السياسية – تقرير: نجيب هبة

تستمر المباحثات بين دول مصب النيل ودولة المنبع والتي لم تصل إلى نتائج حتى هذه اللحظة.. فيما يعتقد مراقبون أن اثيوبيا بدأت هذا الشهر في ملء السد بالفعل كما كانت تخطط.

وبينما تصر إثيوبيا على أن عملية تعبئة بحيرة السد جزء من الأعمال الإنشائية، يفترض أن المفاوضات الثلاثية تهدف للتوصل إلى اتفاق شامل لآليات التشغيل على المدى البعيد.

ففي هذا السياق، اختتم في العاصمة السودانية الخرطوم يوم سابع من المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان برعاية الاتحاد الأفريقي ومشاركة مراقبين دوليين دون تحقيق أي توافق، وتم الاتفاق على أن ترسل كل دولة تقريرا عن تقدم المفاوضات، يُرفق مع تقرير سرد للوقائع تقوم بإعداده دولة جنوب إفريقيا بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي.

وقرر الاجتماع مواصلة التفاوض يوم الأحد القادم على أن يرفع التقرير الختامي في اليوم التالي حسب طلب رئاسة الاتحاد الأفريقي.

بالمقابل، قالت وزارة الخارجية الإثيوبية إن التعبئة الأولية للسد، الذي تم الانتهاء من 25% من الأشغال فيه، ستجري حسب الخطة المقررة باحتجاز 4.9 مليارات متر مكعب من مياه الفيضانات في موسم الأمطار الراهن.

وتتمسك أديس أبابا بملء وتشغيل السد في الشهر الجاري بينما ترفض القاهرة والخرطوم هذه الخطوة قبل التوصل إلى اتفاق.

وحتى الآن لا تزال المفاوضات بين مصر وإثيوبيا تحافظ على نوع من الدبلوماسية، لكن ظهرت في كلمات ممثلي البلدين حدة بات من البديهي ملاحظتها.

وفي الأيام الأخيرة، عقد عن بُعد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لبحث مسألة سد النهضة الإثيوبي الذي يُشيد على مجرى النيل الأزرق. ويضخّ النيل الأزرق، الذي يلتقي النيل الأبيض في العاصمة السودانية الخرطوم، نحو 80 في المئة من مياه النهر.

واعتبر تقرير لموقع “بي بي سي” أن النظرة المصرية إلى السد القائم على رافد النيل الأساسي تعتبره تهديدا بالتحكم في تدفق المياه التي تعتمد عليها كل مناحي الحياة في مصر تقريبا، مايعني تهديدا وجوديا بالنسبة لمصر واقتصادها.

أما في إثيوبيا، فيُنظر إلى ذلك السد حال تشغيله بكامل طاقته، بوصفه المحطة الأكبر أفريقيا لتوليد الكهرباء وتوفيرها لـ 65 مليون إثيوبي محرومين منها.

ونقلت “بي بي سي” عن وزير الخارجية المصري سامح شكري قوله في اجتماع الأمم المتحدة “تهديد وجودي بات يحدق بشريان الحياة الوحيد الذي يعيش عليه أكثر من مئة مليون مصري”.

في المقابل، استخدم سفير إثيوبيا لدى الأمم المتحدة تاي أسقي سيلاسي، لغة مشابهة عندما قال “إن الانتفاع بمواردنا المائية في إثيوبيا ليس اختيارا إنما ضرورة وجودية”.

وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية محمد السباعي، قد أكد أن مصر لن تصل إلى اتفاق لو استمرت إثيوبيا في تشددها بشأن ملء سد النهضة..

وأضاف السباعي أن مصر تريد ضمانات من إثيوبيا بشأن ملء خزان سد النهضة.. لافتاً إلى أن إثيوبيا تريد فرض هيمنتها على مياه النيل الأزرق، مؤكدا حرص مصر على التعاون للوصول إلى اتفاق عادل.

وأضاف تقرير الـ”بي بي سي” أن الخطاب المتبادل على مدى نحو عشر سنوات قد يوحي بأن كلتا الدولتين لم تتوافقا بشأن كثير من النقاط، والواقع أن نقاطا جوهرية لم يتم التوافق بشأنها بعد، وهي تلك المتعلقة بـموعد ملء السد وبـكمية المياه التي سيمررّها هذا السد.. مشيرا إلى أن سنوات من محادثات ثنائية ومتعددة الأطراف، ولجان خبراء، وإعلان مبادئ بين مصر وإثيوبيا والسودان، كل هذا لم يسفر عن حلّ لتلك النقاط الجوهرية.

والآن وصلنا إلى نقطة تعلن فيها إثيوبيا الإقدام أحاديّ الجانب على ملء السد في الأسابيع القليلة المقبلة بالتزامن مع موسم الأمطار في عملية يُتوقع لها أن تستغرق نحو سبع سنوات.

وبعد فشل الولايات المتحدة والبنك الدولي في إقناع إثيوبيا بتوقيع اتفاق مع مصر في فبراير الماضي، أعلن الاتحاد الأفريقي أنه سيحاول التوصل إلى حل.

المفاوضات في مفترق طرق

وتشير كلمات المسؤولين المصريين إلى أن هناك حاجةً عاجلة إلى اتفاق.. وفي هذا الإطار نقلت صحيفة اليوم السابع المصرية عن نبيل فهمى وزير الخارجية المصري السابق، قوله إن هناك توافقا في الموقفين المصري والسوداني فيما يتعلق ببعض العناصر الرئيسية في قضية سد النهضة.. مشيرا إلى وجود اختلاف في أولويات البلدين، والاتفاق على أهمية “الإلزامية” وهو ما ترفضه إثيوبيا، وأيضًا ضرورة وجود آلية لفض النزاعات.

