غزة تفضح المجتمع الدولي ودعاة الحقوق والحريات في العالم
السياسية || محمد محسن الجوهري*
لو أن هناك إنسانية في العالم لرأيناها تنتصر لغزة حيث أكبر مظلومية في التاريخ، لكنها مجرد ذريعة يتشدق بها الغرب العنصري ليغطي على حقيقته الإجرامية، فما يراه من حقوق إنسان في أوكرانيا ليس حاضراً لديهم عندما يتعلق الأمر بأهلنا في القطاع. فالمجتمع الدولي الذي يرفع شعار الحقوق والحريات، يتجاهل ما يحدث في غزة لأسباب سياسية ومصالح ضيقة.
لقد شهد العالم مرارًا وتكرارًا كيف أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تظل عاجزة عن اتخاذ موقف حازم ضد الجرائم الصهيونية في قطاع غزة. على الرغم من توثيق العديد من التقارير الأممية والمنظمات الحقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" التي تؤكد انتهاك "إسرائيل" لجميع القوانين الدولية، من القصف المتعمد للمدنيين إلى استهداف المنشآت الصحية والتعليمية، فإن الاستجابة الدولية تكاد تكون معدومة أو هزيلة.
في الحروب العدوانية المتتالية على غزة، ارتكب الكيان المؤقت جرائم حرب بحق المدنيين، كالقصف المباشر الذي أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف من الأبرياء، أغلبهم من النساء والأطفال. في عام 2014، كان تقرير الأمم المتحدة الصادر عن "اللجنة الدولية للتحقيق في جرائم الحرب" قد أشار بوضوح إلى أن الهجمات الجوية الإسرائيلية كانت موجهة بشكل متعمد ضد المدنيين، وهو ما يخالف جميع القوانين الدولية التي تحظر استهداف المدنيين في النزاعات المسلحة. ورغم ذلك، لم تتخذ الأمم المتحدة أو أي دولة غربية أي إجراء حقيقي لوقف هذه الجرائم.
أما في الجانب الآخر، فما نشهده اليوم من دعم غير مشروط من الدول الغربية لجرائم "إسرائيل"، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، يعد فضيحة أخلاقية. ففي حين تدافع الولايات المتحدة عن أوكرانيا بلهجة حادة وتزعم دعمها لحقوق الإنسان هناك، فإنها تظل صامتة أمام جرائم الحرب التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة. هذا التناقض الفاضح يكشف عن ازدواجية المعايير التي يتبناها الغرب، فحقوق الإنسان بالنسبة لهم هي حقوق انتقائية، تخضع للمصالح السياسية، وليست حقوقًا عالمية ثابتة.
لم تقتصر مواقف المجتمع الدولي على الصمت فقط، بل وصل الأمر إلى دعم "إسرائيل" بشكل صريح، سواء من خلال إمدادات السلاح أو دعم السياسات العسكرية الإسرائيلية. فقد أكدت تقارير عدة أن الأسلحة الأمريكية قد استخدمت في الهجمات على غزة، في إشارة إلى الدعم العسكري اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة لـ"إسرائيل"، وهو ما يعكس في جوهره التفريط في حياة المدنيين الفلسطينيين في غزة.
لقد تعودنا على أن الأنظمة الغربية تتحدث عن حقوق الإنسان، ولكنها لا تتحرك سوى عندما تكون المصالح في مكان آخر. لم تحرك تلك الدول ساكنًا في مواجهة الحصار الجائر المفروض على غزة، وهو الحصار الذي يُخنق فيه مليونان من البشر، ويفرض عليهم ظروفًا معيشية قاسية من نقص في الغذاء والدواء، فضلًا عن تدمير البنية التحتية في القطاع. ورغم التقارير التي تشير إلى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي المخالفة للقانون الدولي، لم نشهد سوى قرارات شكلية، مثل تلك التي تصدر عن مجلس الأمن، التي تظل بلا تنفيذ على الأرض.
أما في ساحة الإعلام، فقد برع الغرب في تلميع صورته أمام شعوب العالم، مستخدمًا وسائل الإعلام لتحريف الحقائق عن الممارسات الإسرائيلية في غزة. فعندما تدور المعركة في غزة، نلاحظ كيف تحجب وسائل الإعلام الغربية الحقائق المتعلقة بالضحايا الفلسطينيين، وتضخم القصص التي تحاول تبرير العدوان الإسرائيلي. هذا الإعلام الذي يزعم الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية، لا يفتأ في تسويق الأكاذيب التي تجعل من المعتدي ضحية ومن الضحية المعتدي.
وفي النهاية، فإن موقف المجتمع الدولي من غزة الذي يقف في صف الاحتلال الإسرائيلي، يكشف عن حقيقة أن حقوق الإنسان بالنسبة لهم لا تعني سوى أداة سياسية يتم استخدامها حسب الحاجة والمصلحة. ومهما حاولت "إسرائيل" والغرب أن يخدعوا العالم بشعارات حقوق الإنسان والحريات، فإن غزة تبقى واحدة من أكبر فضائح هذا المجتمع الدولي الذي يتاجر بمعاناة الشعوب.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب