السياسية || محمد محسن الجوهري*

في تركيا، يظهر الرئيس رجب طيب أردوغان كأحد أبرز الأمثلة على البراغماتية المدعومة من الغرب ولو على حساب الديمقراطية التي يتشدق بها العالم. فقد بدأ حكمه في بداية الألفية الجديدة بنجاح نسبي، مع تبني سياسات اقتصادية واجتماعية مكنت تركيا من النمو بشكل ملحوظ بدعمٍ وتسهيل أمريكي لمنافسة إيران. ولكن مع مرور الوقت، بدأ أردوغان في تعزيز سلطاته عبر تعديل الدستور، وتكميم الأفواه، وحصار الإعلام، وزيادة الضغط على المعارضين السياسيين. فضلاً عن ذلك، ظهرت ممارساته الاستبدادية بشكل أكبر بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، مما أتاح له الفرصة لفرض حالة الطوارئ وسحق المعارضة تحت مبرر "حماية الدولة".
ومن الملاحظ أن موقف أردوغان من القضية الفلسطينية قد تحوّل من خطاب حماسي إلى سياسات أكثر براغماتية. في البداية، كان يشدد على ضرورة دعم حقوق الفلسطينيين في كل المحافل الدولية، إلا أن المواقف التركية تراجعت بعد أن تبين أن تركيا تحت حكمه لم تسهم بشكل فعلي في دعم المقاومة الفلسطينية، بل كانت تسعى إلى إقامة علاقات اقتصادية وتجارية مع إسرائيل، الأمر الذي دفع الشعب التركي إلى اتهامه بممارسة "متاجرة" بالقضية الفلسطينية لأغراض سياسية.
ورغم الانتقادات الداخلية والخارجية، يظل أردوغان يتمتع بدعم الغرب، حيث تدعمه بعض القوى الغربية نتيجة المصالح المشتركة في المنطقة. تركيا تحت حكم أردوغان تعد عنصرًا استراتيجيًا في حلف الناتو، فضلاً عن دورها المهم في إسقاط سورية وحماية مصالح إسرائيل. هذا يفسر تردد الغرب في الضغط عليه بخصوص حقوق الإنسان أو الحريات، بل ويعتبرونه شريكًا ضروريًا في مواجهة التحديات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
الأنظمة الاستبدادية في الخليج العربي ليست أقل استبدادًا من نظيرتها في تركيا، حيث يتمتع العديد من الحكام بسلطات غير محدودة، مع قمع مستمر للمعارضة السياسية وحقوق الإنسان. وفي هذا السياق، تعتبر المملكة العربية السعودية نموذجًا آخر على هذا النمط، حيث يتمتع ولي العهد محمد بن سلمان بصلاحيات واسعة رغم انتهاكاته الموثقة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عدوانه على اليمن منذ العام 2015. ورغم هذه الفضائح، لا يزال الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، يواصل علاقاته الإستراتيجية مع الرياض، خصوصًا في مجالات الأمن والطاقة.
النظام الإماراتي أيضًا يمثل مثالًا آخر على التواطؤ الغربي مع الطغاة. فعلى الرغم من سجلها السيئ في حقوق الإنسان، لا سيما في اليمن حيث تدخلت عسكريًا في حرب دامية، تظل الإمارات شريكًا حيويًا للغرب، لا سيما في مجالات الاقتصاد والتجارة، فضلاً عن تحالفاتها العسكرية في المنطقة.
ما يجمع بين هذه الأنظمة هو إصرار الغرب على الحفاظ على مصالحه في المنطقة بغض النظر عن حقوق الشعوب. ففي الوقت الذي يسعى فيه المواطن العربي للحصول على حقوقه الأساسية من حرية، عدالة، وكرامة، تجد هذه الأنظمة نفسها محمية من قبل القوى الغربية التي ترى في استقرارها أولوية تفوق القيم الديمقراطية المزعومة. هذه المعادلة تُعزِّز استمرار الطغيان وتضعف الشعوب في المنطقة، حيث يجد المواطن نفسه في مواجهة مع أنظمة تجيد اللعب على الحبال السياسية في الداخل والخارج.
لا يمكن النظر إلى الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي بمعزل عن المصالح الغربية، التي غالبًا ما تتنافى مع القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. إذا كان الغرب يلتزم بمواقف متناقضة، ويُفضل استقرار الأنظمة الطاغية على حساب تطلعات الشعوب، فإن الواقع يُظهر بوضوح أن اللعبة السياسية الدولية تظل محكومة بالمصالح الاقتصادية والجيوسياسية أكثر من اهتمامها بحقوق الإنسان. والنتيجة هي أن الأنظمة الاستبدادية تستمر في الحفاظ على سلطاتها، بينما تظل الشعوب العربية تدفع الثمن من كرامتها وحريتها.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب