السياسية: مركز البحوث والمعلومات

شكل الحصول على السلاح النووي خلال مراحل زمنية مختلفة عقيدة الردع الأولى تجاه الأعداء من ناحية  وللظهور كدولة كبرى من الناحية الثانية، وأحد أبرز معايير التطور ولا سيما  في المجالات العلمية والعسكرية من الناحية الثالثة.

وخلال حقب زمنية متعددة لم يتغير النظر إلى أهمية السلاح النووي من قبل مختلف الأطراف، سواء كان ذلك خلال حقبة الثنائية القطبية التي سادت العالم ما بعد 1945، ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من المعسكر الغربي من جهة، والاتحاد السوفيتي وحلفائه من المعسكر الشرقي من الجهة الأخرى، أو مع تحول النظام العالمي إلى أحادي القطبية ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الجديد في العام 1990، ويرى العديد من المراقبين أن النظرة للأهمية الاستراتيجية للسلاح النووي لن يختلف كثيراً مع مخاض الانتقال من نظام القطب الواحد إلى نظام “لم يتبلور” ويتوقع أن يكون نظاماً متعدد الأقطاب.

يشار إلى أن الحرب الباردة ومنذ بداياتها في منتصف القرن الـعشرين، كانت بمثابة الشرارة الأبرز في تصاعد الاهتمام بما يسمى “التجارب النووية” لكونها تعطي معلومات حول كيفية تحديد فعالية وقدرة الأسلحة النووية، وجرت العادة أن التجارب تستخدم كمؤشر يسبق إعلان الدول عن امتلاكها السلاح النووي.

لكن هذا الواقع والمتمثل في حرص أغلب الدول في الحصول على السلاح النووي والحفاظ عليه، كانت كلفته باهظة على البشرية، خاصة أن الوصول إلى السلاح في صورته النهائية بحاجة إلى عشرات التجارب النووية، وخلال سبعة عقود من الزمن كشفت العديد من التقارير أن قرار الحصول على السلاح النووي كان يتجاوز كل التحذيرات المترتبة على ذلك القرار، بما فيها الآثار والانعكاسات الخطيرة على البيئة والمجتمع على حد سواء.

لا يخفى على أحد ان المآسي التي خلفتها التجارب النووية على المستوى البشري والبيئي تعد أسباب مقنعة إلى حد كبير في ضرورة الامتناع على التفكير في أي تجارب مستقبلية، خاصة وأن التاريخ القريب يشير إلى أن التجارب النووية أو الكوارث النووية الناتجة عن التسرب الإشعاعي أو ما شابه من منشآت مدنية وعسكرية، شكلت تهديداً مباشر وضرراً كبير على الجنس البشري، ومن أبرز تلك الحوادث المأساوية، انفجار مفاعل تشرنوبل عام 1986 قرب مدينة بريبيات في شمال أوكرانيا، بسبب خلل في أحد المولدات التوربينية أثناء تجربة كانت تجرى عليه، ويعد الانفجار أكبر كارثة نووية شهدها العالم حيث وصل الدخان السام إلى سماء أكثر من 12 دولة، وقدرت الأمم المتحدة عدد من قتلوا بسبب الحادث بـ 4 آلاف شخص، بينما قالت السلطات الأوكرانية إن عدد الضحايا بلغ 8 آلاف شخص، وأجلي ما يزيد عن 100 ألف شخص من المناطق المجاورة للمفاعل، خوفا من تأثير الإشعاعات التي أودت بحياة المئات في السنوات التالية.

لم يكن حادث تشر نوبل هو الاول من نوعه فقد سبقه عدد من الحوادث منها حوادث وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً في “بانبري”  ديسمبر 1970  و”جزيرة الثلاثة أميال” مارس 1979، إضافة إلى انفجار مفاعل لوسنس  في السويد عام 1969، كذلك حادث “ويندسكال” في بريطانيا أكتوبر 1957 ، الذي أسفر عن إصابة ما يقارب 240 حالة بسرطان الغدة الدرقية الناجم عن انتشار التلوث النووي في المملكة المتحدة والعديد من الدول الأوروبية القريبة.

فيما كان الحادث الأخير، هو ما حصل في فوكوشيما اليابانية بعد أن  ضرب زلزال قوته 9 درجات الساحل الشرقي لليابان في 11 مارس 2011، ونتج عنه تشكل أمواج تسونامي الضخمة والتي ضربت بدورها محطة “فوكوشيما داييتشي” لتوليد الطاقة النووية وأفقدتها القدرة على التبريد، ومن ثم انصهر ثلاثة من ستة مفاعلات في المحطة، مما أحدث أضراراً بالغة في قلب المفاعل وأدى إلى حادث نووي صُنف في الدرجة السابعة حسب المقياس الدولي لتصنيف الأحداث النووية.

