السياسية: متابعات : صادق سريع

في 18 سبتمبر/أيلول 2021 ألقى نائب وزير الدفاع الأمريكي للشؤون السياسية بمفاجأة “عبر الفيديو”، لم يلتفت لها الكثيرون.

كانت المناسبة هي انعقاد المؤتمر العسكري السنوي لدول البلطيق، بمبادرة من وزارة الدفاع في جمهورية ليتوانيا.

وظهر كولين على شاشات المؤتمر الذي تواصل فيه المشاركون بتقنية الفيديو، ليتحدث في موضوع هذا العام للمؤتمر، وهو “الغرب في عصر جديد من التنافس بين القوى العظمى”.

“في السنوات القادمة، قد تشكل روسيا بالفعل أكبر تحدٍّ أمني تواجهه الولايات المتحدة، وبالتأكيد أوروبا، في المجال العسكري”، هكذا تحدث الرجل.

روسيا في نظر ممثل العسكرية الأمريكية هي “خصم يزداد حزماً في سعيه الثابت إلى تعزيز نفوذه في العالم وأداء دور مزعزع على الصعيد الدولي، بما في ذلك من خلال محاولات لتقسيم بلدان الغرب”.

وتابع الرجل قائمة “جرائم روسيا”، التي تشمل هجمات سيبرانية على أمريكا وحلفائها،

وتقويض الشفافية في العلاقات الدولية،

واستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها،

ودعم جماعات تعمل بالوكالة من أجل زرع الفوضى والشكوك ونسف النظام العالمي المبني على القواعد من خلال أنشطة سيبرانية ودولية.

ثم “خرق روسيا سيادة جيرانها ووحدة أراضيها”، وهي عبارة تهم المشاركين في المؤتمر العسكري للبلطيق.

كل هذه الاتهامات تأتي من ناحية الغرب: الاتحاد الأوروبي وأمريكا، حيث العداء التاريخي لموسكو.

نجح الغرب في هدم الإمبراطورية السوفييتية بداية التسعينيات، وانتهى عصر التوسع الأيديولوجي للشيوعية، لكن فكرة التوسع الروسي ونشر النفوذ السياسي والاقتصادي مازالت حية.

يسهر عليها الآن الرئيس فلاديمير بوتين، ابن المخابرات السوفييتية الرهيبة “كي جي بي”. 

يمد الأخطبوط الروسي أذرعته الخفية حول الكوكب في حركة نشطة وخفية، خاصة بعد عام 2015، بتجارة الأسلحة والشركات العسكرية الخاصة وشبكات استخراج وتهريب المعادن النفيسة.

الكثير من الأصوات في الغرب تنادي الآن بالتعامل مع روسيا على أنها العدو رقم 1، وليس الصين.

كثيرون يحذرون من نجاح الأخطبوط الروسي في الالتفاف حول الكوكب بأسره في غضون بضع سنوات، لأن الثمن سيكون باهظاً على أمريكا والاتحاد الأوروبي.

ما الذي تفعله روسيا في الخفاء والعلن لتثير كل هذا الذعر؟

هذا التقرير الذي نشره موقع عربي بوست ،محاولة للإجابة، باستعراض أنشطة روسيا خارج الحدود، والأذرع المتنوعة التي تنفذ بها موسكو سياستها الخارجية بالضغوط، وصنع الأزمات، والهجمات الإلكترونية.

روسيا التي تحاصر الاتحاد الأوروبي وتهدد أمريكا

في عناوين الربع الأخير من عام 2021 تكررت التحذيرات من توسعات عسكرية لروسيا في البحر الأسود.

تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية قال إن الولايات المتحدة الأمريكية تبادلت معلومات استخباراتية مع عدد من حلفائها في أوروبا، تشير إلى أن روسيا تخطط لغزو محتمل واسع النطاق لأوكرانيا أوائل 2022.

يشير التقرير إلى أن هذا الغزو -إن حدث- سيكون أكبر وأشد تدميراً من حرب عام 2014 في شرق أوكرانيا، حيث قُتل 14 ألف شخص في تمرد أطلقه الانفصاليون المدعومون من روسيا.

