من قريش إلى المرتزقة.. الحق واحد والباطل لا مشروع له
السياسية || محمد محسن الجوهري*
للحق وجه واحد وللباطل وجوه كثيرة، لكنها - رغم كثرتها - لا تستند إلى أسس ثابتة في وجودها، فأهل الباطل لا يقدمون شيئاً للحياة سوى أنهم ضد الحق، وهذه سنة بشرية منذ القدم، إذ تقوم عقيدة أهل الشر على العناد ورفض الحق بكل الطرق والوسائل، ودوافعهم في ذلك كلها وضيعة ودنيئة، وقد تكون لأسباب شخصية أو مصالح ضيقة، لكن ليس في حياتهم مبادئ سامية يدافعون عنها.
وفي اليمن، لا يمتلك المرتزقة، رغم اختلاف مسمياتهم ودوافعهم، أي مشروع فعلي يقومون عليه، فهم ليسوا دعاة مدنية أو دين، وليس في مبادئهم أو إعلامهم أي ثوابت على الإطلاق، إذ ترتكز كل تحركاتهم وأنشطتهم على معاندة المشروع القرآني والدعوة إلى خلاف ما يدعو إليه، حتى في القضايا الكبرى التي لا تحتمل الخلاف، كالدعوة إلى تحكيم كتاب الله والاعتصام به، ورفض العقائد المنحرفة القادمة من خارجه، وكذلك في القضايا السياسية، وعلى رأسها قضية العرب الأولى، قضية فلسطين، فقد أثبت المرتزقة أنهم على استعداد للوقوف موقف الكافر المعاند على أن يشهدوا بصوابية المسيرة القرآنية ومشروعها، الذي أثبتت الأيام والأحداث مصداقيته وقوته في مواجهة أعداء الله.
ولك أن تتابع كل ما يصدر عن فصائل المرتزقة، سواء في حزب الإصلاح الإخواني أو العفافيش أو غيرهم، فلن تجد لهم أي مشروع فعلي أو فكر قائم على عقيدة راسخة، بل مجرد عناد واضح وصريح لكل ما يصدر عن أنصار الله. هذا هو دينهم وديدنهم، وعليه يسترزقون، رغم أنهم يعاندون صوت الحق والفطرة، وهم يعلمون ذلك، لكن "الظالمون بآيات الله يجحدون"، وهذه صفة ثابتة فيهم عبر الأجيال.
التاريخ مليء بالشواهد على أن أهل الباطل لا يملكون مشروعًا واضحًا أو قيمًا ثابتة. فعندما جاء النبي محمد ﷺ برسالة الإسلام، لم يكن كفار قريش يملكون حجة مضادة، بل كانت معارضتهم قائمة على رفض الحق بدوافع واهية؛ فتارة يرفعون راية العصبية القبلية، ومرة يزعمون الخوف على المصالح الاقتصادية، كما قال الله تعالى:
"وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا" (النمل: 14).
ورغم امتلاكهم المال والجند والقوة، إلا أنهم لم يستطيعوا الصمود طويلاً أمام الحق، وتبخرت كل سلطتهم في معركة بدر، التي شهدت تجمع أهل الحق تحت قيادة النبي ﷺ في مواجهة قوى قريش ومرتزقتها، وكانت ضربة قاصمة للباطل، حيث تغلبت قوة الحق على حق القوة، فليس أهل الحق بحاجة إلى المال أو الجيوش الضخمة بقدر حاجتهم إلى الإيمان والصبر على الصعوبات.
وفي التاريخ الإسلامي المحمدي أيضًا، واجه الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) في كربلاء جيشًا لم يكن لديه مشروع واضح سوى رفض العدالة التي حملها الحسين، وكان تحركهم بدافع السلطة والمصالح. وهذا ما اعترف به عمر بن سعد حين قال لبني أمية: "إني والله أعلم أن القتال معكم باطل، ولكنني أريد ملك الري".
أما في التاريخ المعاصر، نجد أن هذه القوى العميلة التي لا تحمل أي فكرة ثابتة تمثل وجهًا آخر من الباطل. على سبيل المثال، حزب الإصلاح الإخواني في اليمن كان قد أعلن في بداية الثورة ضد نظام عفاش مناصرةً للشعب اليمني، وها هو اليوم يتحالف تحت راية العدوان الخارجي على اليمن، لأنهم - ببساطة - لا يملكون عقيدة ثابتة سوى معاندة الحق وأهله. لذلك، انجروا خلف العدوان الخارجي، بل ذهبوا بعيدًا ليكونوا أدوات رخيصة بيد الصهاينة ضد الشعب اليمني المسلم.
في المقابل، نجد أن المسيرة القرآنية التي تبناها أنصار الله قامت على أسس ثابتة من العدالة والمساواة، إذ يؤمنون بضرورة تطبيق شريعة الله في الأرض، والدعوة إلى تحرير فلسطين باعتبارها قضية الأمة الأولى. وعلى الرغم من الضغوط السياسية والإعلامية، ظلوا ثابتين في مواقفهم، فكانوا من أوائل المدافعين عن القضية الفلسطينية، مما دفعهم إلى تقديم الدعم العسكري والسياسي للمقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
في المقابل، نجد أن قوى المرتزقة لا ترى في القضية الفلسطينية سوى مجالٍ للمزايدة السياسية، إذ يضطرون اليوم للوقوف في صف التطبيع مع الكيان الصهيوني لتحقيق مصالح خاصة.
وأخيرًا، مهما حاول الباطل أن يتلون بوجوه متعددة، فإنه لا يلبث أن يزول، كما قال الله تعالى:
"بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ" (الأنبياء: 18).
فحتى وإن بدا أن للباطل وجوهًا متعددة، فإن الحقيقة في النهاية تبقى هي المنتصرة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب