السياسية – متابعات :

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يناقش الأضرار الإنسانية الناتجة من الغارات الجوية الإسرائيلية في غزة وحجم الخسائر البشرية التي تسببت فيها، مع التركيز على القضايا المتعلقة بمبادئ القانون الإنساني الدولي، مثل التمييز بين المدنيين والعسكريين والتناسب في استخدام القوة العسكرية.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

إنه معدل خسائر لم يكن من الممكن تصوره، فقد أُبلغ عن مقتل أكثر من 400 فلسطيني بعد عشر ساعات من استئناف الغارات الجوية الإسرائيلية يوم الثلاثاء، بما في ذلك، وفقاً لتقرير أولي، مقتل ما لا يقل عن ستة أفراد من عائلة واحدة في هجوم على سيارة شرق خان يونس.

ومع أنه من السابق لأوانه تحديد عدد المدنيين الذين لقوا حتفهم في الهجمات التي تقول "إسرائيل" إنها استهدفت قادة عسكريين ومسؤولين سياسيين في حماس، فإنه من المرجح أن يكون عدد الضحايا المدنيين كبيراً.

سجّلت مجموعة الرصد "Airwars" أكثر من 7000 حادثة قُتل فيها مدنيون خلال الحرب السابقة التي استمرت 15 شهراً، وهو صراعٌ اشتدّ فيه القصف لدرجة أنه أثار تساؤلات حول مبدأ التناسب العسكري الذي يُفترض أن يُقلّل من تأثير الحرب على المدنيين.

تقول إميلي تريب، مديرة "Airwars"، التي رصدت تأثير حملات القصف في الحروب لأكثر من 10 سنوات: "يُظهر تحليلنا أن عدد الضحايا يتجاوز بكثير أي شيء رأيناه من حملات جوية مُقارنة في العقد الماضي".

يُقصد بالقانون الإنساني الدولي، المُستند إلى اتفاقيات جنيف، أن يكون بمنزلة رقيب على النزاعات المسلحة. ويُتوقع من أطراف الحرب الالتزام بمبدأ التمييز بين الجيوش والمدنيين، ومبدأ التناسب. تُعدّ الهجمات على الأهداف العسكرية التي تُسبب خسائر فادحة في صفوف المدنيين مُقارنةً بالميزة المُكتسبة، من الناحية النظرية، جريمة حرب.

كان رد الفعل العسكري الإسرائيلي على هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر شرساً، ما أدى إلى مقتل أكثر من 49000 شخص في غزة، نحو 59% منهم من النساء والأطفال وكبار السن، وفقاً للسلطات الصحية الفلسطينية. هذه الأرقام مرتفعة للغاية لدرجة أنها تثير تساؤلات في حد ذاتها.

قالت آنا غالينا، المحامية المتخصصة في الشؤون الإنسانية الدولية في منظمة "غلوبال رايتس كومبلاينس"، إنّه "حتى من دون النظر في حوادث محددة، من الصعب رؤية كيف تم تخفيف الضرر الواقع على المدنيين وكيف تم تطبيق مبادئ التمييز والتناسب".


في بعض الحوادث، كان عدد الضحايا المدنيين استثنائياً. فقد سُجل مقتل ما لا يقل عن 126 فلسطينياً في قصف مخيم جباليا للاجئين المكتظ بالسكان في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وقال "الجيش" الإسرائيلي إنّ الهدف، في هجوم وقع من دون سابق إنذار، كان القائد الشمالي لحماس، إبراهيم بياري، وقاعدة تحت الأرض. وقد خلّف الهجوم حفراً بعمق 40 قدماً.

هناك أيضاً أدلة كثيرة تشير إلى أنّ "الجيش" الإسرائيلي خفف من قواعد الاشتباك الخاصة به. فقد ذكرت تقارير في مجلة +972 الإسرائيلية وصحيفة "الغارديان"، نقلاً عن مصادر داخل "الجيش" الإسرائيلي، أنه كان من المسموح قتل ما يصل إلى 15 إلى 20 مدنياً عند مهاجمة شخص يُعرّف بأنه ناشط صغير في حماس، و100 مدني عند مهاجمة قائد.

في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قصف "الجيش" الإسرائيلي مبنى سكنياً فوق ما وصفه بأنه "نفق إرهابي لحماس" عدة مرات. دمّر الهجوم مبنى التاج السكني، وأحصى موقع "Airwars" 101 قتيل (44 طفلًا، 37 امرأة، 26 رجلاً).

عندما صعّدت "إسرائيل" بشكل كبير حملتها الجوية ضد حزب الله في لبنان في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد ما يقرب من عام من الغارات المتبادلة عبر الحدود، قتل 492 لبنانياً في يوم واحد. وبعد بضعة أيام، قُتل 73 شخصاً عندما دمرت الصواريخ الإسرائيلية مبنى سكنياً من ستة طوابق في قرية عين الدلب.

لم يخلص الحلفاء الغربيون الرئيسيون، المملكة المتحدة والولايات المتحدة، إلى أنّ "إسرائيل" انتهكت مبدأ التناسب. وجاء في رسالة من ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني، إلى لجنة الشؤون الخارجية في كانون الثاني/يناير أنّه "لم يكن من الممكن تقييم مدى امتثال إسرائيل لمبدأ التناسب" بسبب "بيئة المعلومات الغامضة والمتنازع عليها في غزة".

في أيار/مايو الماضي، خلصت مراجعة مسربة أجرتها وزارة الخارجية الأميركية، بناءً على طلب بايدن، حول ما إذا كانت الدول التي تتلقى أسلحة أميركية تستخدمها "وفقاً للقانون الإنساني الدولي"، إلى استحالة تحديد ذلك لأن "إسرائيل لم تُشارك معلومات كاملة" حول عمليات صنع القرار لديها.

وقالت ديربلا مينوغ، محامية حقوق الإنسان في شبكة العمل القانوني العالمي: "ما رأيناه هو غياب أي مساءلة عن هذا التوسع الصارخ في مفهوم التناسب. يُمكن تخيّل أن ذلك يُضعف معايير الجيوش الأخرى في النزاعات المستقبلية".

وأوضحت إدارة دونالد ترامب، التي تقول إنها استُشيرت قبل الهجوم الإسرائيلي الذي وقع ليلة أمس، أنها مؤيدة بشدة لـ "إسرائيل". في الوقت نفسه، تُعيد الولايات المتحدة صياغة قواعدها الخاصة. ففي وقت سابق من هذا الشهر، تحرك بيت هيجسيث، وزير الدفاع، لتقليص وظائف أولئك الذين يعملون على تخفيف المخاطر على المدنيين وتقييمها، وبدأ عملية إصلاح شاملة للمحامين العسكريين الأميركيين بهدف تخفيف قواعد الاشتباك.

يوم السبت، قصف الجيش الأميركي مواقع للحوثيين في اليمن، ما أسفر عن مقتل 53 وإصابة 98، وفقاً لوزارة الصحة اليمنية، بينهم نساء وأطفال. في المقابل، أفادت التقارير بمقتل خمسة أشخاص وإصابة ستة آخرين في غارات جوية مشتركة أميركية - بريطانية على الحوثيين في منتصف كانون الثاني/يناير 2024.

* نقلته إلى العربية: بتول دياب.
* الكاتب: دان صباغ
* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من الميادين نت