نوايا بوتين لا تزال غامضة، في حين أن المعلومات الاستخباراتية تشير “إلى سيناريو يعبر فيه حوالي 100 ألف جندي إلى أوكرانيا من مواقع متعددة بمساندة الدعم الجوي”.

لكن الغزو العسكري يُعدّ أسلوباً نادراً في السياسة الخارجية الروسية، تسبقه طرق أخرى أكثر نعومة، وقبولاً.  

ما تخوضه روسيا الآن ضد الغرب، وخاصة أمريكا، هو “حرب الظل” التي تحدث في مساحات بينية بين حالتَي السلم والحرب.

في ساحة تكتيكية بين العمل السري والقوة العلنية. 

حرب تجري على أكثر من جبهة، وداخل أكثر من ساحة في الوقت ذاته، ولذا فإن سرعتها وقوتها غالباً ما تكون مخيفة.

روسيا تلاحق خصومها من الفضاء الإلكتروني إلى الفضاء الخارجي، وفي جميع أنحاء العالم. ولهذا يرى القادة العسكريون الأمريكيون ومسؤولو الأمن القومي ومحللو الاستخبارات بشكل قاطع أن موسكو هي عدو واضح لدولتهم.

الحقيقة هي أن روسيا تتمدد اقتصادياً وتبحث عن فضاء جديد.

روسيا ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا وسادس أكبر اقتصاد في العالم.

ولم تعد الولايات المتحدة تفكر في روسيا ليس كقوة متدنية، بل كقوة ثابتة ومستعدة وقادرة على تهديد مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة على مدى السنوات العشر إلى العشرين المقبلة على الأقل.

الآن يدرك الكثير من المسؤولين في واشنطن أن روسيا تشكّل خطراً أكبر على أميركا من كل أخطار الصين.

الجنرال يتوقع حرباً مع روسيا “أقرب من أي وقت مضى” 

آلاف الأشخاص في خيام بالية وملاجئ مؤقتة مرتجلة يعانون فيها التجمد وبؤس الظروف في الغابات الواقعة غرب بيلاروسيا. 

المشهد الذي أثار الجدل والدموع عبر العالم في خريف 2021 ليس إلا جزءاً من سياسات روسيا لإضعاف أوروبا، في رأى المحللين الغربيين.

هؤلاء المهاجرون هم ضحايا خطة جيوسياسية شديدة الخطورة وُضعت لتعرية نقاط ضعف الغرب، وتأجيج انقساماته الداخلية، وإذكاء الخلافات بين دولِه والطعن في مصداقيتها، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Times البريطانية.

لذلك انتفض قائد أركان الجيش البريطاني الجنرال نيك كارتر بتصريحات ثقيلة هزت الأوساط الأمنية والعسكرية في بريطانيا وأوروبا، عندما حذر من “احتمال نشوب حرب مع روسيا باتت أقرب من أي وقت مضى، مدفوعة بالأحداث الحاصلة شرق أوروبا وآخرها أزمة اللاجئين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا”.

وحذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي من أن “أي استفزاز أو عمل عدواني من جانب روسيا سيكون مقلقاً للغاية”.

روسيا الآن تواجه قائمة طويلة من الاتهامات الغربية بارتكاب كل أنواع الجرائم.

قائمة تشمل الاغتيالات والفساد والهجمات الإلكترونية والضغط الدبلوماسي والاقتصادي والأموال القذرة والمعلومات المضللة والتجسس والجريمة المنظمة والدعاية الموجهة، فضلاً عن السلاح الحالي: تعزيز تدفقات الهجرة على الحدود الأوروبية.

ويلخص أحد التقارير هذا الصدام الغربي مع روسيا، بأنه يشبه “تسرب المطر من كل ثغرة يجدها في سقف مثقوب، كذلك يخترق نفوذ روسيا كل ثغرة يجدها في ساحة المواجهة الغربية معه”.

الجيش الروسي الحالي هو الأفضل منذ عقود

تمتلك روسيا أقوى جيش تقليدي في أوروبا، وبمستوى يضاهي جيوش حلف الناتو.

أعادت موسكو بناء جيشها بعد فترة من الإصلاحات العسكرية والاستثمارات منذ عام 2008. واليوم، يوجد الجيش الروسي في أعلى مستوى الجاهزية والحركة والقدرات التقنية منذ عقود. 

كما تمتلك روسيا مجموعة مرنة من القوات الخاصة والمرتزقة وعملاء الاستخبارات العسكرية. يأتي هذا قبل اعتبار مكانة الدولة كقوة رائدة في الفضاء أو قدراتها الواسعة في الحرب الإلكترونية.

وروسيا تنفق ما بين 150 مليار دولار و180 ملياراً سنوياً على الدفاع، نصفها يذهب لشراء أسلحة جديدة وتحديث الأسلحة القديمة وأبحاث التكنولوجيا العسكرية.

هي حصة أكبر بكثير مما تنفقه معظم الجيوش الغربية في هذه المجالات. 

طور المجمع الصناعي العسكري الروسي العديد من أسلحة الجيل التالي، من الصواريخ الأسرع من الصوتية إلى أسلحة الطاقة الموجهة (مثل الليزر) وأنظمة الحرب الإلكترونية والغواصات المتقدمة والدفاعات الجوية المتكاملة، إلى الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية من أصناف مختلفة.

مع ذلك، لا يخلو الجيش الروسي من المشكلات، ويبقى متخلفاً في بعض المجالات.

روسيا والناتو في حالة صراع على البحر الأسود 

بعد أن ضمّت روسيا القرم إلى أراضيها عام 2014، تعاظم وجودها العسكري بمنطقة شمال البحر الأسود. 

رأت أوروبا في هذا تهديداً حقيقياً لأمنها، ولمصالح الدول الإقليمية والعالمية في المنطقة.

وبررت موسكو هذا الوجود بالأسباب ذاتها أيضاً، معتبرة أن “النوايا التوسعية” لحلف شمال الأطلسي “الناتو” بأراضي أوكرانيا والبحر الأسود تهديد خطير لأمن حدودها وأراضيها، بما في ذلك القرم الذي تعتبره أوكرانيا والغرب أرضاً محتلة.

ويعتقد المحللون أن أزمة الطاقة دليل على أن روسيا تحتكر سوق الغاز بأوروبا، وتريد لخط إمدادها الجديد “نورد ستريم 2” أن يكون شريان الحياة الأوحد أوروبياً، بإقصاء دور شبكات النقل الأوكرانية.

تواجه روسيا اتهامات من الجميع بتحويل البحر الأسود إلى بِركة خاصة، بعد قرارها إغلاق أجزاء من مياه وأجواء البحر أمام حركة السفن والطائرات الأجنبية.

ولا يتفاءل المراقبون بقدرة دول الناتو على مواجهة روسيا بالبحر الأسود، في حال اندلاع صدام عسكري بين الجانبين في المنطقة.

روسيا عززت أسطولها في مياه البحر الأسود، بينما قوات الناتو بالمنطقة لا تستطيع الاعتماد على دعم محلي واسع النطاق.

روسيا تحتكر سوق الغاز بأوروبا، وتريد لخط إمدادها الجديد “نورد ستريم 2” أن يكون شريان الحياة الأوحد لأوروبا، بإقصاء دور شبكات النقل الأوكرانية.

والقضاء على المنافسة التركية.

وإبعاد قطر عن الوصول بسهولة للسوق الأوروبي.

سيطرة روسيا على سوريا، وعلى أجزاء واسعة من البحر الأسود، تعني أنها تقطع الطريق الأمثل أمام المُصدرين الآخرين، أو قد تعرقله، فضلاً عن الفوائد الاقتصادية نتيجة السيطرة على حركة الملاحة التجارية في منطقة شمال البحر الأسود.

استخدام إمدادات الغاز الروسي للضغط على أوروبا 

وهنا اتهامات غربية لروسيا بابتزاز دول الاتحاد الأوروبي سياسياً باستغلال الغاز الروسي المتجه نحو أوروبا.

تؤكد روسيا أنها تملك الاحتياطات الأكبر في العالم من الغاز، وستكفي لأكثر من 100 عام، وأن “غازبروم” استثمرت  فقط “ربع احتياطي حقلين كبيرين للغاز في شرق سيبيريا”.

