السياسية:

لا تزال هيئة “من أين لك هذا؟” التي اقترحها الرئيس عبد المجيد تبون لمحاربة الفساد في الجزائر تثير جدلاً في البلاد، بين مؤيد للفكرة من حيث المبدأ ومقلل من شأنها على أساس كونها لن تضيف جديداً.

وكان تبون قد وجه في 2 يناير/كانون الثاني الجاري باستحداث هيئة لمكافحة الثراء غير المشروع للموظفين الحكوميين، تعمل وفق مبدأ “من أين لك هذا؟”. وحسب الرئاسة الجزائرية سيتم التحقيق في الثراء من خلال إجراءات قانونية صارمة، لمحاربة الفساد عملاً بمبدأ من أين لك هذا؟، دون تفاصيل إضافية.

وجاء في بيان اجتماع مجلس الوزراء الجزائري بحضور تبون، أنه تقرر “التركيز على العمل الوقائي لمحاربة الفساد، بداية من تحديد شروط جديدة ودقيقة للإعلان عن الصفقات العمومية والمناقصات على الصحف”. وتحدث البيان عن استحداث هيئة جديدة للتحري في مظاهر الثراء لدى الموظفين العموميين (الحكوميين) دون استثناء.

الفساد في الجزائر
تحتلّ الجزائر المرتبة 104 من أصل 180 دولة في التصنيف الدولي لمؤشر مدركات الفساد، وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في 2021. وحسب متابعين، فقد استفحلت مظاهر الفساد لدى موظفين حكوميين في حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، التي تزامنت مع مداخيل قياسية لصادرات النفط والغاز الجزائرية.

ومنذ عقود تخضع الجزائر مناقصات المشاريع الحكومية، لإلزامية نشر إعلانها على صفحات 3 صحف على الأقل.

وعقب حراك شعبي أطاح ببوتفليفة في 2 أبريل/نيسان 2019 جرى سجن رئيسي وزراء من حقبته هما أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، إضافة إلى وزراء وولاة (محافظون) ورجال أعمال، إثر تحقيقات في قضايا فساد.

وكان بوتفليقة أجرى في عام 2006 تعديلات على قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، لكنها أتت حسب مراقبين بنتائج عكسية، زادت من عدد قضايا الفساد وأبقت المسؤولين والموظفين الحكوميين بعيداً عن المساءلات.

وطوال فترة حكم بوتفليقة التي امتدت على مدى 20 عاماً (1999 /2019) جرت مساءلة عدد قليل من الموظفين الحكوميين بشأن قضايا فساد ومظاهر الثراء غير المبرر.

وخلال فترة حكم بوتفليقة تم إنشاء “الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته” بموجب قانون الوقاية من الفساد ومكافحته الذي صدر عام 2006. لكن حسب متابعين، فإن مهام “الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته” ظلت شكلية ولم تتمكن من التصدي لظاهرة الفساد خصوصاً في أوساط حكومية رسمية.

وفي الفترة التي أعقبت إنشاء هذه الهيئة، تفجرت فضائح فساد مدوية بالجزائر على غرار قضية “الطريق السيار شرق غرب” وقضيتي “سوناطراك” 1 و2، لكن التحقيقات بقيت بعيدة عن الوزراء وطالبت أشخاصاً من مستويات مسؤولية أقل وفق ما عرف في الجزائر “الحوت الكبير والصغير”.

ويستعمل مصطلح “الحيتان الكبيرة والصغيرة” في الجزائر شعبياً وإعلامياً للدلالة على ابتعاد تحقيقات الفساد عن كبار المسؤولين واقتصارها على سلم مسؤوليات أقل.

وفي عام 2018 قامت حكومة رئيس الوزراء المسجون أحمد أويحيى (خلال حقبة بوتفليقة)، بإنشاء هيئة جديدة لمكافحة الفساد حملت تسمية “الديوان المركزي لقمع الفساد” لكن الفساد تواصل بعدة قطاعات.

هيئات متعدد لمحاربة الفساد
يرى الصحفي الجزائري المتخصص في التحقيقات الاستقصائية إلياس حلاس، أن استحداث هيئة للتحقيق قي ثراء الموظفين الحكوميين “لا يضيف الشيء الكثير لمكافحة الفساد”.

وعدد إلياس حلاس في حديث للأناضول جملة من الشروط الواجب توفرها لمكافحة حقيقية للفساد وليس بتعدد الهيئات المتخصصة، موضحاً أنه “من الشروط هو إجراءات شفافة ترافقها عدالة (قضاء) مستقل وكذا صحافة حرة ومستقلة”.

وختم حلاس بالإشارة إلى أن “مكافحة الفساد ليست بحاجة لهيئات متعددة تتداخل فيما بينها من حيث الصلاحيات وفي نهاية المطاف لا تقوم بفعل شيء”.

وكانت العاصمة الجزائر قد استضافت اللقاء الدولي حول “تقييم تدابير مكافحة الفساد في الجزائر من خلال أداة تقييم مبادرات مكافحة الفساد لجمهورية كوريا” في المركز الدولي للمؤتمرات. الاجتماعات نظمتها الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته ومكتب برنامج الأمم المتحدة للتنمية بالجزائر.

الرئيس الراحل بوتفليقة
وقال طارق كور رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته إن هيئته عملت على إشراك كل الأطراف المعنية في عملية إعداد مشروع الاستراتيجية الوطنية ضد الفساد، بالاعتماد على جهاز تقييم مكافحة الفساد لكوريا الجنوبية، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

لكن الخبير والمحلل الاقتصادي فريد بن يحيى يرى أن استحداث هيئة للتحقيق في ثراء الموظفين الحكوميين “أمر إيجابي من حيث المبدأ، لكن تطبيقه صعب ووجب مرافقته بجملة إجراءات”.

ويقول بن يحيى للأناضول: “هناك هيئة لمحاربة الفساد وديوان المركزي لقمع الفساد، ويمكن استحداث 10 هيئات ولن نصل إلى هدف إذا لم تتوفر إرادة سياسية حقيقية وتقنيات ترافق هذه الهيئة”.

ويضيف: “لست من مؤيدي تعدد الهيئات بل يجب أن تكون هيئة واحدة جامعة بكافة الصلاحيات اللاّزمة”، لافتاً إلى أن “عمل رقابة على مسؤولين في الدولة أو شركات عمومية كبرى ومنتخبين وغيرها يستوجب وجود نظام رقمنة شامل، يوفر ملفاً مفصلاً عن كل موظف ووجود تتبع لكافة نفقاته ومداخيله ومصادرها (شبكة معلوماتية)”.

معوقات تواجه الرقابة الحقيقية
وحسبه فإن العمل “يجب أن يتم سرياً وفق هذا النظام الرقمي، وعندما يتم رصد أي أمور مشبوهة يتم التحري بسرية مع المعني وإذا لم يقدم مبررات لما حصل عليه (من أموال) تتم إحالته للجهات القضائية المختصة”.

ويعتبر بن يحيى أن “الوقت غير مناسب لطرح المبادرة لأن ملايين الدولارات متداولة في السوق الموازية (حسب الرئاسة 90 مليار دولار)”.

ويشير إلى أن ما وصفه “بالاكتناز المنزلي يصعّب مراقبة ثراء الموظفين لأن السلطات لا تعلم في الغالب بما يحوزه من أموال وممتلكات”. وعلق بن يحيى قائلاً: “لا بد من دراسة جدية ومفصلة لكيفية مراقبة ثراء الموظفين الحكوميين”.

الجزائر

يعتبر بن يحيى أن “محاربة فساد وثراء الموظفين الحكوميين غير الشرعي مرتبط أيضاً بسياسة أجور عمومية ضعيفة، وإجراءات بيروقراطية مقعدة وثقيلة وغلاء المعيشة وتدني قيمة العملة المحلية واستشراء الفساد في الفترة السابقة، وهي أمور تصعب من العملية”.

ويحذر المحلل الاقتصادي من “إمكانية ظهور عمليات تصفية الحسابات خصوصاً عقب إنشاء هذه الهيئة من طرف الأثرياء ضد آخرين (لم يسمهم)، ولذلك وجب الحذر الشديد في عمل الهيئة”.

الجدل بشأن الهيئة التي يقترحها الرئيس تبون بغرض مكافحة الفساد يأتي بعد عام من إقرار تغييرات خاصة بقوانين الانتخابات في البلاد هدفها محاربة ظاهرة “شراء الأصوات”.

كان رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر محمد شرفي، قال خلال يناير/كانون الثاني من العام الماضي، إن مشروع قانون الانتخابات الجديد يهدف إلى وضع آليات جديدة لاستئصال “الفساد والاحتيال”، بحسب تقرير لصحيفة الحوار الجزائرية، مضيفاً أن القانون الجديد سيعتمد “نظاماً انتخابياً جديداً يجعل المال الفاسد غير ذي قيمة بالنسبة لمن يدفعه ومن يتلقاه”.

عربي بوست