في سياق هذه المخاطر الناتجة عن التجارب النووية، تصدرت المنظمة الدولية الأم والمتمثلة في “الأمم المتحدة” المواقف الرافضة والمؤكدة على فداحة المخاطر المحدقة، وسعت المنظمة في هذا الإطار إلى العمل على أن يكون هناك توافق عالمي على تخصيص يوماً للاحتفال، وهو ما كان فعلاً من خلال تحديد 29 من اغسطس من كل عام على اعتباره يوماً عالمياً لمناهضة التجارب النووية.

ويؤكد القائمين على المنظمة الدولية أن الاحتفال بهذه المناسبة يهدف إلى تسليط الضوء على أهمية وضرورة حظر التجارب النووية، على اعتبارها خطوة مهمة باتجاه عالم أكثر أمناً، إضافة إلى أن الاحتفال يساهم في توفير أكبر حشد من المنظمات الدولية والدول والمنظمات الإقليمية، والغير حكومية والجماعات وسائل الاعلام المختلفة “بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي” بهدف التعريف والتثقيف بمدى أهمية حظر التجارب النووية إضافة إلى الضغط والمراقبة للحيلولة دون أجراء أي تجارب نووية في المستقبل.

يشير عدد من المراقبين، أن تلك الضغوط أسهمت “إلى حد ما” في انخفاض الاستخدامات النووية المدنية والتجارب النووية خلال العقدين الأخيرين مقارنة بما كان عليه الوضع سابقاً، وهناك من يفسر ذلك التراجع بقوله: “أن دور السلاح النووي حالياً برغم من الأهمية الكبيرة في الاستقلالية الدفاعية، إلا أنه لا أهمية له من الناحية الهجومية، وذلك بسبب انتشار السلاح النووي لدى دول عديدة وامتلاكها القدرة على الضربة الثانية”.

في المجمل كانت الضغوط الحثيثة من قبل المنظمة الأممية وبدعم من المجتمع الدولي كفيلة “في العقد الأخير من القرن العشرين” بالخروج بمعاهدة دولية للحظر الشامل للتجارب النووية تنص على “حظر التجارب النووية على “سطح الأرض وفي الجو وتحت الارض وتحت الماء”، فيما كان اعتماد المعاهدة في العام 1996 من قبل الأمم المتحدة، وخلال سنوات وقعت 183 دولة على المعاهدة فيما صادق عليها نحو 166دولة، فيما لم تصادف عليها “الولايات المتحدة والصين والهند وباكستان، بالإضافة إلى إيران ومصر وكوريا الشمالية وإسرائيل”.

وعلى الرغم من مرور سنوات على المعاهدة إلا أن عدم الالتزام من قبل بعض الدول كانت حقيقة ماثلة للجميع ولا سيما “الهند وباكستان وكوريا الشمالية”، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ولكن تبادل الاتهامات وبصورة مستمرة ما بين الدول بشأن خرق المعاهدة مازال يؤرق الأمم المتحدة ويلقي بضلاله على مستقبل الالتزام بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية الشامل.

فيما يخص الدول العربية، كانت هناك العديد من المحاولات المنفردة والهادفة إلى تطوير القدرات النووية من خلال الدخول في اتفاقيات تعاون مع الصين وروسيا، ولكن تلك المحاولات لم يكتب لها الاستمرارية أما بتدخل خارجي كما حدث مع المفاعل النووي العراقي الذي تعرض للقصف الجوي من قبل “إسرائيل” عام 1981، أو نتيجة للأوضاع الداخلية كما حدث في الجزائر ومصر.

وما يجب أن يقال، أن الجهود الدولية المستمرة في حظر التجارب النووية “وإن شابها العديد من الإشكاليات” إلا أنها جهود استطاعت الحد من توسع وانتشار تلك التجارب، بالإضافة إلى أن المعاهدة بنصوصها المختلفة  عززت المعايير الدولية في مكافحة التجارب النووية، وبأن نظام التدقيق المتعلق بالمعاهدة استطاع الكشف عن أية خروقات، وأن كانت في مناطق نائية في العالم يستطيع النظام تزويد الأعضاء ببيانات دقيقة وموثوق بها تجاه الخروقات المختلفة.

ختاماً، ما يثير الدهشة أنه وبعد عقود من تدشين السباق النووي ما بين الدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا والصين، مازال هذا السباق يلقى اهتماماً متزايداً من خلال حرص كل طرف خلال مختلف الفعاليات الدولية وأمام وسائل الإعلام العالمية على اهتمامه بتعزيز الإسهام في نزع السلاح النووي ونظام عدم الانتشار من ناحية، وعلى توجيه الاتهامات للأخرين بالتسبب في تقويض الاستقرار العالمي من الناحية الأخرى، في محاولة لكسب أوراق تفاوضية مستقبلاً.