السياسية:

مرت شهور طويلة منذ أرسلت الحكومة الانتقالية في السودان سفيراً لها إلى الولايات المتحدة دون أن ترد واشنطن بالمثل، والآن يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن قد تستقر على تعيين مبعوث لمكافحة الإرهاب كسفير لها في الخرطوم.

كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد قررت في ديسمبر/كانون الأول 2019، رفع السودان من القائمة الأمريكية السوداء للدول الراعية للإرهاب، وهو ما أفسح الطريق أمام استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين واشنطن والخرطوم، لكن ربط ترامب ذلك المسار الدبلوماسي بصفقة التطبيع بين السودان وإسرائيل عطّل اكتمال الأمور حتى الآن.

فعلى الرغم من أن السودان قد قام بتعيين سفير في واشنطن قبل أشهر عديدة، فإن إدارة بايدن لم ترد بالمثل بعد أكثر من 6 أشهر من توليه المنصب، ونشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً لها حول القصة بعنوان “مبعوث كبير لشؤون مكافحة الإرهاب قد يكون أول سفير أمريكي لدى السودان”، أعده روبي غرامر مراسل شؤون الدبلوماسية والأمن القومي لدى المجلة.

من يتصدر قائمة المرشحين للمنصب؟

وحالياً تعمل إدارة بايدن على تضييق قائمة المرشحين المحتملين ليكون من بينهم أول سفير أمريكي يجري إرساله إلى السودان منذ عقود، وأحد مسؤولي مكافحة الإرهاب الكبار قد يكون على رأس هذه القائمة، وذلك وفقاً لثلاثة مسؤولين أمريكيين سابقين وحاليين مطلعين على المسألة، تحدثوا لفورين بوليسي.

إذ يُعَد جون غودفري، مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية الحالي بالوكالة لشؤون مكافحة الإرهاب والدبلوماسي المحنك في الشرق الأوسط، أحد المنافسين الرئيسيين ليكون السفير الأمريكي الأول إلى السودان منذ عام 1996، حين قطعت الولايات المتحدة العلاقات مع السودان على خلفية دعم نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لتنظيم القاعدة وتنظيمات إرهابية أخرى.

وأعلنت الولايات المتحدة في أواخر 2019 أنَّها ستُطبِّع العلاقات وتتبادل السفراء مع السودان، عقب ثورة شهدتها البلاد وأطاحت بالرئيس السوداني آنذاك عمر البشير. أشاد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حينها بقرار استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السودان، باعتباره “خطوة كبيرة للأمام في تعزيز العلاقة الثنائية الأمريكية السودانية”.

لكن رغم إرسال الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان سفيراً إلى واشنطن فإن إدارة ترامب لم تردّ بالمثل أبداً. وبعد 6 أشهر في الحكم، لم يعلن بايدن هو الآخر الشخص الذي يختاره ليكون سفيراً لدى السودان، لكنَّ المسؤولين الحاليين والسابقين الذين تحدثوا لمجلة Foreign Policy قالوا في رسالة عبر البريد الإلكتروني إنَّه من المتوقع أن توصي وزارة الخارجية باسم غودفري للبيت الأبيض.

غياب سفير أمريكي وتداعياته

قال خبراء إنَّ الغياب الطويل لوجود سفير أمريكي له تأثير سلبي على العلاقات الأمريكية السودانية، ويُمثِّل ذلك أيضاً فرصة ضائعة لواشنطن للمساعدة في صياغة انتقال السودان الهش إلى الديمقراطية، وإعادة إدخاله للنظام المالي الدولي بعد 30 عاماً من الحكم المستبد المنعزل في عهد البشير.

فقالت نيكول ويدرشايم، وهي مستشارة أولى للسياسة لدى مركز سيمون سكيودت لمنع الإبادة الجماعية التابع لمتحف الهولوكوست التذكاري الأمريكي، إنَّ عدم وجود سفير يرسل بإشارة مفادها أنَّ الولايات المتحدة لا تمنح الأولوية للانتقال الديمقراطي السوداني بالدرجة المفترضة.

وكان موقع Middle East Eye البريطاني قد نشر تقريراً بعنوان: “رفع السودان من قوائم الإرهاب لن يترك فرصة كبيرة أمام الولايات المتحدة للضغط للانتقال إلى حكومة مدنية”، ألقى الضوء على تبعات قرار رفع السودان من قائمة الإرهاب، في ضوء ربطه بالتطبيع مع إسرائيل بشكل مباشر، وكيف يؤثر ذلك سلباً على التحول الديمقراطي في السودان.

وقال جوزيف تاكر، وهو خبير بالمعهد الأمريكي للسلام ودبلوماسي ومسؤول مساعدات أمريكي سابق مختص بالسودان، لفورين بوليسي: “الولايات المتحدة رائدة في الدعم الإنساني والتنموي للمرحلة الانتقالية، وكانت بالغة الأهمية لمعاودة دخول السودان إلى النظام المالي الدولي. وعدم وجود سفير يعطي الانطباع بأنَّ الاستثمار السياسي الأمريكي في المرحلة الانتقالية غائب”.

والحكومة الانتقالية الهشة في السودان مكلفة بتحضير البلاد للانتخابات في عام 2024، لكنَّ الخبراء يحذرون من أنَّ التنافس على السلطة خلف الكواليس يهدد بتأجيج الأزمات السياسية، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع البلاد.

وحذَّر عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني، من وجود “تصدعات وانقسامات” داخل التحالف المدني الواسع في البلاد، خلال مقابلة جرت مؤخراً مع مجلة The Economist البريطانية.

