السياسية:

لا يصوت يعلو الآن في العالم فوق صوت المعركة التي يمكن أن تندلع في أي لحظة بين روسيا وأوكرانيا والتي قد تفتح الباب أمام صراع دولي كبير. ومن ثم من الضروري معرفة تمركز قوات بوتين وقوامها.

فقد أرسل بوتين أكثر من 106 آلاف جندي إلى حدود البلاد مع أوكرانيا في استعراض للقوة العسكرية، قبل ما يخشاه المراقبون الدوليون إنه قد يكون غزواً. 

أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن محادثات مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في جنيف أواخر الأسبوع الماضي على أمل تجنُّب كارثة، محذِّراً من العودة إلى التوتُّرات المريرة التي كانت سائدة في حقبة الحرب الباردة، بينما قامت دول أخرى بإجلاء موظفيها الدبلوماسيين من أوكرانيا كإجراءٍ احترازي في حالة اندلاع القتال، كما يرصد تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.

ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح مدى استعداد أي من الجانبين للمُضيِّ في مواجهةٍ في الوقت الحالي. 

لماذا يريد بوتين غزو أوكرانيا؟

ومن المعروف أن بوتين يعارض بشدة تصميم أوكرانيا على الانضمام إلى الناتو، بحثاً عن حمايةٍ أكبر، ويُعتَقَد أنه يرغب في عودة الدول التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي السابق، مثل أوكرانيا وجورجيا وربما بيلاروسيا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، إلى ما لا يزال يعتبره بوتين وطنهم الأم، مُتحسِّراً على استقلال هذه الدول منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في 1989. 

سبق لزعيم الكرملين ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 رداً على تصويت أوكرانيا ضد حليفه فيكتور يانوكوفيتش، متجاهلاً الاحتجاجات والإدانات الدولية التي تلت ذلك. 

لكن ما إذا كانت روسيا ستبدأ حقاً حرباً على عتبة بابها وتخاطر بوضعها الدولي، فهو أمرٌ غير معروف، كما هو الحال مع استعد اد الولايات المتحدة وأوروبا لحماية دولةٍ ليست عضواً في تحالفهم العسكري، سواء كان ذلك بتوريد شحناتٍ من المدفعية والأسلحة والعربات المُصفَّحة أو بفرض عقوبات اقتصادية صارمة وعزلة دبلوماسية على موسكو كعقوبةٍ لها. 

بدأت روسيا بالفعل في الشكوى من أن الولايات المتحدة والناتو “يزرعان الرهاب من روسيا”، وزعمت أن أوكرانيا “غارقةٌ” في الأسلحة من جانب حلفائها استعداداً للصراع المسلح. 

أصبح للجيش الروسي وجودٌ مُكثَّف في شبه جزيرة القرم، علاوة على القوات البحرية القابعة في البحر الأسود. 

أين ينشر بوتين قواته؟

ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية أن حوالي 66 كتيبة تكتيكية، وهي أصغر وحدة عملياتية في الجيش الروسي، وجدت بالقرب من الحدود في يوم 26 يناير/كانون الثاني الجاري.

ووصلت العديد من الأسلحة الثقيلة المتمركزة بالقرب من أوكرانيا في ربيع عام 2021، عندما نشرت روسيا ما يقدر بنحو 110 آلاف جندي بالدبابات والأسلحة الثقيلة الأخرى بالقرب من الحدود. وتمركزت بعض، وليس كلُّ، القوات الروسية في مايو/أيَّار بعد أن أمَّن بوتين اجتماع قمةٍ مع جو بايدن. 

واحدة من أكبر القوات المتبقية منذ مايو تأتي من جيش الأسلحة المشتركة 41، الذي يقع مقره في نوفوسيبيرسك على بُعدِ ألفيّ ميل تقريباً. انتقلت بعض قوات جيش الأسلحة المشتركة 41، التي تمركزت سابقاً في منطقة تدريب بوغونوفو جنوب فورونيج منذ الربيع، إلى يلنيا، وهي بلدةٌ في منطقة سمولينسك الأقرب إلى بيلاروسيا.

وتشمل القوات مشاة ودبابات قتال رئيسية ومدفعية صاروخية وصواريخ إسكندر الباليستية قصيرة المدى، التي تضمُّ ما يُقدَّر بستة أو سبع قذائف بي تي جي، وفقاً لتقديرات مُحلِّل الدفاع المستقل كونراد موزيكا. 

ونُقِلَت الدبابات والمشاة والمدفعية الصاروخية من جيش دبابات الحرس الأول المتمركز في منطقة موسكو إلى منطقة تدريب بوغونوفو، وفقاً لتقديرات موزيكا. 

وتصوِّر صور الأقمار الصناعية المأخوذة من أعلى بوجونوفو ويلنيا وصول المزيد من المعدات بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ويناير/كانون الثاني 2022. 

وتُظهِر التحرُّكات الأخيرة ألوية بنادق آلية من جيش الأسلحة المجمع 49 تتحرك نحو شبه جزيرة القرم. وقد رُصِدَت أصول المدفعية والدفاع الجوي من جيش الأسلحة المشترك 58 في صور الأقمار الصناعية التي التُقِطَت من فوق نوفوزيرن في غرب شبه جزيرة القرم. 

هناك أيضاً وحدات منتشرة بشكل دائم بالقرب من أوكرانيا من جيشي الأسلحة المشتركة 8 و20. وتقدِّر أوكرانيا أن عشرات الآلاف من القوات تتمركز في المناطق الانفصالية المدعومة من روسيا في دونتسك ولوهانسك. 

خلال العام الجديد، نقلت روسيا الدبابات والمدفعية وأنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة إلى بيلاروسيا لإجراء مناورات مشتركة من المُقرَّر أن تجري في الفترة من 10 إلى 20 فبراير/شباط. 

ما هو الشكل الذي يمكن أن يتَّخَذه الهجوم الروسي المُحتَمَل؟ 

وبحسب الصحيفة البريطانية أظهرت خريطة نشرتها الاستخبارات العسكرية الأوكرانية في نوفمبر/تشرين الثاني سيناريو أسوأ حالة. ويتمثَّل هذا السيناريو في عبور القوات الروسية الحدود الأوكرانية من الشرق والهجوم من شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى شن هجوم برمائي على أوديسا بدعم من الجنود الروس في ترانسنيستريا والقوات المُرسَلة من بيلاروسيا. 

بعض جوانب الخطة، مثل الهجمات من الشرق وعبر القرم، تبدو ممكنةً بالفعل. ويبدو أن الجوانب الأخرى، مثل هجوم من بيلاروسيا، يمثِّل عاملاً في حركة القوات التي لم تصل بعد إلى المنطقة. 

كان التفكير السائد في أوكرانيا اعتباراً من أواخر يناير/كانون الثاني هو أن الهجوم المركز في الشرق هو السيناريو الأكثر ترجيحاً. في 21 يناير/كانون الثاني، قالت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية إنه منذ بداية الشهر زوَّدَت موسكو الانفصاليين في شرق أوكرانيا بدباباتٍ إضافية ومدفعية ذاتية الدفع وقذائف هاون وأكثر من 7 آلاف طن من الوقود. 

وأضافت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أن الكرملين يعمل بنشاطٍ على تجنيد المرتزقة في مراكز داخل روسيا. وأضافت أن هؤلاء الجنود غير الرسميين يخضعون “لدورات تدريبية مكثفة” قبل أن يُهرَّبوا عبر الحدود الروسية إلى دونتسك ولوهانسك المُحتلَّة. 

تتواجد القوات المسلحة الروسية سراً في المناطق الانفصالية منذ عام 2014، وفقاً للحكومة الأوكرانية. ويمكنهم الدخول في الصراع علانية ثم محاولة اختراق الخطوط الأوكرانية، وسط تصعيدٍ عام للأعمال العدائية. 

ستكون العواقب الاقتصادية المحتملة لأي قتال جديد هائلة حيث تعِد الولايات المتحدة وحلفاؤها بفرض عقوباتٍ “كبيرة وشديدة” في حالة وقوع هجوم. 

ولا يزال بإمكان روسيا السعي للحصول على تنازلات من الغرب في المفاوضات مع الحفاظ على قواتها على طول الحدود من أجل تهديدٍ حقيقي بالتصعيد. وقال بوتين إنه يعتقد أن التوتُّرات الشديدة مفيدةٌ لروسيا، لكن مع ذلك يقول المُحلِّلون إنه بدون تحقيق نصرٍ دبلوماسي واضح، فإن أيَّ انسحابٍ قد يبدو وكأنه هزيمة. 

متى قد يحدث هجوم؟

ستكون النافذة المحتملة لأي هجوم في دونباس بعد 4 فبراير/شباط، حيث من المُقرَّر أن يحضر بوتين افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين ويلتقي بالرئيس الصيني، شي جين بينغ. ومن المُقرَّر أن تنتهي المناورات العسكرية في بيلاروسيا في 20 فبراير/شباط، وهي اللحظة الأوضح للعملية الهجومية. 

عربي بوست