تعتبر الدول الأوروبية أكثر المناطق اعتماداً على الغاز الروسي، الذي يُستخدم لتزويدها بخُمس طاقتها.

ووفّرت شركة غازبروم الروسية وحدها ما يقارب ثلث إجمالي الغاز المستهلك في أوروبا في العام 2020، ومن المرجح أن “تصبح مصدراً أكثر أهمية على المدى القصير، إذ تقلص القارة الإنتاج المحلي”، وفق “بلومبيرغ”.

اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي بشكلٍ أكبر يعود بشكلٍ أساسي إلى عوائق لوجيستية تحولُ دون قدرة بعض الدول الأوروبية على استخراج الغاز.

وفشل مشروع أمريكي لمد خط “نابوكو” بين 3 دول في آسيا الوسطى، هي: كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان، وتمكنت موسكو من الالتفاف على المشروع المدعوم أمريكياً لـ”تحرير” أوروبا من “عبودية” الغاز الروسي، إذ أدت الجغرافيا ومصالح دول بحر قزوين دوراً حاسماً في هذا الأمر، مع وصول روسيا إلى الغاز قبل ضخه في الأنابيب!

“الغاز الروسي”، بما يمثله وما يفرضه في النظام الدولي، يظهر كسلاحٍ تدافع فيه روسيا عن مصالحها وأمنها أمام السياسات الأوروبية المعادية.

تلجأ أوروبا للغاز الروسي وهي تشكو الابتزاز والتأثيرات السياسية، ولو وجدت بديلاً يضمن لها مصالحها الاقتصادية، ستذهب باتجاهه، لتكون أكثر قدرة على مواجهة ما تراه “نفوذاً” روسياً في القارة وخارجها.

وستكون قادرة على فرض المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على موسكو.

لذلك يجب أن تخاف واشنطن من قدرات روسيا

في عام 2014، وصف جون ماكين، السيناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا، روسيا بأنها “محطة وقود تتنكر في شكل دولة”. 

بعد ذلك تدخلت روسيا بشكل ناجح في الحرب السورية.

وفي الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. 

وأقحمت نفسها في الأزمة السياسية في فنزويلا. 

وفي الحرب الأهلية في ليبيا. 

ومع ذلك، ما زال البعض يتصور روسيا كنمرٍ من ورق، رغم أنها أكثر خطراً على المواطن الأمريكي من الصين.

جاءت إدارة بايدن إلى السلطة بأولوية واضحة وصريحة في السياسة الخارجية، هي مواجهة الصين الصاعدة، إلى جانب التهديدات العابرة للحدود الوطنية مثل تغير المناخ وجائحة كورونا.

ولكن بحلول شهر يوليو/تموز 2021، عاد الرئيس جو بايدن ليعلن أن روسيا “تجلس على رأس اقتصاد لديه أسلحة نووية وآبار نفط ولا شيء آخر”.

من ناحية، تظل روسيا التهديد النووي الأبرز للولايات المتحدة، رغم ترسانة الصين من الأسلحة النووية.

روسيا قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة القارية بصواريخ تقليدية بعيدة المدى. 

وتمتلك قوات متمركزة خارج حدودها أكثر من الصين، وقواعد في القوقاز وآسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط، مما يضع جيشها على مقربة منتظمة من القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي. 

عندما يتعلق الأمر بالحرب غير المباشرة، فإن سجل موسكو في التدخل في الانتخابات والقرصنة يثبت أنها تستطيع.

 وستستخدم التقنيات الناشئة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ومن الجدير أيضاً التأكيد على أن الكرملين يمكن أن يعرض المصالح الأمريكية للخطر بأقل مجهود. والمثال على ذلك هو أن التدخلات العسكرية الروسية في أوكرانيا وسوريا وليبيا كانت محدودة وغير مكلفة، وكذلك كانت الهجمات الإلكترونية وجهود التضليل.

لكن الولايات المتحدة دفعت هنا وهناك فاتورة باهظة لهذه “التدخلات”.

وبوتين هو العقل المدبِّر لأزمة المهاجرين؟

مع أولى الرياح الباردة التي أعلنت قدوم شتاء 2021 إلى أوروبا، بدأت أزمة إنسانية على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا.

هناك علق آلاف المهاجرين الراغبين في دخول بولندا على الجانب البيلاروسي من الحدود، وانتشر الجنود على الجانبين، ما أثار مخاوف من حدوث تصعيد.

وواجه مئات المهاجرين درجات حرارة وصلت إلى التجمد وتحلقوا حول نيران التدفئة على الحدود بين البلدين، أمام حواجز الأسلاك الشائكة وصفوف من حرس الحدود البولنديين الذين يمنعون دخولهم الاتحاد الأوروبي.

هؤلاء المهاجرون هم ضحايا خطة جيوسياسية شديدة الخطورة وُضعت لتعرية نقاط ضعف الغرب، وتأجيج انقساماته الداخلية، وإذكاء الخلافات بين دولِه والطعن في مصداقيتها، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Times البريطانية.

اتخذت الأزمة منحى جديداً، بعد اتهام وارسو موسكو بالمسؤولية عن تفاقم الأزمة، وسط حديث عن أن التداعيات تهدد أمن الاتحاد الأوروبي واستقراره.

رئيس الوزراء البولندي، ماتيوس مورافيتسكي، حمّل روسيا مسؤولية تفاقم الأزمة على الحدود مع بيلاروسيا، وقال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو “العقل المدبر للأزمة”.

كما طلبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من بوتين “التحرك” ضد استغلال المهاجرين من قبَل النظام البيلاروسي، بينما رفضت موسكو اتهام بولندا لها بالمسؤولية عن الأزمة، وبدأت روسيا تحركات عسكرية حدودية.

موسكو عبر هذه الأزمة توبّخ أوروبا على سوء العلاقات معها منذ أن ضمت القوات الروسية شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، وتفاقمت التوترات بسبب مزاعم عن تدخل في الانتخابات وعمليات تجسس.

وسخرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا من اتهام بلادها بتدبير أزمة اللاجئين، وطالبت السياسيين البولنديين بأن يتذكروا أن وارسو لعبت دوراً بارزاً في تدمير العراق، الذي يقف بعض مواطنيه عالقين على الحدود.

التنسيق مع السعودية للسيطرة على سوق البترول

بعد أسابيع من الجريمة البشعة التي راح ضحيتها الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيناقش مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قضية مقتل خاشقجي، على هامش قمة العشرين في بوينس آيرس.

قبلها أثنى بوتين على موقف الرياض وولي العهد السعودي فيما يخص إنتاج النفط على المستوى العالمي. “عملنا معاً لموازنة العرض والطلب. وللمرة الأولى في تاريخ هذه المنظمة، تمكنا من القيام بذلك بنسبة 100%”.

وأضاف بوتين: “يتعين عليَّ أن أعترف بأن جزءاً كبيراً من ذلك قد حصل بفضل موقف السعودية. وهذا في الأساس استحقاق للسعودية وولي العهد، فقد كان المبادر إلى ذلك. وأدى ذلك إلى نتائج إيجابية”.

وفي بدايات 2021 احتفل البلدان بالذكرى الـ95 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما.

ما الذي يجمع موسكو والرياض في اللحظة الراهنة؟

المملكة تتجه لتنويع مصادر التسليح وأن على رأس الدول التي تنفتح عليها السعودية هي روسيا، لكن الأمر قد لا يقتصر على التسليح فقط، بل سيشمل العديد من الجوانب. 

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلن وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان عن توقيع 20 اتفاقية مع روسيا لتطوير العديد من المجالات مع روسيا، وقال بحضور الملك سلمان والرئيس بوتين، إن “البترول سيبقى في المستقبل المنظور عنصراً جوهرياً في تنمية اقتصاد العالم”.

وفي ربيع 2020، شرعت المملكة العربية السعودية في حرب أسعار مع روسيا، ما ساهم بانخفاض بنسبة 65%. لكن سرعان ما عاد التنسيق بين المنتجينْ العملاقين في نهاية 2021، بالترتيب لإيقاف الزيادات الشهرية المخططة في إنتاج النفط، للاحتفاظ بالأسعار المرتفعة للخام، على عكس رغبة غالبية أعضاء منظمة أوبك.

إمبراطورية روسيا في إفريقيا بدأت بتجارة السلاح

خلال العقدين الماضيين، أصبحت روسيا أكبر مصدِّر للأسلحة إلى إفريقيا بالسيطرة على نحو 37.6% من سوق السلاح الإفريقية.

هذه الكمية تمثل نحو 49% من إجمالي صادرات الأسلحة الروسية لكل دول العالم.

ومنذ عام 2015 نشطت المؤسسة العسكرية الروسية في توطيد علاقاتها مع نظيراتها الإفريقية؛ فوقَّعت 21 اتفاقية عسكرية مع دول، من بينها: أنغولا، وبوتسوانا، وبوركينا فاسو، وتشاد، وإثيوبيا، وغينيا، ومدغشقر، ونيجيريا، والنيجر، وسيراليون، وتنزانيا، وزيمبابوي.

وتشمل هذه الاتفاقيات مجالات متعددة، منها: التدريب الأمني والعسكري، وتبادل المعلومات، والتعاون في مكافحة الإرهاب.

كما برزت في السنوات الأخيرة رغبة موسكو في بناء قواعد عسكرية في إفريقيا، ووفقاً لوثيقة روسية مسربة فقد تم اختيار ست دول لهذا الهدف، وهي: مصر وإفريقيا الوسطى وإريتريا ومدغشقر وموزمبيق والسودان.

والمرتزقة أسوأ جرائم روسيا ضد شعوب القارة السوداء

في يوليو/تموز 2021 نشرت صحيفة The Times البريطانية مقالاً عن تقرير للجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة، اتهمت فيه “مدربين عسكريين روساً بارتكاب أعمال قتل ونهب” في جمهورية إفريقيا الوسطى، وهو ما تنفيه موسكو.

الحديث يدور هنا عن مرتزقة “فاغنر” الروسية الشهيرة، التي تعمل بالتنسيق مع موسكو، لكنه رسمياً تمثل شركة خاصة مستقلة عن الدولة.

ألقى تقرير الأمم المتحدة المؤلف من 184 صفحة الضوء على ما يصفه الخبراء بالمشاركة الروسية المتزايدة في إفريقيا، في الوقت الذي تحاول فيه إبراز النفوذ العالمي من خلال نشر المرتزقة.

معظم المرتزقة تابعون لمجموعة فاغنر، وهي شركة مقاولات عسكرية سرية يُزعم أن يفغيني بريغوزين يديرها، وهو محكوم سابق تحول إلى ملياردير وحليف للرئيس بوتين.

تم نشر مرتزقة فاغنر في جميع أنحاء العالم من فنزويلا إلى سوريا، حيث قُتل العشرات في معركة مع القوات الأمريكية. والآن انتقلوا إلى الدول الإفريقية التي مزقتها الحروب، مما جعلها أحدث بؤر التوتر في علاقات موسكو مع الغرب، كما يشير التقرير.

وأحصى التقرير 26 دولة، معظمها في إفريقيا، حيث يعمل المرتزقة الروس. 

والمشكلة أن هؤلاء المرتزقة متورطون في الفظائع والفساد. 

وسجل تقرير للأمم المتحدة صدر صيف 2021، تورط الشركات العسكرية الروسية الخاصة وغيرها من العناصر العاملة في جمهورية إفريقيا الوسطى  في” استخدام مفرط للقوة، وقتل دون تمييز، واحتلال للمدارس، وأعمال سلب ونهب على نطاق واسع شملت منظمات إنسانية”.

وزادت روسيا من استخدام الشركات العسكرية الخاصة كأداة لسياستها الخارجية ابتداء من عام 2015 تقريباً، ليشمل دولاً مثل أوكرانيا، وسوريا، وليبيا، والسودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ومدغشقر، وموزمبيق.

وبالإضافة إلى هدف زيادة نفوذها في الخارج، استخدمت روسيا الشركات العسكرية الخاصة لاستخراج الموارد، وتوسيع نطاق تواجدها العسكري والمخابراتي.

تتعدى أنشطة مجموعة فاغنر المجال العسكري الأمني المرتبط بالمشاركة في القتال وتدريب القوات وحماية المسؤولين، إلى الاقتصادي، حيث تقوم في جمهورية إفريقيا الوسطى على سبيل المثال بحماية مناجم الذهب والألماس في البلاد، مقابل نسبة من الإيرادات.

وبالتالي حصلت شركة روسية على ترخيص للتنقيب عن الذهب والألماس بعد أشهر قليلة من إرسال موسكو معدات عسكرية إلى العاصمة، بانغي، في عام 2018.

“الروس قادمون” عبر الحروب السيبرانية أيضاً

أول استخدام “حربي” للإنترنت من جانب روسيا كان هجمة تجريبية عام 2007 على إستونيا بسبب نقل تمثال يخلد تضحيات جنود روس في الحرب العالمية الثانية. ونجحت الحرب في تعطيل بعض المواقع التي تديرها الحكومة الإستونية.

في 2021 أصبحت روسيا متهمة بتنفيذ هجمات سيبرانية على مئات المؤسسات الحكومية والخاصة في مختلف أنحاء العالم.

وقالت الاستخبارات الأمريكية والبريطانية في تقرير مشترك إنه من أواسط عام 2019 حتى مطلع 2021 نفّذت الاستخبارات الروسية محاولات واسعة وموزعة ومجهولة المصدر، للوصول إلى مئات المؤسسات الحكومية والخاصة في كل أنحاء العالم عن طريق القوة.

وقال التقرير إن الهجمات نُفذت على أيدي مجموعات هاكرز اعتبرها مرتبطة بالاستخبارات الروسية، مشيراً إلى أنه “من المرجح أن مثل هذه العمليات قد تكون مستمرة”.

تتنوع أهداف الهجمات السيبرانية الروسية، لكن المصالح السياسية هي السبب الأول لشن مثل هذه الحروب.

على سبيل المثال، فإن موسكو متهمة بالتأثير “السيبراني” على الانتخابات الأمريكية بنهاية 2017 لصالح ترامب ضد هيلاري كلينتون.

كما اتهمت المفوضية الأوروبية روسيا بمحاولة التدخل في “العمليات الديمقراطية الأوروبية” قبل أيام من الانتخابات البرلمانية في ألمانيا 2021.

وقالت المفوضية الأوروبية في بيان، الجمعة: “لاحظت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أنشطة سيبرانية خبيثة، وربطتها بالدولة الروسية”.

وأضاف البيان أن “مثل هذه الأنشطة غير مقبولة، لأنها تهدف إلى تهديد سلامتنا وأمننا والقيم والمبادئ الديمقراطية”.

السبب الثاني للحروب السيبرانية هو التجسس، وفي نهاية 2020 أعلنت شركة الأمن السيبراني التي تحمي وكالات حكومية أمريكية، عن تضرّر خمسين مؤسسة “بشكل بالغ”، في حين ظهرت علامات ضارة في شبكات 1800 منظمة أخرى.

وعُلم أنّ وزارة الخزانة الأمريكية ووزارتي الأمن الداخلي والدفاع استهدفت خلال الهجوم.

وحمّل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو روسيا المسؤولية عن الهجوم، كذلك فعل رؤساء لجان المخابرات في مجلسي الشيوخ والنواب.

The methods used to carry out the cyberhack are consistent with Russian cyber operations.

But it’s crucial we have complete certainty about who is behind this.

We can’t afford to be wrong on attribution, because America must retaliate, and not just with sanctions.

— Marco Rubio (@marcorubio) December 18, 2020

تغريدة رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، ماركو روبيو عن الهجمات السيبرانية الروسية

الترجمة: الأساليب المستخدمة في تنفيذ الاختراق الإلكتروني تتوافق مع أسلوب العمليات الإلكترونية الروسية.
لكن من المهم أن يكون لدينا يقين تام بشأن من يقف وراء ذلك.
لا يمكننا أن نتحمل الخطأ في تحديد المدبّرين، لأن أمريكا يجب أن تنتقم، وليس فقط بمجرد فرض عقوبات.

