السياسية:

إعلان روسيا شروطها لعدم غزو أوكرانيا وضع أمريكا والناتو أمام خيارات صعبة، فيما يبدو أنه إصرار من جانب بوتين على التذكير بأن موسكو لن تتراجع عن إعادة الناتو إلى حدود 1997، فما فرص نجاح الرئيس الروسي؟

احتمال إقدام روسيا على غزو أوكرانيا  بات حديث الساعة حول العالم، خصوصاً بعد أن فشل اتصال الساعتين، الأسبوع الماضي، بين الرئيس الروسي بوتين ونظيره الأمريكي جو بايدن في نزع فتيل القنبلة التي تهدد شظاياها أوروبا والعالم أيضاً.

فالمؤشرات لا تُنذِر بخير، إذ حشدت موسكو هذا الخريف قواتٍ وأسلحة ثقيلة على طول الحدود الأوكرانية مباشرةً. وأثارت صور الأقمار الصناعية التي تُظهِر نحو 175 ألف جندي روسي مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها، ولا يزال من غير الواضح ما إن كان هذا تكتيكاً تفاوضياً من جانب بوتين أم حشداً من أجل الغزو.

وتحدث جو بايدن الثلاثاء 7 ديسمبر/كانون الأول مع بوتين، لساعتين، عبر تقنية الفيديو. وأعاد الرئيس الأمريكي تأكيد التزامه بوحدة الأراضي الأوكرانية، لكنه رفض أن يقدم لبوتين ما كان يريده: ضمانة أكيدة بأن كييف لن تنضم لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أبداً.

شروط روسيا لأمريكا والناتو

وأعلنت موسكو الجمعة 17 ديسمبر/ كانون الأول، أنها قدمت إلى مسؤولة كبيرة في الخارجية الأمريكية مقترحات للخروج من الأزمة الأوكرانية بشكل سلمي، وأبدت واشنطن استعدادها لمناقشة هذه المقترحات، لكنها أكدت أن “لا مفاوضات حول الأمن الأوروبي بدون حلفائنا وشركائنا الأوروبيين”.

وينص الاقتراحان اللذان أطلقت عليهما الخارجية الروسية “معاهدة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الضمانات الأمنية” و”اتفاق حول تدابير لضمان أمن روسيا والدول الأعضاء” في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على حظر أي توسع إضافي لحلف شمال الأطلسي وكذلك إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في الجمهوريات السوفييتية السابقة.

ومن غير المعتاد أن يعرض دبلوماسيون علناً وثائق عمل كهذه، إذ إن التكتم يسمح عموماً بإعطاء هامش تحرك ضروري للمفاوضين، وتقع كل من الوثيقتين في أربع صفحات وتتضمنان تسعة وثمانية بنداً على التوالي.

ووفقاً لهذه المعاهدات، يُحظر على الولايات المتحدة إنشاء قواعد عسكرية في أي دولة من دول الاتحاد السوفييتي السابق ليست عضواً في حلف شمال الأطلسي ولا حتى “استخدام بنيتها التحتية في أي نشاط عسكري أو تطوير تعاون عسكري ثنائي” معها.

كذلك يتعهد بموجبها كل أعضاء حلف شمال الأطلسي بعدم الاستمرار في توسيع الناتو وعدم القيام بأي “نشاط عسكري على أراضي أوكرانيا وفي بلدان أخرى من أوروبا الشرقية وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى”.

وفي هذا الإطار، رأى نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف مقدماً للصحافة هذه الوثائق التي سلمت هذا الأسبوع لمسؤولة كبيرة في وزارة الخارجية الأمريكية أنه “من الضروري تدوين الضمانات الأمنية لروسيا وأن تكون لها قوة القانون”. كما اقترح بدء المفاوضات “اعتباراً من السبت 18 كانون الأول/ديسمبر”، وقال إن موسكو عرضت على الأمريكيين عقدها في جنيف.

ولفت ريابكوف إلى أن هذه المقترحات هي وسيلة لاستئناف التعاون الروسي-الغربي في “الغياب التام للثقة المتبادلة” مع الأخذ في الاعتبار السياسة “العدائية” لحلف شمال الأطلسي “في جوار روسيا”. واعتبر المسؤول أن الأمر هو “لاستئناف العلاقة استناداً إلى صفحة بيضاء”.

وسبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن دعا الثلاثاء إلى مفاوضات “فورية” حول الضمانات التي ينبغي أن تقدم لأمن روسيا، وهو أيضاً ما أكد عليه خلال الاتصال بينه وبين نظيره بايدن، مطالباً بتلك الضمانات القانونية.

كيف جاء الرد الأمريكي على شروط بوتين؟

قال البيت الأبيض إنه سينظر في تلك “المقترحات” الروسية، لكن الناطقة باسم البيت الأبيض أكدت، الجمعة، عدم المساومة “إطلاقاً على المبادئ الأساسية للأمن الأوروبي، وخصوصاً حق جميع البلدان في أن تقرر مصيرها وسياستها الخارجية بدون أن تخضع لأي نفوذ خارجي”.

ويشكل توسع حلف شمال الأطلسي ليشمل جمهوريات سابقة في الاتحاد السوفييتي خطاً أحمر بالنسبة لموسكو، غير أن أوكرانيا وجورجيا مرشحتان للانضمام إلى الحلف. ورفضت الدول الغربية إغلاق أبواب حلف شمال الأطلسي أمام هذين البلدين إلا أنها جمدت في الواقع عملية الانضمام.

وقال مسؤول أمريكي كبير للصحافيين إن الولايات المتحدة “مستعدة لمناقشة” هذه الوثائق حتى لو تضمنت “أموراً معينة يعرف الروس أنها غير مقبولة”، وتابع المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه: “إذا شن عدوان آخر على أوكرانيا، فسيكون له عواقب وخيمة، وسيكون مكلفاً للغاية”، بحسب موقع فرانس 24.

وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، يوم الجمعة: “أجرينا حواراً مع روسيا بشأن قضايا الأمن الأوروبي على مدى السنوات العشرين الماضية”، وأضاف: “لقد أدى ذلك في بعض الأحيان إلى إحراز تقدم، وفي بعض الأحيان وصل بنا الأمر إلى طريق مسدود، لكننا مستعدون بشكل أساسي للحوار”.

التصريحات الصادرة عن إدارة بايدن إذا لا تغلق الباب نهائياً أمام التباحث مع الروس بشأن “المقترحات” التي تقدم بها الكرملين، لكن ذلك لا يعني أن واشنطن سوف تقبل التسليم بما تريده موسكو، بحسب محللين.

لكن في الوقت نفسه، تبدو الخيارات الأمريكية والأوروبية محدودة للغاية في مواجهة الاندفاع الروسي والتصميم الواضح من جانب بوتين، والمقرون بحشود عسكرية على الحدود الأوكرانية. فإرسال الولايات المتحدة أو حلف الناتو قوات عسكرية لمساعدة أوكرانيا في التصدي لهجوم روسي محتمل خيار مستبعد، بحسب تصريحات بايدن نفسه.

وبالتالي فإن خيار فرض عقوبات اقتصادية على روسيا هو الخيار الأول المطروح حالياً، وهو الخيار الذي فشل في ردع بوتين عن اجتياح وضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014. وتقول واشنطن إنها ستفرض عقوبات كاسحة على موسكو، تصفها بأنها عقوبات لم يتم فرضها عام 2014 لكنها لن تتردد في فرضها الآن. لكن في المقابل، يبدو أن بوتين يعد العدة للتقليل من تأثير تلك العقوبات، واتضح ذلك من اتفاقه مع نظيره الصيني شي جين بينغ قبل أيام على الإسراع في إنشاء نظام مالي مستقل، بعيداً عن النظام الحالي الذي يسيطر عليه الدولار الأمريكي.

ما فرص نجاح بوتين في فرض شروطه؟

الخبير الروسي كونستنتان كالاتشيف يرى أنه “من المهم بالنسبة لروسيا أن تظهر أن التهديد لا يأتي منها، وأنها لا تنوي مهاجمة أوكرانيا أو بدء حرب على الولايات المتحدة”.

لكن بحسب تحليل لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، يكاد يكون من المستحيل تخيل توقيع الولايات المتحدة والناتو على مسودة الوثائق التي وضعها الدبلوماسيون الروس، من دون تغييرات كبيرة.

إذ تطالب روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو) في القرارات المتعلقة بالانضمام إلى الناتو. وهو ما يبدو صعب المنال. فقد كرر الناتو في أكثر من مرة التشديد على أن موسكو لا يمكن أن يكون لها رأي فيمن سيصبح عضواً في الحلف.

كما يبدو أن الروس يريدون إعادة عقارب الساعة إلى مايو/أيار 1997، فموسكو تطالب بألا يُسمح لأي دولة انضمت إلى حلف الناتو بعد ذلك التاريخ بالوصول إلى قوات الحلف أو أسلحته. كيف سيكون شعور دول البلطيق التي تنظر إلى روسيا على أنها تهديد محتمل، حيال ذلك؟

وتعرف موسكو جيداً أنها تطالب بأشياء لن يقدمها الغرب، فلماذا تطلبها؟ تكتيك تفاوضي، ربما. نطلب الكثير ونأمل في الحصول على تنازلات أخرى. أو قد يكون ذلك مصمماً للاستهلاك المحلي: لإقناع الجمهور الروسي بأن التوتر المتزايد بين روسيا والغرب ليس خطأ موسكو.

وقد غزت روسيا جورجيا خلال حرب قصيرة في عام 2008 واستولت على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، قبل أن تدعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا.

وبدأ الصراع في الشرق الأوكراني في أبريل/نيسان 2014 وأودى بحياة أكثر من 14 آلاف شخص، بينما تتواصل الخسائر البشرية. ومع ذلك، أثار حشد القوات الروسية في مناطق خارج حدود أوكرانيا مخاوف من غزو روسي آخر.

وحذر زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة مساء الخميس من أن أي اعتداء ستكون له “عواقب وخيمة وتكلفة باهظة”، وتحدثوا عن إجراءات تقييدية بينما دعوا إلى بذل جهود دبلوماسية لحل التوترات المتزايدة.

وقالوا إن الدبلوماسية يجب أن تركز على الحوار الرباعي بين باريس وبرلين وكييف وموسكو، المعروف باسم صيغة نورماندي أو اتفاقيات مينسك، إلا أن روسيا تفضل بشكل واضح التركيز على المحادثات مع الولايات المتحدة.

وحذر الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، من أن روسيا تزيد، لا تقلص، قواتها على الحدود بـ”قوات جاهزة للقتال، ودبابات، ومدفعية، ووحدات مدرعة، وطائرات من دون طيار [و] أنظمة حرب إلكترونية”.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، إنه يفضل فرض عقوبات على الفور قبل أن تقوم روسيا بأي عمل عسكري. وتشترك أوكرانيا في الحدود مع كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا التي تجمعها بها روابط اجتماعية وثقافية عميقة.

عربي بوست