بقلم: ياكوب رايمان
برلين، (صحيفة “در فرايتاج” الألمانية، ترجمة: نشوى الرازحي-خاص:
في هذه النافذة ومن اجل ان تعم الفايده نقوم بنقل ماورد من مصادرها.
البؤس في اليمن وصفه يفوق أي خيال. فنظرا إلى عشرة آلاف قتيل وخمسين ألف جريح وأكثر من ثلاثة ملايين نازح، تحدثت الأمم المتحدة عن “أسوأ كارثة إنسانية في العالم” ومع ذلك من المحتمل أن تظل الحرب قائمة.
منذ مارس 2015، يقاتل تحالف عسكري بقيادة السعودية المتمردين الحوثيين في اليمن في حرب – كما تصفها التقارير الإخبارية- بالوكالة: حيث يُقاتل (المتمردون الحوثيون باعتبارهم دُمى لإيران العدو الأزلي الإقليمي) – بحسب وصف الوكالة- ، المملكة العربية السعودية. وهذه الحرب ماهي إلا جزء من الكفاح من أجل بسط النفوذ والهيمنة في الشرق الأوسط. والتي بسببها تدور رحى الحرب منذ آلاف السنين بين الشيعة والسنة. وتحدث وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عن صراع يدور بين “الخير والشر”. في حين يبدو الأمر مختلفا في الروايات الموثوقة.
عندما نأتي إلى جوهر الحرب، تكون مثل هذه الأنماط التوضيحية الماكرة غير مناسبة. وفي هذا الموضوع نسلط الضوء على خلفية وأسباب
اللاعبين الإقليميين الرئيسيين في سياق هذه الحرب و أجندتهم: السعودية، إيران والإمارات العربية المتحدة.
مراحل انتصار الحوثيين:
بعد 130 عامًا من الاحتلال البريطاني، تأسست في الستينات الجمهوريتان المستقلتان لليمن في الشمال والجنوب. ومنذ إعادة توحيدهما في العام 1990، تم تهميش العشائر ذات الأغلبية الشيعية على الحدود مع السعودية في الشمال من قبل الحكومة المركزية في ظل حكم الدكتاتور علي عبد الله صالح في صنعاء أكثر وأكثر، وتم قمعها كما تم إلغاء الإيرادات المالية عن المنطقة وحل بها ركود اقتصادي في حين جمع صالح في فترة حكمه منذ توليه منصب الرئيس في العام 1978 وحتى وفاته في ديسمبر 2017 ثروة بلغت 62 مليار دولار.
وفي ظل هذا المناخ، نشأت في منتصف التسعينات في أوساط الهياكل المتعصبة في شمال اليمن حركات تمرد ضد حكم الديكتاتور الفاسد من قبل الملتفين حول عشيرة الحوثي ذات التأثير وزعيمها حسين بدر الدين الحوثي، التي تتمتع بدعم اجتماعي قوي في المنطقة الشمالية وتحولت في البدء إلى حركة نضال غير عنيف ضد زعماء العشائر الثرية ونخب البلد.
وفي حين تشكل الطائفة الشيعية أقلية في الإسلام، يشكل الحوثيون الزيديون أيضا أقلية لا تكاد توجد تقريبا في العالم الإسلامي إلا في شمال اليمن فقط وهم يحكمون في تلك المنطقة منذ ما يزيد عن ألف عام. ومن الناحية العملية والعقائدية، لا يوجد لدى الزيديين الكثير من القواسم المشتركة مع الشيعة الإثني عشريين المعروفة ممارساتهم كما في إيران، معقل الشيعة.
وللزيديين تاريخ نضال طويل ضد الغزاة، على سبيل المثال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ضد الوهابيين والعثمانيين أو في مطلع القرن العشرين ولأول مرة ضد السعوديين. وفي كفاحهم ضد مصر، التي أسقطت حكم الإمامة في اليمن في ظل حكم جمال عبدالناصر في العام 1962 ولم يتم دعم الزيديين أبدا من قبل إسرائيل وبالتالي أصبحت العبارات الموت لأمريكا! الموت لإسرائيل! جزء من صرخة معركتهم. (ولكي نكون منصفين: الحوثيون هم إحدى الجماعات المسلحة القليلة في الشرق الأوسط التي لم تستخدم العنف ضد الغرب أو إسرائيل أو الجالية اليهودية في شمال اليمن.).
ولكن بعد اغتيال زعيم الحوثيين حسين من قبل قوات الحكومة اليمنية في العام 2004، اتجه المتمردون الحوثيون- الذين لا يعدون تاريخيا جماعة متطرفة على أية حال من الأحوال- على نحو متزايد إلى الكفاح المسلح والذي تطور في السبع السنوات التي تلت إلى اشتباكات دامية في فترات متقطعة بين قوات صالح وأكثر من مائة ألف مقاتل حوثي بدون أن يتمكن أي طرف منهما من تحقيق أي تقدم. لقد لجأ الحوثيون إلى حمل السلاح بعد أن أدركوا أنه لا بد أن يدافعوا عن المذهب الزيدي ضد معظم النخب السنية التابعة للديكتاتور صالح في صنعاء، التي باتت في عصر “الحرب على الإرهاب” تابعة وبشدة للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية- وشكلت الثالوث الذي يدينه الحوثيون وبأشد العبارات.
وعندما وصل تفاؤل ثورات الربيع العربي في العام 2011 إلى شوراع اليمن أيضا، أرسل الحوثيون الآلاف من أنصارهم إلى الجنوب، من أجل الإنضمام إلى الثوار في صنعاء، الأمر الذي أدى إلى إسقاط الديكتاتور صالح بعد حكم دام 33 عاما. وعندما تولى نائبه، عبدربه منصور هادي، الحكم، شعر الثوار أنهم قد خُدعوا وطالبوا بإسقاط هادي من السلطة. وكان الحوثيون هم الرابح الأكبر في هذه المرحلة التي سادت بها الفوضى، لأنهم كانوا الجماعة المُقاومة الوحيدة التي تمتلك بالفعل هياكل تنظيمية قوية وخبرة قتالية وبالفعل تمكنوا من الاستفادة من تلك الاضطرابات الثورية.
وانطلاقا من معقلهم، محافظة صعدة، الواقعة على الحدود مع السعودية، شنوا حملتهم باتجاه الجنوب وتمكنوا خلال زحفهم من الاستيلاء على الجزء الأكبر من المناطق المأهولة بالسكان في اليمن – المنطقة الحضرية الواقعة شمال وغرب البلاد.
وفي حركة اتصفت بالنفاق الكبير لكلا الطرفين، تحالف الحوثيون نهاية العام 2014 مع عدوهم اللدود في السابق: الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. وتولوا مقاليد الحكم في العاصمة صنعاء في سبتمبر بدون أن تراق قطرة دم ومن ثم واصلوا زحفهم وبنجاح إلى عدن. وكان عبدربه منصور هادي حينها خاضع للإقامة الجبرية من قبل الحوثيين ولكنه تمكن من الهرب بمساعدة من حراسه إلى المنفى في السعودية، حيث يمارس عمله من هناك بأدنى حد من التأثير والسيطرة على مجريات الأحداث في اليمن.
سقوط الحوثيين مسألة وقت فقط:
وفي مارس من العام 2015، شن تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية حملة قصف جوي لا هوادة فيها علي اليمن بهدف إجبار الحوثيين على العودة إلى منطقتهم في الشمال وإعادة هادي -الرئيس المعترف به دوليا- الى السلطة. ويضم التحالف السعودي تسع دول عربية ومسلمة. ويحارب رسميا لدعم الجيش اليمني ويجري دعمه على مستويات متباينة من قبل الدول الغربية، الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا وكندا. ومع بداية الغارات الجوية السعودية، وأخيرا، بدأ التراجع التدريجي للحوثيين، الذين كانوا في ربيع العام 2015 في أوج توسعهم الإقليمي. وبعد عدة أشهر من القتال العنيف، هُزم الحوثيين في عدن وإخراجهم منها إلى قلب البلد.
ومع بداية العام 2018، كُثفت عمليات التحالف العسكري المناهض للحوثيين في مدينة تعز المحاصرة منذ السنوات الثلاث الماضية من قبل الحوثيين وكذلك في الحديدة، المدينة التي تتمتع بموقع ذو قدرة تنافسية عالية، فهو الميناء الصناعي الأكثر أهمية في البلاد. كما أن الدائرة حول العاصمة صنعاء الدائرة تضيق أكثر من أي وقت مضى. ويبدو أن مسألة استعادة هذه الثلاثة المحاور المركزية من الحوثيين ما هي إلا مسألة وقت وسيلي ذلك انسحاب الحوثيين بشكل نهائي إلى منطقة صعدة، معقلهم في شمال البلاد وزوال الحوثيين كقوة مهيمنة في اليمن أمر متوقع.
وعلى عكس تصريحات السعودية بأنه ينبغي قمع نفوذ طهران في شبه الجزيرة العربية عن طريق الغارات الجوية، تخوض الرياض المعارك ظاهريا مع المتمردين الحوثيين من أجل تأمين الحدود في الجنوب الغربي، الذي تقع على كلا جانبية أغلبية المستوطنات الشيعية.
منذ تأسيس المملكة العربية السعودية في العام 1932، كان النزاع الحدودي مع اليمن محوريًا من أجل أمن آل سعود. لذلك، تدخلت المملكة مرارا وتكرارا في الشؤون الداخلية للدولة المجاورة لها على الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، وتعتبرها الرياض “الفناء الخلفي الخاص بها” دون أن تتفهم أنها دولة مستقلة ذات سيادة.
وكانت أول حرب للدولة السعودية الفتية ضد المملكة اليمنية قد قامت في العام 1934 بسبب الصراع على الحدود. وفي سياق تلك الحرب تم ضم ثلاثة محافظات يمنية للسعودية. وتساوي مساحة تلك الثلاث المحافظات نصف مساحة اليمن اليوم وتسكنها أغلبية الأقلية الشيعية في السعودية- وأكثر من نصفهم لهم نفس السمات الحوثية الزيدية. وبعد سقوط آخر ملك يمني في العام 1962، حاولت جمورية شمال اليمن دون جدوى استعادة الثلاث المحافظات اليمنية.

يعتبر اليمن أيضا الدعامة المهمة لبرنامج التبشير السعودي العالمي، الذي يجري فيه استثمار مئات المليارات من الدولارات منذ عقود من الزمن من إندونيسيا إلى السنغال في سبيل نشر المذهب الوهابي السعودية، عن طريق تشييد المدارس والمساجد في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وذلك من أجل إخضاع الفروع الإسلامية المعتدلة جدا لطائفة تتفى أفكارا تعود للقرون الوسطى.
وعلى نحو خاص في الثمانينيات والتسعينيات، تم استثمار المليارات في سبيل نشر “الوهابية” في اليمن. وعلى وجه التحديد في المنطقة الحدودية الزيدية الشيعية في شمال اليمن. وتعرضت تلك المنطقة للتهديد من قبل هذا التيار المتشدد للإسلام السني، الأمر الذي أثار بدوره الاستياء من تدخل الرياض- حيث اعتمد السعوديون استغلال الفجوة الاجتماعية.
كابوس آل سعود:
لطالما كان الشغل الشاغل للسياسية السعودية هو جعل اليمن من خلال زعزعة استقراره وإضعاف حكومته معتمدا بالدرجة الأولى على دولة البترودولار بحيب لا تشكل أي تهديد للأراضي السعودية. ولطالما كانت الحركات الشعبية اليمنية أو الحركات السياسية الطموحة في صنعاء عرضة للقمع والردع العسكري. ومنذ السبعينات تدخلت الرياض بقوة في الشؤون اليمنية الداخلية عن طريق إما تمويل أو تشويه سمعة زعماء القبائل ورجال السياسة والشخصيات الإعلامية.
ولا عجب أن السعوديين هم “صُناع الملوك” في اليمن ، فقد لعبوا في العام 1970 دورا مهما في استيلاء الديكتاتور صالح على السلطة، وفي غضون حكم ديكتاتوري دام عقود تمكنت الرياض من فرض نفوذها هناك.
لقد كانت شوكة الحوثيين التي قويت في مطلع العام 2000 بمثابة كابوس لآل سعود. ليس فقط لأن الحوثيين شكلوا حركة تمرد مسلحة ذات قدرة قتالية عالية في الحدود الجنوبية السعودية ولكن أيضا – وهو الأساس- لأنهم كانوا مستقلين عن الفساد وعن الزمرة النخبوية في صنعاء. وبذلك لن يقبلوا بمواصلة الرياض عملها في السياسة اليمنية القائم منذ عقود.
وحتى من قبل الحرب التي تدور حاليا في اليمن كانت المنطقة الحدودية تشهد معارك بصورة متكررة، فقد مات الآلاف من الأشخاص منذ العام 2004 – أما بالنسبة للرياض هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها حالات وفاة منذ الستينات. وكان استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء في 2004، يسطر نهاية عقود من النفوذ السعودي في “الفناء الخلفي” للسعودية. وفي ظل تشبع الحوثيين بالنجاح العسكري لم يكتفو فقط بإطلاق صواريخ طويلة المدى إلى المناطق السعودية فقط، بل طالبوا باستعادة المحافظات الثلاث التي ضمتها المملكة العربية السعودية إليها في العام 1934وكان هذا أكبر استفزار للرياض.
وعندما طلب رئيس المنفى هادي في النهاية دعم الرياض في العام 2015 ، كانت السعودية سعيدة للغاية بتلبية هذا الطلب. فبذلك الطلب وجدت لنفسها مبررا للشروع في حملة واسعة النطاق ضد الحوثيين.
ولكي تشتري السعودية صمت الرأي العام العالمي إزاء قصفها الوحشي لليمن، سعى السعوديون للترويج بأن الحوثيون هم وكلاء إيران في سعيها لإيجاد موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربية. وأجاب آشر أوركابي في وزارة الشؤون الخارجية في إيران على هذا التحرك الذكي من قبل السعوديين قائلا: ” لم تتدخل السعودية في اليمن لمواجهة التوسع الإيراني وإنما لتأمين حدودها الجنوبية ضد تهديد الحوثيين.
إذن، الهدف من حرب السعوديين ضد الحوثيين بشكل سطحي هو تأمين الحدود واستعادة السيطرة القصوى على السياسة اليمنية. لكن إلى أي مدى يذهب تأثير طهران على الحوثيين؟
هل هم فعلا وكيل إيراني لتحقيق مطلب النفوذ في شبه الجزيرة العربية ، أم أن ذلك مجرد خيالات في عقول السعوديين؟ هذا هو موضوع سأطرق إليه في مقال قادم بعنوان: الارتباط الحوثي الإيراني.
العلاقة بين الحوثيين وإيران
بالغ السعوديون بشكل كبير في وصف علاقة المتمردين الحوثيين بإيران. وهكذا أصبحت الحرب الإقليمية إلى معركة عالمية ضد “الدولة المارقة” إيران.
تحدثنا في الجزء السابق عن الهدفين الرئيسيين للسعودية من تدمير مواقع تواجد الحوثيين في اليمن: تأمين حدود الثلاث المحافظات التي ضُمت في العام 1943 إلى المملكة وكذلك إعادة إنعاش سيطرة الرياض القائمة منذ عقود على السياسة اليمنية.
ولكن من المؤكد أن مثل هذه المصالح ليست مناسبة للتبرير العلني لحملة قصف وحشية أدت إلى مقتل ما يزيد عن عشرة آلاف شخصا وتشريد 3 ملايين شخصا. ولذلك، رسمت الرياض صورة للحوثيين بأنهم دُمى إيران، التي تُعد محاربتها محاربة ضد العدو إيران. ومن جانبهم، قبل السياسيون الغربيون ووسائل الإعلام الغربية جزء كبير من هذه الحكاية بدون التشكيك فيها أو حتى التفكير في التحقق منها.
فهل “الدولة المارقة” إيران هي فعلا الهدف الحقيقي، الذي يجعل من البؤس المرير الذي لحق بالسكان اليمنيين والأضرار الجانبية أمرا مقبولا وبشكل واضح؟
“أسلمة” الحرب:
كما ثبت بالفعل أن تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ما هما إلا تكتيك، ثبت أيضا أن الرياض أيضا استغلت العنصر الديني في إستراتيجية القوة الناعمة لحربها: في محاولة منها لتحويل صراع سياسي على النفوذ ذو طابع محلي إلى صراع بين الطوائف الإسلامية، بين السنة والشيعة. ومن خلال تدميرها لدور العبادة التابعة للشيعة بصورة منتظمة- وهو تكتيك غادر، استخدمه السعوديون بصورة فعلية في الربيع العربي في العام 2011 بدولة البحرين- أثارت النعرات الدينية بين السنة والشيعة والنعرات الطائفية، التي لم يكن لها في الماضي أدنى وجود في اليمن.
كما يستخدم هذا التكتيك داخل المملكة العربية السعودية ، والذي يظهر في القمع الوحشي للأقلية الشيعية ، التي تعتبرها قوات الأمن السعودية في بعض الأحيان لعبة عادلة. فيجري هناك الاعتقال التعسفي والتعذيب وقطع رؤوس رجال الدين الشيعة أمام الملأ ويُدرج كل ذلك على جدول الإعمال.
وفي سياق اليمن، تم ربط إستراتيجية إشعال الحرب الطائفية بصورة ذكية بالسلطة والجغرافيا السياسية. وتُتهم إيران، باعتبارها مركز الشيعة، بأنها من تقف وراء الحوثيين الشيعة، الذي يصورهم السعوديون وحفاؤهم على أنهم أدوات لطهران في سبيل الحصول على موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربية.
وفي حالة من جنون العظمة، شنت السعودية بداعي محاربة شبح “يمن تسيطر عليه إيران” حرب هجومية سعودية ضد الحوثيين من أجل الدفاع عن النفس ضد العدو اللدود، إيران.
دعم طهران مبالغ فيه:
ينفي سواء الحوثيين أو إيران بشكل قاطع وجود أي تعاون بينهما. بلا شك كان هناك علاقات تواصل معينة بينهما قبل الحرب وما زالت قائمة. وكانت تلك العلاقات عل سبيل المثال، متمثلة بمساهمات مالية محدودة أو تعاون غير مباشر في عمليات التدريب العسكري- على شاكلة حزب الله اللبناني المدعوم من إيران والذي يقوم منذ العام 2011 بإرسال مدربين إلى اليمن.
ومع ذلك ، هناك مبالغة في وصف هذا الدعم عادة. فهو دعم لا يكاد يُذكر أمام الدعم الذي تقدمه طهران إلى جماعات أخرى في المنطقة.
وبالتالي لا تقوم الحُجة المبنية على الادعاء بوجود سيطرة عسكرية مباشرة على الحوثيين من قبل إيران. فعلى سبيل المثال، أرادت طهران في صيف 2014 وبوضوح منع الحوثيين من الاستيلاء على العاصمة صنعاء والإطاحة بهادي لأسباب استراتجية ولكن الحوثيون قاوموا. وفي الماضي، كان دعم طهران متركزا على جنوب اليمن وليس على الحوثيين في الشمال. كما أنه على سبيل المثال، في يونيو2015، ألحقت القوات التي دربها الإيرانيون في محافظة الضالع هزائم كبيرة بالمتمردين الحوثيين. كلا هاتين الحالتين تفندان أطروحة الحوثيين كدمية عسكرية إيرانية.

كما أنه وعلى وجه الخصوص ليس من المناسب الادعاء بأن الحوثيين يتلقون الأسلحة من إيران على نطاق واسع، فهذا أمر مستبعد بسبب الحصار البحري الشامل الذي يفرضه السعوديون والولايات المتحدة الأميركية ومصر على اليمن بصورة عملية.
هناك تقارير عرضية تتحدث عن تهريب الأسلحة، على سبيل المثال عبر سلطنة عُمان المحايدة أو الصومال. كما لم يتم التشكيك بأي حال من الأحوال أن عمليات نقل للأسلحة تلك تتم ولكن الكمية الفعلية لتلك الأسلحة تظل غير محددة، كون عملية التحقق الدقيق من وجود عمليات النقل المزعومة للأسلحة من إيران صعبة في كثير من الأحيان. وهذا مثال حديث.
دعاية الحرب مع إيران صنع الولايات المتحدة الأمريكية:
في ديسمبر الماضي، قدمت نيكي هالي، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة “أدلة ملموسة” من قطع حربية نقلتها إيران للحوثيين واستخدمت ضد المملكة السعودية، فبوقوفها أمام قطعة صاروخ ضخم، و بخطابها عند عرضها صور لأطفال سوريين قتلى في إبريل 2017، ذكرتنا هالي بقوة بالدعاية الحربية التي لا يمكن وصفها لكولين بأول أمام مجلس الأمن الدولي في العام 2003.
رفضت الحكومة الإيرانية تصريحات هالي وقالت إنها “ادعاءات لا أساس لها من الصحة”. كما أعلن سفير روسيا لدى الأمم المتحدة بعد التفتيش على أجزاء صواريخ هالي أنها “لا تثبت أي شيء” وأن الحوثيين يؤكدون بإنهم هم من قام بتطوير تلك الصواريخ.
في حين تشكل عملية نقل فعلية للأسلحة في الواقع خرقا لقرار الأمم المتحدة رقم 2216 للعام 2015، يوضح أحد صحفيي “نيويورك تايمز” أن الخبير الذي خدم لمدة عشرة سنوات في مجال المتفجرات بالبحرية الأميركية وكان حاضرا في عرض هالي قال أن الأدلة التي قدمتها هالي لا تدعم بأي حال من الأحوال مزاعمها ضد إيران. كما أن حكومة ترامب غير قادرة على القول من أين حصلت على هذه الأدلة ومتى تم استخدام هذه الأسلحة أو متى حصل عليها الحوثيين، هل قبل أم بعد قرار الأمم المتحدة رقم 2216، وبأي طريقة وعن طريق من بالضبط. كما أن الحكومة لم تُجر تحقيقاتها الخاصة ولكنها اكتفت بتصريحات السعودية دون أي تشكيك بها.
وبالتالي لم تعرض نيكي هالي على العالم سوى كومة من الخردة، سلمتها المملكة العربية السعودية للولايات المتحدة الأميركية دون أي معلومات إضافية على أنها “أدلة ملموسة” الغرض منها التعبئة ضد إيران.
كشفت مجلة “فورين بوليسي” أن ماعرضته هالي يشبه الصاروخ الإيراني قصير المدى “قيام 1” وهو لا يحتوي فقط على نفس المكونات، بل أنه يحتوي على نفس التراكيب الخاصة بإحدى شركات تصنيع السلاح الأميركية، وهذا ما يعزز مزاعم طهران وموسكو التي تفيد بأن الصاروخ ليس بالضرورة أن يكون من إنتاج إيران. وعليه: تكون هالي بنفس “دليلها الملموس” قد عرضت حكومة بلدها لتهمة النقل غير القانوني للأسلحة إلى الحوثيين.
في نهاية فبراير، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مجلس الأمن الدولي بسبب “أدلة غير واضحة” ضد إيران. وبعد ذلك بوقت قصير، أصدرت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من جانب واحد بيانا يدين إيران.
هذا البيان يكشف عن ازدواجية المعايير ونفاق واضح لدول غربية في سياق الحرب على اليمن:
فقد تمت إدانة إيران بسبب عملية نقل للأسلحة مشكوك فيها لأحد أطراف الحرب، في حين تقوم هذه الأربع الدول، التي قامت بالإدانة، منذ العام 2000 بتصدير ما نسبته 86 بالمائة من واردات الأسلحة لاثنتين من الدول التي تقود هذه الحرب- المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة، ضمن ائتلاف وضعته الأمم المتحدة في قائمتها السوداء لمنتهكي حقوق الطفل بسبب قتل الأطفال اليمنيين بشكل ممنهج.
من المؤكد أنه لا يمكن لهذه الدول أبدا أن تدين بعضها البعض أبدا في ظلمها: أين هي تصريحات الحكومة التي يملؤها السخط وأين هي مقترحات مجلس الأمن الدولي، التي تتضمن إدانة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا كون صورايخهم تدمر في اليمن المدارس والمستشفيات ومحطات الوقود والأسواق والمساجد ومخيمات اللاجئين ومصانع الأغذية وشبكات الطاقة والمناطق السكنية والمناطق المُدرجة ضمن التراث العالمي والجسور وجلسات العزاء وحفلات الزفاف والموانئ والفنادق والمدن السكنية ومزارع الدواجن وقارب للاجئين ومدرسة للمكفوفين؟
من أين حصل الحوثيون على أسلحتهم؟
أولا وقبل كل شيء، هناك مصدران: أولا ، من الأرض نفسها المغمورة بالسلاح – على مستوى العالم تعد الولايات المتحدة هي الدولة التي يمتلك فيها كل ساكن سلاح ناري ولكن اليمن أيضا تعد إحدى الدول المزدحمة بالأسلحة لدرجة أنها لا تحتاج إلى مزيد من الأسلحة النارية من الخارج فلدى سكانها ما يكفي.
ثانيا، تعود ترسانة أسلحة الحوثيين إلى الجزء المنشق من قوات الجيش اليمني المناصر للديكتاتور المخلوع صالح، الذي تحالف مع الحوثيين في العام 2015. أي أن السلاح هو تابع للقوات اليمنية وآلة الحرب التي قدمتها الحكومة الأميركية للديكتاتور صالح منذ العام 2006 في ظل تحالف وطيد معه في “الحرب على الإرهاب” وتزيد قيمتها عن 500 مليون دولار هي اليوم في يد الحوثي. كما أن الحوثي مستحوذ الآن أيضا على مخزون كبير من صواريخ باليستية من كوريا الشمالية وروسيا قُدمت لكلا طرفي الحرب الأهلية التي قامت في التسعينات وعلى نطاق واسع.
النبوءة التي تحققت:
إن اهتمام طهران الاستراتيجي بالصحاري الشاسعة في شبه الجزيرة العربية محدود. وبدلا من إقامة تحالف استراتيجي حقيقي مع الحوثيين، صدق تقييم عدد من الدبلوماسيين الأميركيين الكبار السابقين من أن العلاقات ذات المستوى البسيط القائمة بين الحوثيين وإيران ستتحول من ذريعة وهمية إلى نتيجة حقيقية لحرب سعودية. حلل السفير الأميركي السابق في الرياض، شاس فريمان قائلا: “لم يكن الحوثيون في المعسكر الإيراني حتى اضطروا إلى ولوجه بفعل الضرورة. عندما تعرضت أماكن تواجدهم للقصف من قبل السعوديين … وجدوا أنفسهم بحاجة إلى الدعم من أي مكان، وحصلوا عليه من طهران.” وتابع فريمان قائلا: “ربما لم يكن هناك عموما لعلاقة تواصل بين الحوثي وإيران أي وجود، إلى أن برر بها السعوديون قصفهم لليمن وتأكيدها على نحو يدعو للسخرية.”
وبالتالي أصبحت الحرب السعودية في اليمن بمثابة التنبؤ الذي تحقق.
بـ “أيرننة” الحرب على اليمن ، تلعب المملكة العربية السعودية لعبة العلاقات العامة الذكية. التي فيها قامت برسم الشيطان الإيراني على الحائط، وتمكنت من إقناع العالم الغربي بأن هذه الحرب ليست صراعا محليا على أي حال من الأحوال وإنما هي حرب غير مباشرة ضد إيران العدو المفترض وإضفاء الطابع العالمي على هذه الحرب. فهي تعلم أن لا أحد سيقف معها من أجل صراع على الحدود في قلب الصحراء وسيتساهل معها في إبادتها الفعلية لبلد مُعدم.
أثر الدماء التي سفكتها الولايات المتحدة في اليمن
على كافة الأصعدة، تدعم الولايات المتحدة الأميركية الغارات الجوية السعودية وقد تركت وراءها أثر الدماء التي سالت في المجازر وقصف الطائرات بدون طيار منذ عقود.
تجمّع آلاف الأشخاص في العاصمة صنعاء لتأدية واجب العزاء في وفاة علي الرويشان، والد وزير الداخلية الذي تم تعيينه من قبل الحوثيين. وبطبيعة الحال، كان الجيش السعودي على علم بأنه إلى جانب المدنيين سيتواجد في العزاء كثير من المسئولين الحوثيين الذين يكرههم بالإضافة إلى زعماء القبائل. ورأى أنها فرصة تتيح لهم قتل الكثير منهم لن تتكرر ثانية.
جريمة حرب بدعم من الولايات المتحدة:
قصفت الرياض مجلس العزاء وقتل فيه ما لا يقل عن 155 شخصا وجرح 525 آخرون. واستخدمت السعودية فيه تكتيك “الضرب المزدوج”، الذي تعلمته من ضربات الطائرات الأميركية بدون طيار في باكستان: فبعد دقائق من الغارة الأولى يتم تنفيذ الغارة الثانية، لكي يتم قتل من بقي على قيد الحياة وكذلك المنقذين الذين يهرعون إلى مكان الحادث. لقد تسببت تلك القنابل في إحداث “بحيرة من الدماء” أثبتتها صور من تجول عقبها: كانت تلك هي المجزرة الأكثر دموية في تاريخ الحرب على اليمن التي مر عليها ثلاث سنوات بقنابل من طراز MK-82 التي تصنعها شركة رايثون الأميركية.
لقد جسدت مجزرة صنعاء الحرب العبثية ضد أفقر بلد في العالم العربي: فالتحالف الذي تقوده السعودية هو المسؤول عن أبشع جريمة حرب والحكومة الأميركية كانت هي اليد المساندة له وبالتالي هي أيضا مشاركة في جريمة الحرب هذه.
وما إن أفرغ السعوديون ترسانتهم من الصواريخ بعد عام ونصف من القصف الذي لا هوادة فيه، باركَ باراك أوباما في نوفمبر من العام 2015، عقود بيع ما يقرب من ثلاثين ألف قنبلة وصاروخ جديدة – بما في ذلك ثمانية آلاف وعشرون قطعة سلاح من ضمنها قنابل MK-82 ، التي أُمطر بها مجلس العزاء في صنعاء.
