغاً فيه، فإن الثابت أن باكستان تسمح لقيادات الحركة الأفغانية بدخول أراضيها، ولمقاتليها الجرحى بتلقي العلاج في المستشفيات الباكستانية، ولأطفالهم بالالتحاق بالمدارس في باكستان، حتى إن بعضهم يمتلك أصولاً هناك. كما روَّج بعض السياسيين الباكستانيين لحركة طالبان بدعوى انتقالها إلى طور جديد، وسموها “طالبان الجديدة المتحضرة”، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

إسماعيل خان، هو أحد أمراء الحرب الأقوياء المتحالفين مع الولايات المتحدة، ويحاول حالياً الدفاع عن الأراضي التابعة له في هرات غربي أفغانستان من هجوم طالبان، قال لوسائل إعلام محلية مؤخراً إن الحرب الدائرة في وطنه أشعلتها باكستان.

وصرَّح “خان” برأيه قائلاً: “أريد أن أعلنها صريحة للأفغان: إن هذه الحرب ليست بين طالبان والحكومة الأفغانية، إنها حرب باكستان ضد الشعب الأفغاني. طالبان ليست إلا وكيلتهم وتعمل خادمةً لهم”.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، ففي المقابل حاولت باكستان دون جدوى، إقناع الأفغان بأنها لا تريد عودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان. ويقول الباكستانيون إن الأيام التي كان ينظرون فيها إلى الحكومة الأفغانية على أنها عميلة، وأن التحالف مع طالبان ضرورة لتوفير ما يُسمى “العمق الإستراتيجي” ضد جارتهم المعادية الهند، تلك الأيام قد ولَّت بلا رجعة.

انتقادات لباكستان

وعلى النحو نفسه، قال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، مراراً وتكراراً، في كل محفلٍ عام وخاص، إن باكستان تريد السلام في أفغانستان، وإنها ليس لديها طرف مفضل في المعركة الدائرة، إضافة إلى معارضتها الشديدة لسيطرة طالبان على الحكم في البلاد.

علاوة على ذلك، انسحب قائد الجيش الباكستاني مرتين من اجتماعات مع طالبان، مبدياً خيبة أمله إزاء عنادهم وغضبه مما يراه تصميم طالبان على العودة إلى السيطرة الكاملة على أفغانستان، وفقاً لمسؤولين أمنيين كبار مطلعين على تلك الاجتماعات تحدثوا إلى وكالة أسوشييتد برس بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.

على الرغم من ذلك، أعرب كثير من الأفغان عن عدم اقتناعهم. وحتى المجتمع الدولي أبدى ارتيابه، فقد رفضت الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، طلبَ باكستان إلقاء كلمة في اجتماع خاص بشأن أفغانستان؛ لإعلان اصطفافها إلى جانب الحكومة الأفغانية مرة أخرى.

وزاد من الانتقادات الموجهة إلى باكستان صور مقاتلي طالبان القتلى وهم يُشيَّعون بباكستان في جنازات حضرها المئات وهم يلوّحون بأعلام الحركة. وفي العام الماضي، وصف رئيس الوزراء الباكستاني، أسامة بن لادن بأنه شهيد، في خطاب ألقاه أمام البرلمان، وهو ما اعتبره البعض إشارة تأييد للحركة.

مسؤول باكستاني أمني كبير أقر بوجود نوع من التعاطف مع طالبان بين قطاعات من المحافظين في باكستان. وقال إن هذه المشاعر بدأت مع البرنامج الذي دعمته الولايات المتحدة لتحريض الأفغان على محاربة السوفييت الذين كانوا يحتلون بلادهم في الثمانينيات، وقد مجَّدت تلك الدعوات جهادَ القوات المحتلة والقتال في سبيل طردها. ومع ذلك، قال المسؤول الباكستاني إن بلاده حازمة في موقفها بأنها لا تريد حكومة تابعة لحركة طالبان في كابول.

العلاقة بين طالبان والبشتون

إضافة إلى ذلك، نفى مسؤولان أمنيان باكستانيان تلقي المجموعات المسلحة في المنطقة الحدودية أي مساعدة رسمية. وقالوا إن الحكومة الباكستانية تكاد تنتهي من بناء سياج على طول الحدود الطويلة مع أفغانستان، ويُفترض أنه سيوقف تسلل المقاتلين عبر الحدود، بحسب الصحيفة الأمريكية.

من جهة أخرى، فإن باكستان لديها مخاوفها الخاصة وتتهم الحكومة الأفغانية بإيواء مسلحين معارضين لحكومة إسلام آباد. ويقول مسؤولون أمنيون باكستانيون إن الاستخبارات الأفغانية سمحت للهند، العدو التاريخي لباكستان، بشن هجمات سرية ضد الأخيرة،= مستعينةً بمسلَّحين قادمين من أفغانستان. ويشير المسؤولون الباكستانيون إلى أن أكثر من 200 عسكري باكستاني قُتلوا على أيدي مسلحين عبروا الحدود من أفغانستان.

ترمز الحدود، المعروفة باسم “خط ديورند”، إلى العلاقة شديدة الاضطراب بين الجارتين. فحتى يومنا هذا، لا يعترف القادة الأفغان بحدود خط ديورند ويزعمون أن بعض المناطق الباكستانية التي يسيطر عليها مُنتمون إلى عرقية البشتون هي على الحقيقة أراضٍ أفغانية.

يقول مراقبون للشأن الأفغاني إن إسلام آباد أجَّجت المشاعر المتشددة وعملت مع المسلحين عندما كان ذلك في مصلحتها. وخلال الحرب الطويلة ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، طوَّرت وكالة الاستخبارات الباكستانية علاقات عميقة مع عديد من المسلحين الأفغان، ومنهم مجموعة شبكة جلال الدين حقاني، التي يمكن القول إنها أحد أقوى الفصائل الأفغانية المتحالفة مع طالبان.

يقول مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج الشؤون الآسيوية في مركز ويلسون بالعاصمة الأمريكية واشنطن، إن “إسلام آباد لديها نفوذ واسع النطاق على حركة طالبان. لكن طالبان، التي تخوض حرباً تعتقد أنها ستنتصر فيها، لديها مساحة تتيح لها مقاومة الطلبات الباكستانية لتخفيف حدة العنف والالتزام بالمحادثات. فمن جانب طالبان، تبدو الحسابات بسيطة: لماذا تتراجع بينما أنت متقدم على الأرض؟”.

عربي بوست