وقال نبيل فهمي “إن مفاوضات سد النهضة في مفترق طرق، وقد حدث بعض التصعيد المشروع.. لا أريد التهديد وأعتقد أن هناك فرصا للتوصل إلى حل إذا وجدت الإرادة السياسية، لكن هناك صدامات حتمية إذا لم يكن هناك حل”.

من جهته، حذر وزير الخارجية المصري سامح شكري من “تصاعد حدة التوترات على نحو قد يخلق أزمات ويشعل صراعات من شأنها زعزعة الاستقرار في منطقة مضطربة بالأساس حال إقدامٍ أحاديّ الجانب على ملء وتشغيل هذا السد دون توافق يتضمن الاحتياطات الضرورية لحماية دول المصبّ”.

إثيوبيا، من جهتها تقول إنها ترغب في التفاوض تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، بدلا من الأمم المتحدة، وتتهم مصر بـ”التعنّت والإصرار على حقوق تاريخية ووضْعٍ راهن”.

حيث قال سفير إثيوبيا لدى موسكو، أليمايهو تيغينو، إن توجه مصر إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الخلاف حول سد النهضة “خطوة لم تكن صحيحة”.

وأضاف السفير الإثيوبي في تصريح لقناة “روسيا 24″، أنه لم يكن يتعين على مصر الذهاب لمجلس الأمن الدولي، موضحا أنه من أجل تبديد المخاوف “قمنا بدعوة خبراء دوليين من السودان ومصر للإطلاع على وثائق البناء. للأسف، توجه المصريون لمجلس الأمن الدولي. لم يكن هذا ضروريا، وكان خطأ، لأن هذا (السد) مشروع بناء، وليس مسألة أمنية، حتى تدخل في إطار صلاحيات مجلس الأمن”.

وقال: “كان ينبغي أن يبقى حل ودراسة هذه القضية بين الدول الثلاث، وبعد إدخال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في هذا الموضوع، تبقى هذه المسألة مفتوحة”.

وأشار إلى أن المفاوضات لا تزال جارية، معربا عن أمله في أن تكون مثمرة، ومضيفا أن “الأمر لن يكون كذلك، إلا في حال تمت تسوية جميع التفاصيل، وإذا لم تسبب مصر أي إزعاج، وإذا وافق المصريون على مثل هذه الشروط للمفاوضات”.

وكانت مصر قد طلبت رسميا من مجلس الأمن الدولي التدخل في المفاوضات بشأن سد النهضة الإثيوبي، وقالت القاهرة إنها اتخذت مثل هذه الخطوة بسبب ما اعتبرته “المفاوضات المتوقفة والموقف السلبي لإثيوبيا وافتقارها إلى الرغبة السياسية”.

رئيس وزراء اثيوبيا يتحدث عن هدم السد!

واستمراراً للجدل.. كشفت قناة “أفريكا نيوز” سبب إصرار رئيس وزراء إثيوبيا على الشروع في ملء خزان سد النهضة، بالرغم من تواصل المباحثات.. حيث نقلت القناة عن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قوله، في خطاب أمام البرلمان الإثيوبي الثلاثاء الماضي “إذا لم تملأ إثيوبيا السد فسيعني ذلك أننا قد وافقنا على هدمه” وذلك لتبرير إصرار بلاده على ملء بحيرة السد حتى دون التوصل لاتفاق مع بلدي المصب.

وأضاف آبي أحمد أن موجة الاحتجاجات الأخيرة التي ضربت البلاد، بسبب مقتل المغني واسع الشعبية هاشالو هونديسا، لن تمنع الحكومة من المضي في خطة ملء السد.

واتهم آبي أحمد “أطرافًا تسعى إلى تخريب مشروع التحول الديمقراطي في إثيوبيا” بالوقوف وراء الاحتجاجات.. قائلاً “إذا أصبحت إثيوبيا مثل سوريا، إذا أصبحت إثيوبيا مثل ليبيا، فسيخسر الجميع”.

وقال وزير خارجية إثيوبيا، جيدو أندارجاشيو في تصريحات صحفية الأربعاء الماضي إن “إثيوبيا لن تتسبب في عطش أي طرف بسبب سد النهضة”. واعتبر أندارجاشيو أن هناك “مبالغات ومطالب غير صحيحة من الجانب المصري، وأنه يجب على دول المصب ألا تخاف على تدفقات المياه”.

معاهدات تاريخية

تشير مصر إلى تخوفها من التعدي على حقوقها التاريخية، والتي تعود إلى عام 1929 عندما أقرّت الحكومة البريطانية “حق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل”. كما تمنح هذه المعاهدات مصر حق النقض (فيتو) على أي مشروع يُقام على مجرى النيل.

وفي عام 1959، أبرمت مصر والسودان اتفاقا حول تقاسم موارد النيل، على أنْ تأخذ مصر النصيب الأكبر، دون إشارة إلى أيّ من دول حوض النيل التسع الأخرى، بما فيها إثيوبيا، منبع النيل الأزرق.

ويبدو أن استمرار الجدل حول قضية سد النهضة الأثيوبي بعد نحو تسع سنوات من المفاوضات، في الوقت الذي يحتاج الجميع للتهدئة، ليست سوى مؤشر على قرب انتهاء تلك المفاوضات وبروز نهاية غير سياسية لأزمة سد النهضة.. وهو ما سيكون له تأثير سلبي كارثي على الإقليم والعالم.