صفقة الغاز المصرية: مكسب لكيان الاحتلال
طوفان الجنيد*
ليس مستبعَدًا أن تُقدِمَ جمهورية مصر العربية على عقد صفقة تجارية مع كيان الاحتلال بملايين الدولارات، لتدعمَه اقتصاديًّا وسياسيًّا في وقت تمر فيه القضية الفلسطينية والمنطقة العربية بأصعب مراحلها.
فبينما تتعرَّضُ الأُمَّــة لأبشع جرائم الإبادة وأخبث المؤامرات التي تستهدف استعبادها وإذلالها وتسخير مقدراتها لخدمة المشروع الصهيو-أمريكي، تبرز هذه الصفقة كخدمة مجانية وقبلة حياة لقوى الاستكبار مقابل ما ترتكبه من مجازر في غزة وبقية المنطقة.
إن تحوُّل َمصر إلى "مركز إقليمي" لتجارة الغاز الطبيعي المسال الإسرائيلي ليس مُجَـرّد تطور اقتصادي، بل هو مسار ذو أبعاد سياسية خطيرة؛ أهمها المتاجرة بالقضية الفلسطينية والتخلي عن قضايا الأُمَّــة ومحاولة طعن المقاومة من الخلف.
إن كَيان الاحتلال يحقّق من خلال هذه الصفقات مكاسب سياسية تفوق بكثير العوائد المادية.
الأبعاد الاقتصادية والمكاسب المشتركة
من الناحية الاقتصادية، توفر الصفقة لمصر إيرادات مالية من رسوم العبور والمعالجة، لكنها في المقابل تمنحُ كَيان الاحتلال فرصة ذهبية لتصدير فائض الغاز من حقل "ليفياثان" عبر المنشآت المصرية.
كما تخدم هذه الصفقة الأجندة الأمريكية بتعزيز الحظر على الغاز الروسي وإمدَاد أُورُوبا بالغاز الإسرائيلي كبديل؛ مما يعزز الاستثمارات الأمريكية ويحكم قبضة واشنطن على سوق الطاقة العالمي.
المكاسب السياسية للاحتلال: "الأمن عبر التبعية"
وهذا هو الجانب الأهم والاستراتيجي الذي يسعى إليه كَيان الاحتلال، ويمكن تلخيصه في النقاط التالية:
- تعميق مشروع التطبيع: تعزز الصفقة التطبيع الاقتصادي مع أكبر دولة عربية، مما يمنح شرعية للتعامل مع كَيان الاحتلال في مجالات متعددة، ويحول الطاقة إلى "حقل تعاون استراتيجي" يصعب التراجع عنه مستقبلًا.
- تحييد الأمن القومي المصري: تضع هذه العلاقة كَيان الاحتلال في موقع "المورد الاستراتيجي" لدولة كانت خصمًا رئيسيًّا، مما يزيد من تكلفة أي صراع مستقبلي ويخلق تشابكًا أمنيًّا وعسكريًّا يخدم أمن الاحتلال.
الاختراق الجيوسياسي: تساعد هذه الصفقات في كسر العزلة الإقليمية والدولية للكيان، وتقدم نموذجًا للتطبيع يُراد تعميمه على بقية الدول العربية.
- إضعاف القضية الفلسطينية والمقاومة: تساهم الصفقة في إضعاف الموقف التفاوضي الفلسطيني والمتاجرة بحقوق الشعوب العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن، كما تمهد الطريق لمشروع "إسرائيل الكبرى" من خلال تلميع صورة كَيان الاحتلال كشريكٍ طبيعي في المنطقة.
ختامًا:
يومًا بعد آخر، يسقط القناعُ عن الأنظمة المتخاذلة، ويُكشَفُ حجمُ الخيانة لأبناء غزة والقضية الفلسطينية.
إن تحقيقَ رغبات "رأس الشر" واشنطن في تنفيذ أجنداتها، ولو على حساب إبادة الفلسطينيين واستعباد العرب، هو انحدار تاريخي مرير.
إن هذا الواقعَ يضعُ الدولَ والشعوبَ الحُرَّة أمام تحدٍّ كبير للموازنة بين المصالح الاقتصادية وبين مبادئ الدفاع والمقاومة والتحرّر والاستقلال، لاستعادة خيرات الأُمَّــة ومواردها من مخالب المستعمرين.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