وبرز عبدالفتاح البرهان، وهو جنرال سابق في عهد البشير يترأس حالياً المجلس الحاكم للبلاد، الذي يُشرف على حكومة حمدوك المدنية، باعتباره وسيط القوة الرئيسي في البلاد، لكنَّه أيضاً يتصارع مع انقسامات داخل الجيش. ويُمثِّل محمد حمدان “حميدتي” دقلو، نائب المجلس الحاكم وأمير الحرب السابق الذي يترأس قوة شبه عسكرية انبثقت عن ميليشيات مسؤولة عن فظائع واسعة النطاق في إقليم دارفور غربي السودان، مركز قوة آخر.

وقال خبراء ومسؤولون إنَّ وجود سفير على الأرض أمر بالغ الأهمية لواشنطن، للتنقل في ممرات السلطة المعقدة في الخرطوم.

هل يعني ذلك أن سفيراً أمريكياً قد يصل السودان قريباً؟

وإذا ما رشَّح الرئيس بايدن غودفري، وهي المسألة التي نبَّه المسؤولون أنَّها لا تزال قيد العمل، فعلى الأرجح سيستغرق الأمر شهوراً عدة قبل أن يستقبل السودان أول سفير أمريكي لديه منذ عقود، بسبب التأجيلات المتتالية في عمليات تأكيد التعيين بمجلس الشيوخ.

وكان بايدن بطيئاً في تسمية ترشيحات السفراء خلال شهوره الأولى في المنصب، وقد تعهَّد الآن السيناتور الجمهوري تيد كروز بتعليق مفتوح على كل الترشيحات التي تخص وزارة الخارجية، بسبب خلاف مع إدارة بايدن حول خط غاز روسي مثير للجدل. وقال العديد من المسؤولين بوزارة الخارجية، ومساعدون في الكونغرس إنَّه في حال لم يُحلّ هذا الخلاف فإنَّه قد يؤخِّر عملية تأكيد الكثير من السفراء حتى عام 2022.

ويشغل غودفري، وهو مسؤول مهني بارز في الخارجية، حالياً منصب منسق وزارة الخارجية بالوكالة لشوؤن مكافحة الإرهاب، والمبعوث الخاص للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وشغل غودفري العديد من المناصب في أرجاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عمله بالخارجية، وقد عمل من عام 2013 حتى 2014 رئيساً لموظفي نائب وزير الخارجية آنذاك، وليام بيرنز، الذي يشغل حالياً منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في إدارة بايدن.

وصف مسؤول أمريكي مطلع على المسألة غودفري باعتباره اختياراً ذكياً لمنصب السفير، قائلاً إنَّ خبرته في الشرق الأوسط ستكون ميزة بالنظر إلى النفوذ الكبير الذي تتمتع به السعودية والإمارات وقوى شرق أوسطية أخرى في السودان.

ولم تتبادل الولايات المتحدة والسودان طوال ربع قرن لرئاسة سفارتيهما إلا قائمين بالأعمال ودبلوماسيين أدنى من السفير، وهو الأمر الذي يعكس العلاقات الفاترة بين البلدين.

وقبل الإطاحة بالبشير في الثورة الشعبية عام 2019، عملت الولايات المتحدة في عهد إدارتي أوباما وترامب سراً على تخفيف القيود عن حكومة البشير ورفع بعض العقوبات عن الخرطوم. وقد تسارعت هذه العملية بعد إزاحة البشير من السلطة وتنصيب حكومة انتقالية بقيادة المدنيين تحت رئاسة حمدوك.

ألغت الولايات المتحدة بعد ذلك بعام تصنيفها السودان باعتباره دولة راعية للإرهاب، وهو التصنيف الذي يعود إلى عام 1993، بسبب دعم البشير لتنظيمات وقادة إرهابيين بارزين، بما في ذلك مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وحوَّل التصنيف البلاد إلى دولة منبوذة دولياً وأقصاها عن معظم النظام المالي الدولي.

وافق ترامب على رفع تصنيف الإرهاب بعدما ضَغَطَ على السودان لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ووافق السودان أيضاً على دفع 335 مليون دولار لتسوية ادعاءات قضائية لضحايا هجمات إرهابية في تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة بكينيا وتنزانيا عام 1998، وهجوم وقع عام 2000 على المدمرة الأمريكية USS Cole قبالة الساحل اليمني. وجاء الاتفاق عقب سنوات من المفاوضات القانونية المضنية مع الضحايا ووزارة الخارجية الأمريكية والكونغرس.

جلبت الاختراقات الدبلوماسية الراحة للحكومة الانتقالية السودانية، وفتحت اقتصاد البلاد الضعيف أمام الدعم من صندوق النقد الدولي ومنظمات المساعدات الاقتصادية الدولية الأخرى. ولا تزال الحكومة السودانية تعاني لإنعاش اقتصادها، خصوصاً في ظل الآثار غير المباشرة لجائحة فيروس كورونا، التي يمكن أن تعرّض الحكومة الانتقالية لمزيد من الخطر.

فقال تاكر: “يجري إحراز تقدم مهم، لكن مثلما أشار رئيس الوزراء حمدوك مؤخراً، هناك توترات داخل العناصر المدنية والأمنية، تساهم في تفاقم الأزمة السياسية. وإذا لم تتم إدارة تلك التوترات فإنَّها قد تنخر الأساس الذي وضعه المواطنون خلال الثورة وتُوجِد مساحة للمفسدين”.

عربي بوست