خلال السنوات الثماني التي قضاها في المكتب البيضاوي، باع الرئيس أوباما للسعوديين أسلحة بقيمة 115 مليار دولار – بشكل لم يسبق أن فعله سابقيه من الرؤساء الأميركيين الثلاثة عشر في فترة العلاقات الدبلوماسية السعودية –الأميركية التي يبلغ عمرها 85 عاما. وفي العام 2015 لوحده- وهو العام الذي اندلعت فيه الحرب على اليمن- تمت الموافقة على صفقات بيع بلغت قيمتها 20 مليار دولار.
وما هي إلا أسابيع قليلة وتولى دونالد ترامب الحكم وسلك نفس منهج سلفه الكريه، عندما عقد مع السعوديين في مايو 2017 صفقة بيع أسلحة بقيمة 110 مليار دولار، وهي صفقة من الممكن أن تكبر في السنوات العشر المقبلة لتبلغ قيمتها 380 مليار. وكان تعليق ترامب عليها هو قوله: “تجارة، تجارة، تجارة.”
والإشارة هنا واضحة: واشنطن تقف بكل ثبات إلى جانب رياض.
ومن المؤكد أن مبيعات الأسلحة من جميع الدول الأخرى (الحكومات الغربية كلها تقريبا) لم تكن خفية أو هينة خلال تلك المرحلة، فمنذ بداية الحرب على اليمن كان ثلثي الحصة الضخمة من شحنة المعدات العسكرية إلى السعودية يصل من الولايات المتحدة وكان خمس كميات المعدات العسكرية يصل من المملكة المتحدة البريطانية وهذا قدر لا يُستهان به وتأتي الدول الأخرى بعد هاتين الدولتين من حيث نسب كمية التصدير.
وبالنسبة للقوة الثانية الدافعة للتحالف العسكري بقيادة السعودية، الإمارات العربية المتحدة، تبدو الأرقام مشابهة جدا. فقد صدرت الولايات المتحدة الأميركية لها حوالي ثلثي نسبة كمية المعدات العسكرية أيضا.
“السعوديون يطلبون ونحن نُقدم.”
على الرغم من أن شحنات الأسلحة هي الصورة الأكثر مركزية التي تمثل بها دعم الأميركيين للسعودية في حربهم على اليمن، إلا أن هناك صور دعم أخرى أكبر بكثير.
كان لتزويد القوات الجوية الأميركية المقاتلات السعودية بالوقود في الجو أهمية حاسمة. فلو لم يتوفر ذلك الدعم لكان من المستحيل بالنسبة للتحالف السعودي قيادة حملة القصف الجوي الوحشية على تلك المنطقة التي تصل إليها الطائرات بعد قطعها مساحات من الصحاري الشاسعة. حيث بلغ إجمالي رحلات التزويد بالوقود تسعة آلاف رحلة بحوالي 40 مليون لترا من الوقود في غضون الثمانية عشر شهرا الأولى من الحرب.
وفي الأشهر التي أعقبت مجزرة صالة العزاء بصنعاء ، قامت إدارة أوباما – وتلتلها حكومة ترامب بدورهما – بصورة مضاعفة في عملية تزويد المقاتلات بالوقود.
قبل بضعة أيام قال الجنرال جوسيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية المختصة (سنتكوم) بهذه العملية في جلسة استماع أمام الكونغرس الأمريكي أن البنتاغون لم يكن لديه أدنى فكرة عمن أو ماذا كانت مقاتلات التحالف السعودي تستهدف في غاراتها التي كانت الولايات المتحدة تزودها فيها بالوقود، ناهيك عن عدم معرفته المطلقة إلى أين تتجه تلك المقاتلات بالضبط. فسيان الأمر لدى البنتاغون، أكان المتمردون الحوثيون هم من يتم قصفه بمساعدة منه أو المدنيين. وأضاف الناطق باسم القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) قائلا: “هم يطلبون تزويدا بالوقود ونحن نقدمه لهم.”
كما أن تدريب الجيش السعودي من قبل الولايات المتحدة له أهمية مركزية. فمنذ العام 1977، كانت هناك بعثات تدريبية تصل إلى المملكة – وكما هو تبريرهم في صفحات القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) – “من أجل الدفاع عن مصالحنا المشتركة في الشرق الأوسط”. وفي الآونة الأخيرة ، تم تكثيف البرنامج بشكل كبير. حيث تم في السنة الأولى من الحرب على اليمن تدريب 641 سعوديا على استخدام المقاتلات التي صُنعت في أميركا وبالفعل تلا عمليات التدريب تلك إفراغ ما فيها من قنابل أميركية على مجلس العزاء والمدارس والمستشفيات وحفلات الزفاف ومخيمات اللاجئين.
ناهيك عن أن دور المدربين الأمريكيين ذهب إلى ما هو أبعد من مجرد تدريب، حيث يُدرك المدربين الأميركيين أن مهمة التدريب في حد ذاتها تعتبر تمثيلا للشركات الأميركية ومشاركة في التسويق لصفقات الأسلحة مع القوات المسلحة السعودية.
أضف إلى ذلك أن توفير الولايات المتحدة دعمها على عدة أصعدة أخرى، مثل توفير الدعم اللوجيستي وتوفير البيانات الاستخباراتية
ونشر المستشارين العسكريين والأهم من ذلك هو توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي. فبدون تصريح ودعم البيت الأبيض لما نجا التحالف السعودي من جريمة إبادة أفقر بلدان العالم العربي المستمرة منذ ثلاث سنوات.
لنكن واضحين: لولا الولايات المتحدة ما كانت تمت حملة القصف الوحشي التي نفذها التحالف السعودي على اليمن. وإذا ما توقفت واشنطن عن دعمها اليوم، فستنتهي الحرب غداً.
لماذا هذا الدعم غير المشروط؟
من أجل فهم أسباب دعم الولايات المتحدة المكثف للسعوديين، يتعين تسليط الضوء على قضية مركزية أخرى تدور حولها كل الأمور تقريبا بالنسبة للسعوديين في الشرق الأوسط والأدنى بالإضافة إلى ما تم إعلانه عالميا مثل التحالف التاريخي السعودي الأمريكي وصفقات الأسلحة المربحة المتعلقة بالحرب لشركات تصنيع الأسلحة الأميركية. إنها إيران ولا سيما صفقة إيران النووية المهمة جدا في العام 2015.
أراد السعوديون منع إبرام الصفقة النووية الإيرانية بأي ثمن وكانوا غاضبين في نهاية الأمر من تلك الاتفاقية التاريخية. لا بد أن يُفهم أن قرار أوباما بإتاحة الحرب السعودية ضد الشعب اليمني كان في المقام الأول بادرة جبر خاطر ومراضاة لآل سعود بسبب الصفقة الإيرانية.
“لا أعتقد على أية حال من الأحوال أننا متحمسون كثيرا” هذا ما قاله السفير السابق للولايات المتحدة في اليمن، “لكن السعوديين غاضبون بسبب صفقة –إيران النووية أشد الغضب.”
وبالطبع ليس فقط في السعودية ، ولكن أيضاً العناصر التي لديها خوف من إيران داخل أميركا نفسها، يجب أن يتم تهدأتها، فبسبب صقور اليمين الإيراني في واشنطن كانت إدارة أوباما تتعامل بكل ضعف أمام إيران.
السيناتور والمرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري جون ماكين برر موافقته على صفقة أسلحة للسعوديين مثيرة للجدل قيمتها مليار دولار والتي شملت، من ضمن جملة معدات، توريد 150 دبابة أبرامز، بالكلمات التالية: “إن منع صفقة الدبابات هذه ستُفهم من قبل شركائنا في الخليج على أنها علامة أخرى على تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن التزاماتها في المنطقة وعلامة على أننا نعتبرهم شركاء غير موثوق بهم.”
يعترف المحرض الخائف من إيران ماكين بتصريحه ذلك الذي يقطر فظاظة بأنه يدرك أن تسليم أقسى المعدات العسكرية ما هو إلا إيماءات تثبت النوايا الحسنة للتهدئة من أجل عقد الصفقة مع الحليفة إيران. إذا هذا هو الأمر. ومع ذلك تم رفض صفقة الدبابات.

كان سكان اليمن رهينة على رقعة الشطرنج لأوباما، فقد تمت التضحية بهم من أجل الصفقة الإيرانية. إن التواطؤ في جرائم الحرب كبادرة جبر للخاطر ما هو إلا أمر يدعو لسخريةٍ لا تقل عن فعل ذلك فقط من بدافع ما تفرضه السياسة الجغرافية فقط.
مذبحة اقترفتها واشنطن بنفسها في اليمن:
ومع ذلك، لم تكن الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال مجرد شريك في جرائم الحرب التي اقترفها التحالف السعودي في اليمن ولكن لواشنطن قائمة طويلة من المذابح التي اقترفتها ضد الشعب اليمني.
فمنذ العام 2000، على الأقل، تنشط الولايات المتحدة في اليمن، بعد هجمات 11 سبتمبر، فقد جعلت من هذا البلد واحدة من المسارح الأساسية لـ “الحرب على الإرهاب”. في العام 2002 ، بدأت واشنطن برنامج الطائرات بدون طيار في اليمن. ووفقا لتقديرات متحفظة قُتل في ما لا يقل عن 302 هجوما ما يقرب من 1341 شخصا. وفي حين لم تتم في عهد جورج دبليو بوش إلا عملية واحدة للطائرات بدون طيار، نُفذت جميع الضربات الأخرى في عهد الحائز على جائزة نوبل للسلام، باراك أوباما، وأخيرا ترامب.
ومن بين العديد من جرائم الولايات المتحدة في اليمن، تبرز مجزرة المعجلة. ففي ديسمبر 2009 ، أطلقت البحرية الأمريكية خمسة صواريخ كروز توماهوك محملة بالذخائر العنقودية المحظورة دوليًا على القرية البدوية، المعجلة في محافظة أبين، الصغيرة في وسط اليمن. وبالإضافة إلى 14 ممن زُعم بأنهم من أعضاء تنظيم القاعدة، قُتل ما لا يقل عن 41 مدنياً في تلك المجزرة ، بينهم 21 طفلاً وتسعة نساء، خمسة منهم حوامل. وقد أدت الانفجارات المتأخرة للذخائر التي لم تكن قد انفجرت حين سقوطها إلى قتل أو إصابة 17 مدنيا بجروح خطيرة بعد أسابيع من الهجوم – ولهذا السبب فإن استخدام الذخائر العنقودية في حد ذاته يعتبر جريمة حرب.
تنص عقيدة أوباما الشهيرة على أن الهجمات لا يتم تنفيذها إلا لتفادي “تهديد مباشر على الشعب الأمريكي” وفقط عندما “لا يكاد هناك شك بأنه لن يتم قتل أو إصابة أي مدني”. فأيُ “تهديد مباشر على الشعب الأمريكي” يأتي من قرية بدوية في وسط الصحراء اليمنية؟
ارتباط دموي بين ترامب وأوباما: العولقي مثال:
في سبتمبر 2011، بناء على أوامر من الرئيس، قتلت طائرة أمريكية بدون طيار في اليمن أنور العولقي، المولود في نيو مكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا، كان لباراك أوباما سابقة خطيرة: الولايات المتحدة تقتل من الآن فصاعداً دون توجيه اتهامات في جميع أنحاء العالم، ناهيك عن إسقاط المحاكمة العادلة. أوباما، أستاذ القانون الدستوري، تجاهل وبشكل تام دستور الولايات المتحدة، إذ قام باستغلال توقيعه الرئاسي ليكون المدعي والجلاد في نفس الوقت وطبق النفوذ في عمليات القتل الخارجة عن نطاق القضاء ضد أي فرد على هذا الكوكب من كرسي الحكم في المكتب البيضاوي.
وبعد ذلك بوقت قصير، أظهر أوباما مرة أخرى هذه القوة للإمبراطورية الأمريكية عندما أطلقت طائرة أمريكية بدون طيار في محافظة شبوة صواريخ هيلفاير على مجموعة من الشبان الذين تجمعوا للشواء. وكان من بين قتلى حمام الدم ذلك ابن أنور العولقي، الأمريكي الجنسية، عبد الرحمن العولقي، وبعض أبناء عمه. بعد أسبوعين من إعدام والده خارج نطاق القضاء ، تم إعدام عبد الرحمن البالغ من العمر 16 عاماً أيضاً بدم بارد. إنها الخطيئة الخالصة في القرن الواحد والعشرين.
في نهاية يناير من العام 2017، وقعت مذبحة “يكلا” في محافظة البيضاء اليمنية – وكانت تلك أول عملية “إرهابية” صرح بها ترامب. حيث اقتحم 30 فردا من قوات البحرية المدججين بالسلاح التابعين للولايات المتحدة القرية و”أطلقوا النار على كل ما يتحرك”، في حين كانت عدة طائرات هليكوبتر هجومية تقصف من الجو وجعلوا الذعر يدب في القرية بأكملها جراء ذلك القصف”- كما وثقته الصحفية البريطانية أيونا كريغ” في تقريرها الحائز على جائزة بولك للتقارير الخارجية. وبالإضافة إلى مقتل أحد أفراد قوات البحرية الأميركية حصدت تلك المجزرة أرواح 31 شخصا، بما في ذلك أطفال أعمارهم دون سن العاشرة وأطفال حديثي الولادة. بالإضافة إلى ذلك، نفق 120 رأس من الماعز والأغنام والحمير في حمام الدم ذلك- لقد تم القضاء على الوجود الاقتصادي للناجين إلى جانب القضاء على أقربائهم. ووصف المتحدث باسم ترامب ، شون سبايسر، المجزرة بأنها “مدروسة جدا ومنفذة بإحكام”.
ومن بين الأطفال الذين قُتلوا في أول مهمة خارجية كبيرة لترامب، كانت فتاة تبلغ من العمر ثماني سنوات، نزفت حتى الموت بعد إطلاق النار عليها في الحلق. كانت تُدعى نوار العولقي ، أمريكية الجنسية، شقيقة عبد الرحمن، حيث قتل شقيقها على يد الولايات المتحدة قبل خمس سنوات.
وفي أول خطاب له عن حال الأمة مجًّد ترامب بأبهى لغة عسكرية القتيل من قوات البحرية الأميركية في اليمن وعين أرملته الحزينة رئيسة لبرنامج دعائي خبيث، ووصف مجزرة “يكلا” في البيضاء بأنها كانت عملية جراحية “ناجحة للغاية” في حين أنه لم يذكر أنه قتل فيها عشرة من الأطفال اليمنيين ولم يذكر نوار العولقي ذات الثمان سنوات.
إن قتل الأبرياء من عائلة العولقي هو الدم الذي يوحد رئاسة ترامب مع سلفه المكروه أوباما.
ترامب يُصِّعد الحرب على اليمن:
في الحملة الانتخابية التي جرت في العام 2016 شدد المعارضة لهيلاري كلينتون كونها محرضة على الحروب وأنه سيتبنى سياسة غير تدخلية وسيُنهي استراتيجية التدخل لتغيير الأنظمة الحاكمة في دول العالم وأنه يريد أن ينهي المغامرات العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لقد نسي الرئيس ترامب كل هذا وها هو يفعل كل ما بوسعه ليغطي على ما حل بالثمان الدول التي دمرها قصف سابقه أوباما. ويتصرف ترامب في سورية والعراق وفلسطإسرائيل وأفغانستان وعلى رأس هذه الدول جميعا إيران وفقا لمنهج الحرب الخاص بالصقور اليمينية في واشنطن. وفي اليمن يقوم بتصعيد سياسة الأرض المحروقة.
ففي غارة ثانية لقوات البحرية في أواخر شهر مايو، حيث شنت ثماني مروحيات أباتشي الغارات الجوية وداهم 40 جنديا من القوات الخاصة في البيضاء، قتل العديد من المدنيين مرة أخرى، بينهم أطفال ومسنين. وحينها وجد وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، كلمات مضيئة يتحدث بها عن القتل الدائم لشعب اليمن حين قال: “الكمال أتركه لله”.
بالإضافة إلى المجازر على الأرض ، يصعد الرئيس ترامب من حرب الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن.

أمر ترامب هجمات الطائرات بدون طيار كما لو كانت هجمات تشعره بالتجدد والانتعاش. ففي الأشهر الاثني عشر الأولى في منصبه، أذن أن يتم تنفيذ (129) هجوما في اليمن تماما كما فعل “ملك الطائرات بدون طيار”، أوباما، خلال ثماني سنوات كاملة من رئاسته والتي بلغ عددها (162). وتتحدث منظمة ريبريفيف البريطانية غير الحكومية الشهيرة المعنية بحقوق الإنسان عن “عمليات الإعدام على نطاق صناعي”.
من ناحية أخرى، يحاول ترامب أيضاً تصعيد حرب السعوديين على اليمن. حيث تم رفع قيود معينة فُرضت في عهد أوباما وكذلك الجزاءات الخجولة التي فلإرضت على السعوديين في ديسمبر 2016 من قبل إدارته.
بعد أن كان ترامب قد شن حملة شرسة في حملته الانتخابية ضد السعوديين (وبالمناسبة، رغم ذلك كان حينها قد أسس ثمان شركات جديدة في المملكة العربية السعودية)، هاهو الرئيس ترامب الآن أقرب حليف لآل سعود منذ عقود في البيت الأبيض. وكانت أول زيارة خارجية له بعد توليه منصب الرئيس يقوم بها إلى الرياض، حيث حرض الدولة العربية الثرية والقيادات الإسلامية على محاربة إيران ورقص رقصة السيف السعودية هو وزوجته مع الملك سلمان وهاهو يعشق الطاغية الثاني في المنطقة، الديكتاتور العسكري المصري، الجنرال السيسي.
يقف دونالد ترامب يقف بكل إخلاص إلى جانب الدكتاتورية الفاشية في المملكة العربية السعودية. وضحايا هذا التحالف الشرير هم الأطفال المبتلين والنساء والرجال في اليمن.