السياسية || محمد محسن الجوهري*

قبل العام 2011، كان الرئيس الأسبق ينسب نفسه إلى آل الأحمر، الأسرة الحاشدية الشهيرة، ومنها الجنرال علي محسن الأحمر، الذراع الأيمن لصالح، لكن مع تراجع شعبية الأخير لفساده وكثرة إجرامه، لم يكتف محسن بالانشقاق على زميل دربه، بل كشف للشعب اليمني أن صالح دعي لا ينتسب لآل الأحمر، وأنه معروف بلقب عفاش نسبةً إلى حصن عفاش الذي سكن فيه هو وأسرته كنازحين في فترة صباه.

وعلى الفور، نفذت الآلة الإعلامية التابعة لحزب الإصلاح حملات دعائية للتعريض بصالح وباسمه الحقيقي، وبأنه ادعى نسباً لا ينتمي إليه، وكان لقناة سهيل الإخوانية وأدوات أخرى الدور الأكبر في كيل الشتم والإهانة لعلي عبدالله صالح، وحتى تعمم في أوساط الناس الاسم الجديد له، "عفاش"، ومن هنا بدأن الناس يشيرون له بهذا الاسم واضطر هو للاعتراف به تحت وقع القذف والإهانة.

وكما هو معروف، فإن صالح ارتمى في أحضان أنصار الله عقب ثورة الشباب التي أجبرته على التنازل عن السلطة صاغراً، وكان يدرك أن تصفيته الجسدية وشيكة، وعلى يد جماعة الإخوان التكفيرية، والتي بدورها كانت تخشى من غدره المضاد، وشبقه الأبدي في السلطة، ومن هنا كان تحالفه مع الأنصار، وبالفعل أنقذه ذلك التحالف من مصير مماثل للقذافي وصدام حسين وغيرهم من الطغاة في عالمنا العربي.

ولكن عقدة الأصل ستظل تلازم صالح، وخلقت لديه شعوراً بالدونية والاحتقار تجاه الأسر ذي الحسب الشريف، ومن هنا كان غدره بالأنصار وانضمامه إلى تحالف العدوان السعودي – الإماراتي على اليمن، ولكن فشله في التمرد وكذلك فشله في الهروب من صنعاء كلفه حياته، لكن ابن أخيه طارق، نجح في الهروب متنكراً بزي امراة، وتاركاً أفراد أسرته خلفه بعد أن أمن عدالة أنصار الله بحقهم.

ولكن عقدة الأصل لم تفارق الأخير، وبدأ يصوبها تجاه أنصار الله، وتحول إلى كهف يأوي إليه أمثاله من أدعياء النسب وقليلي الأصل تحت راية دولة الإمارات التي لا تختلف عنهم كثيراً، وتسعى بكل طاقتها لإيجاد تاريخ افتراضي يضمن لها نسباً شريفاً بين الدول العربية.

ومن يتابع إعلام عفاش اليوم، فسيجده يتمحور حول هذه العقدة، والتحريض عليها، وكأن النسب الشريف جريمة، ولا غرابة في ذلك، فقد ترعرع في بيت الرذيلة والخمور، وحيث لا قيمة فيه للقيم الدينية والفطرية، وسيغلب أصله الوضيع على كل المبادئ النبيلة التي ينبغي أن يتحلى بها كل يمني، خاصة في هذه الوضعية التي تعيشها الأمة الإسلامية، والتي تتطلب توحيد الصفوف في مواجهة العدو الصهيوني في فلسطين، وكذلك في اليمن.

وهو بذلك يخطو خطى عمه علي عبدالله صالح الذي مثلت عقدة الأصل المحور الرئيسي في خطابه السياسي والإعلامي. لم يكن صالح يكتفي فقط بتشويه صورة خصومه السياسيين، بل كان أيضًا يسعى جاهدًا لاستغلال هذه العقدة في خلق هوة بين فئات المجتمع اليمني. كان دائمًا ما يحاول تحريض الناس ضد أنصار الله عبر توجيه انتقادات لاذعة للأسر ذات النسب الشريف والتاريخ العريق في اليمن، مروجًا لفكرة أن هؤلاء لا يستحقون المكانة التي يشغلونها في المجتمع. كان يصفهم في كثير من الأحيان بأنهم أعداء للتقاليد اليمنية الأصيلة، متهمًا إياهم بالتفوق الطبقي والاستعلاء على باقي الناس.

في حقيقة الأمر، كانت هذه الحملة الإعلامية بمثابة محاولة يائسة لتغطية ضعف أساسي في نفسه، ضعف يعود إلى نشأته في بيئة افتقرت إلى القيم الدينية والأخلاقية. صالح، الذي ترعرع في بيئة بعيدة عن القيم الفطرية والروحانية، حيث كانت السلوكيات المشبوهة والأخلاق الفاسدة جزءًا من ثقافته السياسية، كان دائمًا يشعر بالنقص بسبب ما اعتبره افتقارًا إلى نسب شريف. هذا الشعور بعدم الانتماء إلى أسرة ذات مكانة رفيعة في المجتمع اليمني كان يغذّي لديه شعورًا بالدونية. ولم يكن هذا الشعور يتوقف عند حدود نفسيته الخاصة، بل كان ينعكس على سياساته وتصرفاته. كانت عقدة الأصل تُرخي بظلالها على قراراته، وتدفعه للانصياع لتوجهات سياسية تخدم مصالحه الشخصية أكثر من المصلحة العامة.

وعلى الرغم من أن هذا الخطاب كان محورًا في سياسة صالح الداخلية والخارجية، إلا أنه في النهاية أسهم في زيادة الهوة بينه وبين الشعب اليمني، حيث أدرك كثيرون أن هذه الحروب على النسب كانت محاولة لصرف الأنظار عن قضايا أكبر تتعلق بالحقوق السياسية والاجتماعية للناس.
فبدلاً من التركيز على بناء اليمن كدولة تستند إلى المساواة والعدالة، حاول صالح وأتباعه إعادة صياغة المجتمع على أساس من التفوق والتمييز الاجتماعي على أسس عرقية ونسبية، وهو ما كان بعيدًا عن تطلعات الشعب اليمني في تلك المرحلة.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب