السياسية:

سيضطر كمال، الوافد الهندي إلى البحرين، إلى المغادرة قريباً. شغل كمال وظائف مكتبية في البحرين منذ التسعينيات. دفعوا له أجوراً جيِّدة بما يكفي لإلحاق أطفاله بالمدرسة، ووفروا له سكناً معتدلاً، كما يقول لصحيفة The Economist البريطانية. والتقاعد مغرٍ، ومع ذلك فهو يرى أن هذا الاحتمال مُقلِق، إذ إنه يعني تذكرة ذهاب للعودة إلى مكانٍ لم يعش فيه منذ عقودٍ من الزمن. يقول: “سأترك مكاناً فيه كلُّ ذكرياتي، عائداً إلى بلدٍ لا أعرفه”. 

دول الخليج.. لماذا يجب على المغتربين المغادرة في نهاية المطاف؟

تقول “الإيكونوميست” إن مثل هذه القصص شائعة في دول الخليج، فالـ59 مليون شخص يعيشون في الدول الست لمجلس التعاون الخليجي، نصفهم تقريباً من الأجانب. البعض يظلُّ لسنوات طويلة، ويقضي آخرون مسيرتهم المهنية كلَّها هناك. ومع ذلك، يصل الجميع تقريباً إلى فكرة أنه يجب عليهم المغادرة في نهاية المطاف. 

لطالما شعرت دول الخليج بالقلق من فكرة منح الجنسية للمغتربين. ويخشى السكَّان المحليون من تغيير هويتهم الوطنية. ليست الحكومات حريصةً على تقديم فوائد مكلِّفة للأجانب. وبالنسبة لمعظم هؤلاء الأجانب، تنطوي الحياة في الخليج على سلسلةٍ من تأشيرات العمل قصيرة الأجل. والتوقُّف عن الإنتاج لا يعني إلا أنك لن تكون مقيماً في البلاد بعد الآن. 

يتغيَّر هذا الأمر ببطء مؤخراً. في يناير/كانون الثاني، أعلنت الإمارات أنه يمكن ترشيح بعض الأجانب، مثل الأطباء والمخترعين والعلماء، للحصول على الجنسية. وقالت المملكة السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني إنها قامت بتجنيس عددٍ غير معروف من الوافدين. وتقدِّم معظم دول الخليج الآن تأشيرات إقامة طويلة الأمد لا تتطلَّب عملاً. ويسمح مخطَّطٌ جديد في الإمارات للوافدين بالتقاعد في الدولة بدلاً من العودة إلى الوطن. 

من هم المؤهلون للحصول على الجنسيات الخليجية؟

ليس أيٌّ من ذلك “طريقاً إلى المواطنة” مثلما تحدِّده العديد من الديمقراطيات الليبرالية. فقط فئة النخبة هي المؤهَّلة، إذ يمكن للعالم الموهوب مثلاً أن يصبح مواطناً إماراتياً، لكن ليس حارس العقار الذي ينظِّف مختبره. الأرقام ضئيلة، إذ ستجنِّس الإمارات حوالي ألف شخص فقط في السنة، أو 0.01% من سكَّانها. ترتبط التأشيرات طويلة الأجل بالثروة، إذ تستلزم مُتطلَّبات الدخل أو الاستثمار استبعاد معظم العمال. 

مع ذلك، فإن هذه الخطوات الصغيرة تحطِّم المحرَّمات التي لطالما كانت مفروضة. في عام 2013، نشر سلطان القاسمي، أحد أفراد الأسرة الحاكمة في إمارة الشارقة، مقال رأي يحثُّ فيه الدولة على تجنيس الأجانب الموهوبين. تسبَّبَ هذا المقال في ضجة. وردَّ الكثير من الإماراتيين على مواقع التواصل الاجتماعي بهاشتاج “هذا الكاتب لا يمثلني”. 

تثير الخطوات أسئلةً مُعقَّدة حول الجنسية والهوية في دول مجلس التعاون الخليجي. وحتى بالنسبة للخليجيين المولودين في الخليج، فإن الجنسية حقاً يمكن التمتُّع به على قدم المساواة. إذا تزوَّج بحريني من أجنبية، فيجوز لزوجته التقدُّم بطلبٍ للحصول على جنسيته ويتلقَّاها أطفاله تلقائياً. ومع ذلك، من الناحية المقابلة، ليست مثل هذه الحقوق متاحة. عندما تتزوَّج امرأةٌ خليجية من أجنبي، يُعامَل أطفالها عادةً كأجانب. يجوز للأم في البحرين كفالة معالين حتى سنِّ الثامنة عشرة وتُجدَّد أوراقهم كلَّ سنتين. بعد ذلك، يجب على الأطفال تأمين إقامتهم أو المغادرة. يقول علي الدرازي، مدير وكالة حقوق الإنسان التي تديرها الدولة البحرينية: “يمكنك أن تتخيَّل أن هذه القضية تؤدِّي إلى الكثير من المشاكل والشكاوى”. 

“مستويات المواطنة” في دول الخليج

أثار مخطَّط الجنسية الجديد في الإمارات نقاشاً حول مثل هذه الأمور. ونشرت جواهر القاسمي، زوجة حاكم الشارقة، تعليقاً مقتضباً على منصة تويتر: “تجنيس أبناء المواطنات. هذا مطلب”، وعبَّر إماراتيون آخرون عن مشاعر مماثلة. 

يوجد في العديد من دول الخليج سكَّانٌ يسمون “البدون”، وهم أشخاصٌ “بدون” أوراق لم يُسجَّلوا كمواطنين عند الاستقلال. لدى الكويت ما لا يقل عن 100 ألف من هؤلاء. وهم مُستبعَدون بشكلٍ عام من الوظائف الجيدة والخدمات الاجتماعية. 

يتمتَّع الأجانب المُتجنِّسون في الإمارات بحرية العيش والعمل في دولةٍ غنية، والسفر بجواز سفرٍ يُصنَّف على أنه أحد أكثر جوازات السفر فائدةً في العالم. لكن الحكومة غامضةٌ بشأن ما إذا كان سيتمتَّعون بامتيازاتٍ أخرى. يتلقَّى الإماراتيون المولودون في البلاد كلَّ شيءٍ؛ من عروض الهواتف المحمولة الأرخص ثمناً إلى قروض الإسكان بدون فوائد. ويحصل البعض منهم على منحٍ تصل إلى 70 ألف درهم (19 ألف دولار) عند الزواج. 

وإذا كانت الحقوق غير واضحة، فإن المسؤوليات كذلك أيضاً. منذ عام 2014، طُلِبَ من الرجال الإماراتيين أداء الخدمة العسكرية. لا ينص القانون على ما إذا كان المواطنون المتجنِّسون (أو أبناؤهم) يواجهون نفس المسؤولية -يبدو أنه لا يوجد شرطٌ بإلمامهم باللغة العربية. سيُسمَح لهم بالاحتفاظ بجنسيتهم الأصلية، في حين لا يمكن للإماراتيين المولودين في البلاد أن يحملوا جواز سفر ثانياً. يشعر البعض بالقلق من أن الحكومة قد خلقت نموذجاً من مستويين للمواطنة. 

“لا يزال الطريق إلى الجنسية الخليجية مسدوداً”

قانون الجنسية جزءٌ مما يسمى “حزمة الإصلاحات الشاملة” التي نفَّذتها دولة الإمارات خلال العام الماضي. يمكن للأحباء غير المتزوِّجين الآن العيش معاً بشكلٍ قانوني، ويُسمَح للمواطنين المسلمين بشرب الكحول. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، قرَّرَت العاصمة أبوظبي السماح بالزواج المدني لغير المسلمين. وأعلنت الإمارات في 7 ديسمبر/كانون الأول أنها ستحوِّل القطاع العام إلى أسبوع العمل من الإثنين إلى الجمعة، بدلاً من كونه من الأحد إلى الخميس، ما يجعله متزامناً مع معظم دول العالم (باستثناء العديد من الدول العربية). 

مع ذلك، لا تزال التغييرات هذه تأتي مع القليل من النقاش العام في بلدٍ يكاد يكون فيه مجال النقد غير موجود. 

الشيء نفسه ينطبق على مخطَّطات التجنُّس. حتى قبل طفرة النفط، كانت المدن الساحلية في الخليج وطرق الحج بمثابة بوتقة ينصهر فيها الناس. تضمُّ المواطنة عدداً كبيراً من السكَّان “العجم”، الذين ينحدر أسلافهم من بلاد فارس، والعرب المنحدرين من أصلٍ إفريقي، وهم أحفادٌ من شرق إفريقيا جُلِبوا إلى المنطقة في بادئ الأمر كعبيد للخدمة. كان التنوُّع -ولا يزال- أحد نقاط القوة في المنطقة. لكن السكَّان المحليون يعيشون، بدرجاتٍ متفاوتة، بمعزل عن الأجانب في وسطهم. لباسهم مميَّز ويعملون في الغالب في القطاع العام، ولا أحد متأكِّدٌ من مدى توافق المواطنين الجدد مع البيئة. 

ورغم أنهم كسروا أحد المحرَّمات، لم يغيِّر الحكَّام الخليجيون الميثاق الاجتماعي الذي يتعامل مع الجنسية على أنها هديةٌ تُمنَح لأناسٍ جديرين بالاهتمام. قاموا للتوِّ بتوسعة نطاق الموضوعات الجديرة بالاهتمام من أجل جذب الموهوبين والاحتفاظ بهم، وهو جزءٌ من تدافعٍ أوسع لتنويع الاقتصادات النفطية. لكن بالنسبة لمعظم الأجانب والكثير من السكَّان المحليين، سيظلُّ الطريق إلى الجنسية الخليجية مسدوداً.