يذهب بوتين وتبقى كل هذه السياسات

في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 نشرت مجلة Foreign Affairs الأمريكية صيحة تحذيرية لإدارة الرئيس بايدن، من تجاهل الخطر الروسي.

كتب المقال المطوّل مايكل كوفمان مدير برنامج الدراسات الروسية في مركز التحليلات البحرية، وأندريا كيندال-تايلور مديرة برنامج الأمن عبر الأطلسي في مركز الأمن الأمريكي الجديد.

التحذير من روسيا وأسلوبها القديم الجديد في إدارة السياسة الخارجية، وليس من بوتين.

لا ينبغي أن تتوقع الولايات المتحدة والعالم أن تتخلى روسيا تلقائياً عن نهج المواجهة بمجرد مغادرة الرئيس فلاديمير بوتين لمنصبه، لأن سياسة بوتين الخارجية تتمتع بدعم واسع بين النخبة الحاكمة في البلاد. 

لذا فإن أي خلافات مع الولايات المتحدة ستبقى قائمة.

على الرغم من أنّ ​​التهديد العسكري الروسي لم يتراجع، كما يلاحظ التقرير، فإنّ التمويل الذي خصصته واشنطن للتعامل معه أصبح أقل.

وبنسبة 19% تم تخفيض طلبات الميزانية المتتالية منذ عام 2020 الدعم لمبادرة الردع الأوروبية، التي تسعى واشنطن من خلالها إلى تعزيز وجودها العسكري في أوروبا بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

وطالب المحللان الولايات المتحدة بأن تشجع حلفاءها وشركاءها الأوروبيين على تحمل المزيد من عبء الردع والدفاع في القارة. وهو الاتجاه الذي كرره قادة أوروبيون مثل ماكرون، وعزز انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان الدعوات الأوروبية لتطوير قدراتها الذاتية. 

هكذا يرى المحللون في واشنطن أن روسيا خطر عليهم، وعلى حلفائهم في أوروبا، وعلى العالم الديمقراطي بأسره.

هكذا ترتفع الأصوات في الغرب لمحاسبة روسيا قبل أن تحاسبهم.

وحصارها قبل أن تحتل عواصم الغرب سيبرانياً وأمنياً واقتصادياً.

أسباب عديدة تدعو الولايات المتحدة إلى التدخل بصرف النظر عن موقف أوروبا حالياً.

ألمانيا بلا قيادة حتى تتولى حكومة جديدةٌ السلطة، وتحتاج إلى بعض الوقت للخروج من “عصر ميركل”.

وفي فرنسا لا يملك إيمانويل ماكرون رأس مال سياسياً فائضاً، لاسيما وهو يخوض معركة إعادة انتخابه. 

أما بريطانيا، فبدلاً من إعادة بناء علاقاتها الأمنية الحيوية مع الاتحاد الأوروبي بعد الخروج منه، أثار بوريس جونسون خلافاً لا داعي له حول البروتوكول المتعلق بأيرلندا الشمالية.

وفي الوقت الذي يُحجم فيه قادة الغرب عن التدخل وينشغلون بالتشاجر مع بعضهم، فإن الخصوم يعملون بجدٍّ وينتصرون في معارك جديدة، هكذا تضيف الأصوات المحذرة من خطر الإخطبوط الروسي.

لا شك أن روسيا في عهد فلاديمير بوتِين قد نفضت عنها غبار الضعف والتفكك والتراجع الاقتصادي منذ عهد الرئيس يلتسن، وقبله غورباتشوف.لكن آمال بوتين بأن تبقى روسيا دولة عظمى توازي الولايات المتحدة لن تتحقق إلا بالتفوق اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً، وليس عسكرياً فقط.كما أن الدولة العظمى تحتاج إلى تحالفات دولية كتلك التي تمتلكها الولايات المتحدة حالياً، والاتحاد السوفييتي سابقاً.وروسيا لديها خصوم، وتابعون، لكنها تفتقد الحليف، والصديق، والشريك الذي تتبادل معه المصالح.. والاحترام.