السعودية والعروبة... أداة خطابية لمشروع غائب
السياسية || محمد محسن الجوهري*
لطالما كانت المملكة العربية السعودية قوة إقليمية ذات ثقل سياسي واقتصادي في العالم العربي، إلا أن دورها في دعم المشروع القومي العربي كان موضع جدل ونقاش طويل. فمنذ تأسيسها، لم تتبنَّ السعودية خطاً قومياً عربياً صريحاً على غرار مصر الناصرية أو العراق البعثي، ولم تسعَ إلى تبني قضايا القومية العربية بوصفها أولوية في سياساتها الخارجية.
تعتبر القضية الفلسطينية المحور الأبرز الذي يُقاس به مدى التزام الدول العربية بالمشروع القومي العربي. ورغم المساهمات المالية السعودية في دعم الفلسطينيين، إلا أن موقفها السياسي ظل متذبذباً، ولم يتجاوز في كثير من الأحيان الدعم الخطابي دون اتخاذ مواقف حاسمة. على سبيل المثال، لم تشارك السعودية بشكل مباشر في أي حرب ضد الاحتلال الإسرائيلي، على عكس دول أخرى مثل مصر وسورية والعراق. كما أن المبادرة العربية للسلام التي طرحتها الرياض عام 2002، ورغم أنها بدت محاولة لإنهاء الصراع، إلا أنها قوبلت بانتقادات من القوميين العرب باعتبارها إقراراً ضمنياً بقبول "التطبيع" مع "إسرائيل" مقابل تنازلات غير مضمونة.
لم تكن السعودية جزءاً من المشاريع الوحدوية التي قادتها مصر الناصرية، بل كانت على النقيض من ذلك، مناهضة لها في كثير من الأحيان. خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي دعمت المملكة، القوى المحافظة والمعادية للمد القومي العربي، وساندت الأنظمة الملكية في مواجهة الثورات الجمهورية التي قادها القوميون في اليمن والعراق وسورية. كما عارضت الوحدة بين مصر وسورية (1958-1961) ولم تُظهر دعماً كبيراً للوحدة بين مصر وليبيا والسودان في السبعينيات.
لم تتبنَّ السعودية خطاباً قومياً عربياً واضحاً، بل ركزت سياستها الخارجية على الهوية الإسلامية أكثر من الهوية القومية. إذ ترى المملكة نفسها زعيمة للعالم الإسلامي بحكم احتضانها للحرمين الشريفين، وبالتالي فإن خطابها السياسي كان دائماً أقرب إلى البعد الديني منه إلى البعد القومي. ورغم استخدام السعودية للعروبة في بعض السياقات مثل التصدي لنفوذ إيران في المنطقة، إلا أن ذلك لم يتعدَّ كونه أداة لخدمة مصالحها الاستراتيجية، وليس التزاماً فعلياً بالمشروع القومي العربي.
في السنوات الأخيرة، برزت توجهات جديدة في السياسة السعودية تجاه الكيان الإسرائيلي، حيث شهدنا تحولات تدريجية نحو الانفتاح على تل أبيب في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية. ورغم أن السعودية لم تعلن التطبيع رسمياً، إلا أن مؤشرات عدة تدل على استعدادها للمضي في هذا الاتجاه، وهو ما اعتبره القوميون العرب تخلياً آخر عن القضية الفلسطينية وعن الروابط العربية المشتركة.
يمكن القول إن السعودية لم تكن يوماً ممثلاً للمشروع القومي العربي، لا في خطابها ولا في سياساتها، بل إنها في كثير من الأحيان سارت في اتجاه مغاير له، إما عبر دعم القوى المحافظة في مواجهة التيارات القومية أو من خلال اتخاذ مواقف براغماتية بعيداً عن العروبة كهوية سياسية جامعة. وفي ظل المتغيرات الحالية، يبدو أن الأولويات السعودية ستظل مرتبطة بالمصالح الاستراتيجية والاقتصادية أكثر من أي انتماء قومي أو أيديولوجي.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب