في هذه النافذة ومن أجل ان تعم الفايده نقوم بنقل ماورد من مصادرها دون تعديل …

اغرق الصراع المحتدم بين المتمردون الحوثيون الشيعة وبين دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية اليمن في مستنقع الفوضى, إذ تعود بدايات الصراع اليمني إلى صراع قبلي وطائفي “بسيط”.

يحتضن اليمن ذو الغالبية السنية بين طياته أيضا أقلية شيعية تقدر بما يقرب من 40 ٪ من أجمالي عدد السكان, حيث أخذت هذه الحرب الأهلية بعدًا جيوسياسيًا جراء المواجهات غير المباشرة التي تعيشها منطقة الخليج بين أعتا قوتين رئاسيتين في المنطقة: المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

بقلم: بليغ بالي *

الرباط, 24 يونيو, 2018 (صحيفة “لو إيكونوميست” المغربية, ترجمة: أسماء بجاش- سبأ)

يواجه اليمن اليوم أزمة إنسانية, عبارة عن مزيج من مجاعة وأمراض, ناهيك عن انتشار وباء الكوليرا الذي لم يسبق له مثيل, حيث وجد هذا الوباء في هذا البلد بيئة خصبة ومواتية للانتشار.

تمكنت هذه الحرب التي يدفع فاتورتها الباهظة المدنيين من حصد أرواح 10.000 شخص, في حين جرح 53.000 آخرين, بالإضافة إلى اعتماد ما يقرب من 22 مليون آخرين على المساعدات الإنسانية.

ومن جانبه اعترف الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس” بأن اليمن يعاني حالياً من أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم. فكيف وصلنا إلى هذا الوضع؟

تقع اليمن في الطرف الجنوبي الغربي من منطقة شبه الجزيرة العربية على مفترق طرق العديد من الثقافات والتأثيرات, ولاسيما العربية وشرق الأفريقية.

وعلى عكس جيرانه, يفتقر هذا البلد للموارد الهيدروكربونية الكبيرة التي تتمتع بها البلدان المجاورة له, ناهيك عن كونه أكبر دولة من حيث عدد السكان في منطقة شبه الجزيرة العربية، وذلك دون حصر عدد السكان الأجانب القاطنين فيه, في الوقت الذي تعتبر فيه أيضا واحد من أفقر الدول في العالم العربي, إذ لا يزال 50٪ من إجمالي عدد السكان يعيشون تحت خط الفقر.

وبشكل عام, لا يزال المجتمع اليمني تقليديا إلى حد كبير, فالبلد لا يزال يستظل تحت مظلة النموذج القبلي بشكل ملحوظ جداً، كما يعيش أيضا بعيدًا عن الانفتاح على المجتمع الاستهلاكي الظاهر في الأنظمة الملكية المجاورة.

رأت الجمهورية اليمنية النور لأول مرة في العام 1990عندما تم توحيد المناطق الشمالية والتي كانت تُعرف باسم الجمهورية العربية اليمنية وبين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي احتضنها الجنوب, حيث كان تأثير الأولى على الثانية ذات النظام الماركسي المؤيدة للسوفيتية.

إن النظام الذي تأسس على مبدأ قبيلة الجمهورية الواحدة، لا يدخل ضمن فئة الممالك النفطية المهيمنة على المنطقة.

اليمن والربيع العربي:

إن قضية الوحدة الوطنية بين شطري اليمن له جذور تاريخية- تضفي طابع رسمي لمعاهدة الفصل الفعلي بين اليمن الشمالي العثماني الذي يتمتع باستقلال كامل واليمن الجنوبي الواقع تحت الوصاية البريطانية منذ العام -1911 حيث تتداخل العديد من الانقسامات القبلية والسياسية.

ففي الوقت الذي يواجه فيه الانفصاليين الذين يطالبون بالاستقلال أو على الأقل بالحكم الذاتي لجنوب اليمن, يدافع الإسلاميون من حزب الإصلاح عن وحدة الأراضي اليمنية .

يواجه اليمن مشاكل متكررة, إذ إن إعادة توحيد شطري اليمن تحت وصاية الشمال لم يكن مرضين, ولاسيما أن الشماليين سيطروا على الثروة، خاصة في سوق القات.

كما تسبب التمرد الزيدي – الأقلية الشيعية القاطنة في محافظة صعدة الواقعة في الشمال الغربي من البلد- منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي في سقوط الآلاف من الوفيات ومئات الآلاف من النازحين.

شهد أواخر العام 2009، تدخل عسكرياً من قبل الحليف السعودي ضد التمرد الحوثي, بيد أن هذا التدخل لم يضع حد لتلك الفوضى.

وفي إطار “الربيع العربي” عمت اليمن انتفاضة شعبية عارمة في العام 2011 , حيث جابت العاصمة صنعاء والعديد من المدن اليمنية الأخرى للمطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح الذي تربع على كرسي السلطة في البلد منذ إعادة توحيده, كما كان أيضا متهمً بالفساد, بالإضافة إلى الاشتباه في سعيه وراء تمرير السلطة لابنه أحمد الذي كان على رأس الحرس الجمهوري آنذاك.

شارك المتمردون الزيدون في الشمال وأعضاء الحراك الجنوبي بشكل نشط خلال تلك الانتفاضة, والتي تحولت فيما بعد إلى مواجهات مسلحة ولكن دون الانزلاق في مستنقع الحرب الأهلية.

أصيب الرئيس صالح بجروح خطيرة، مما أضطره إلى اللجوء إلى الجارة والحليف السعودي.

ولمواجهة الجمود السياسي والضغط الأمريكي السعودي، وافق الرئيس صالح على الخطة التي تقدمت بها دول مجلس التعاون الخليجي, حيث قضت بالتخلي عن السلطة لنائبه في ذلك الوقت عبد ربه منصور هادي.

21 من نوفمبر 2012 انتخب عبدربه منصور هادي قائداً لسفينة اليمنية- حيث خاض غمار تلك الانتخابات بمفرده وبدعم من حزب الإصلاح الإسلامي- شكل الرئيس المنتخب حكومة وحدة وطنية, كما أقام حوار وطني مؤسسي وممثل من جميع الأطياف السياسية والمدنية في البلد.

لا تزال هذه الفترة الانتقالية مرادفا لانعدام الأمن, التدفق الهائل للأسلحة, توطيد تنظيم القاعدة في البلد, قمع الحوثيون الأقلية الدينية الزيدية, والتعريف بالنظام المؤسسي وسياسات ما بعد صالح: شكل الدولة وطبيعة النظام ومراجعة الدستور والإعداد للانتخابات القادمة.

إن الوحدة الوطنية تعتمد على نجاح إعادة التأسيس, حيث تحتفظ الحلقة الأخيرة في تاريخ اليمن بالقليل من خصوصية الدولة من قبل أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

عارض الحوثيون في العام 2014 الخطة الفيدرالية, التي كانت إحدى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل والذي كان يهدف إلى تقسيم اليمن إدارياً إلى سته أقاليم، ولكل إقليم حكومة وبرلمان- حيث تم استيعاب محافظة صعدة معقل للمتمردين الشيعة ضمن إقليم شاسع يمتدد نحو الجنوب.

وفقا لذلك، شن المتمردون الحوثيون هجومهم الذي قادهم في نهاية المطاف إلى بسط السيطرة على العاصمة صنعاء.

وفي مارس 2015، فر الرئيس هادي من اليمن, حيث وجد في المملكة العربية السعودية ملجأ له.

ومن جانبها, شكلت المملكة العربية السعودية تحالفاً عربياً بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية, حيث بدأ التحالف العربي بشن أولى عملياته العسكرية على اليمن, حيث جعلت هذه الغارات من البنية تحيته للبلد هدف نصب أعينها.

ومن جانبها, أدانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية العدوان العسكري على اليمن, الذي رأت فيه خطوة خطيرة.

ومرة أخرى وبعد سقوطه عاد الرئيس السابق صالح رسميا إلى اللعبة السياسية اليمنية في العام 2015, حيث انضم إلى المتمردون الحوثيون, حيث كان يسعى من ذلك التحالف استعادة السلطة.

توالت الأحداث وانتهى التحالف القائم بين الرئيس السابق صالح والمتمردون الحوثيون بعد أن غير صالح من موقفة وقرر الاقتراب من المملكة العربية السعودية مقابل رفع الحصار الذي كان في الأصل سبب وقوع البلد في شرك الأزمة الإنسانية.

ولا تزال قضية مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح أوائل ديسمبر من العام المنصرم موضع تساؤل.

واليوم، يكمن الخروج من الأزمة التي تعصف باليمن على توقف الجهات الفاعلة الداخلية, بالإضافة إلى القوى الإقليمية المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر في حيثيات الصراع المحتدم.

ومع ذلك، فإن معاناة الشعب اليمني لا يبدو أنها ستؤثر بشدة على القضايا الجيوسياسية لهذه “الحرب المنسية” …

* مدير البحوث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية.