التسنن الأمريكي: تهديد للوحدة الإسلامية ولتحرير فلسطين
السياسية || محمد محسن الجوهري*
في عالمٍ يعصف به الصراع السياسي والاختلافات الطائفية، يظهر "التسنن الأمريكي" كأحد المصطلحات المثيرة للجدل في الخطاب الديني والسياسي، حيث يُستخدم لوصف تيار سني ينحاز إلى السياسات الأمريكية ويُتّهم بتبني مواقف تتماشى مع المصالح الغربية على حساب القضايا الإسلامية الكبرى، مثل القضية الفلسطينية. ويمثل التسنن الأمريكي تهديدًا حقيقيًا للوحدة الإسلامية من خلال تعزيز الانقسامات الطائفية، ودعم الأنظمة المتحالفة مع الولايات المتحدة، والتقارب مع "إسرائيل" في مواقف تتناقض مع الموقف العام للأمة الإسلامية. وهذا يشكل عقبة أمام التضامن الإسلامي ويضعف المواقف الموحدة في مواجهة الاحتلالات والتهديدات الخارجية.
منذ بداية القرن الواحد والعشرين، شهدت المنطقة الإسلامية العديد من التحديات السياسية والفكرية، بعضها كان يُعتبر هجومًا على الوحدة الإسلامية. من بين هذه التحديات، يبرز التسنن الأمريكي كأحد أبرز أوجه الانقسام داخل الأمة. يرى البعض أن التسنن الأمريكي يعزز فكرة التفريق بين المسلمين من خلال دعم بعض الأنظمة الحاكمة التي تساير السياسات الأمريكية، مما يؤدي إلى تصاعد الخلافات الطائفية وتعميق الانقسامات بين السنة والشيعة، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط.
من خلال هذه السياسات، يظهر التسنن الأمريكي كأداة لتفكيك التضامن الإسلامي، حيث تتبنى بعض الحركات السنية المواقف التي تروج للولاء المطلق للأنظمة التي تتماشى مع الولايات المتحدة، بغض النظر عن اختلافاتها مع القوى الإسلامية الأخرى. هذه السياسات التي تدعم الأنظمة المتحالفة مع الغرب تشكل تهديدًا مباشرًا لوحدة الأمة الإسلامية، وتضعف أي جهد موحد لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه المسلمين في مختلف أنحاء العالم.
القضية الفلسطينية تعد واحدة من أبرز القضايا المركزية في العالم الإسلامي، وهي تشكل مصدرًا كبيرًا للوحدة بين المسلمين من مختلف المذاهب. لكن التسنن الأمريكي من خلال تأثره بالسياسات الغربية، يهدد هذه الوحدة ويُضعف الدعم الفلسطيني. ويُعتبر موقف بعض الأنظمة السنية المدعومة من الولايات المتحدة فيما يتعلق بـ"إسرائيل" خطوة نحو تقوية العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يتناقض مع الموقف الثابت للأمة الإسلامية الذي يرفض التطبيع مع "إسرائيل".
إن التسنن الأمريكي يعزز من عملية التطبيع بين بعض الدول العربية و"إسرائيل"، وهو ما يؤدي إلى إضعاف القضية الفلسطينية ويقلل من فرص الضغط على "إسرائيل" لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية. من خلال دعم هذه السياسات، يُعزز التسنن الأمريكي المواقف التي تحابي "إسرائيل" وتحاول تجاوز القضية الفلسطينية بدلاً من دعم المقاومة الفلسطينية في نضالها ضد الاحتلال.
على الرغم من أن الحركات الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله في لبنان، تُعتبر من أبرز حركات المقاومة ضد الاحتلال، فإن التسنن الأمريكي يسهم في إضعاف هذه الحركات من خلال تحجيم الدعم الذي تتلقاه. مع تزايد الضغوط الغربية، تجد هذه الحركات نفسها في مواجهة عزلة دولية، مما يجعلها أقل قدرة على المقاومة والضغط على "إسرائيل".
الأنظمة المتحالفة مع الولايات المتحدة تبتعد عن دعم هذه الحركات التي ترفض الهيمنة الغربية وتطالب بالتحرير الكامل لفلسطين. وهذا يؤدي إلى نقص في الدعم المالي والعسكري للحركات المقاومة، مما يضعف قدرتها على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
يُعتبر التسنن الأمريكي نتيجة لتعاون بعض الأنظمة السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تلعب بعض الدول العربية دورًا محوريًا في تعزيز هذه السياسات. أبرز هؤلاء الدعاة لهذا التيار هم الأنظمة الحاكمة في دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات، اللتين تتبنيان سياسات تتماشى مع المصالح الأمريكية في المنطقة. وعلى الرغم من أن هذه الأنظمة تدعي تبني الإسلام السني، إلا أن مواقفها السياسية قد تتناقض مع المواقف الإسلامية التقليدية في العديد من القضايا، خاصة ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
إضافة إلى ذلك، هناك تيارات سلفية تؤيد بعض هذه الأنظمة وتدعم مواقفها في محاربة الحركات الإسلامية الرافضة للهيمنة الغربية، مثل جماعة أنصار الله في اليمن، وتقوم تلك التيارات بالتُرويج لفكرة "الولاء والطاعة" للأنظمة الحاكمة، مما يعزز فكرة التسنن الأمريكي.
التسنن الأمريكي يمثل تهديدًا كبيرًا للوحدة الإسلامية وللقضية الفلسطينية، حيث يسهم في تعزيز الانقسامات الطائفية بين المسلمين، ويضعف الموقف المشترك ضد الاحتلالات الأجنبية. كما أن دعم هذا التيار يؤدي إلى إضعاف حركات المقاومة الفلسطينية ويقلل من الدعم الدولي لفلسطين. وفي ظل هذه التحديات، من الضروري أن تعمل الأمة الإسلامية على توحيد صفوفها، وتُعزز من دعمها للقضية الفلسطينية، وأن تبتعد عن السياسات التي تروج للتقسيم وتُضعف موقف المسلمين في مواجهة الاحتلالات والصراعات.
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب