السياسية || محمد محسن الجوهري*


إذا كانت الأمم المتحدة قد قبلت بكل الرعب الدموي في قطاع غزة، وتركت المدنيين هناك يواجهون الموت بكل أشكاله والإبادة الجماعية، بما فيها الموت جوعاً، فما قيمة وجودها في سائر العالم، وعن أي حقوق إنسان تتحدث وهي من تتجاهل الإجرام الصهيوني بكل دمويته!؟

إن حديث المنظمات الإنسانية عن الحقوق والحريات ليس سوى تجارة بضاعتها "الإنسان"، ولو أن هناك منظمات أممية معنية بحقوق البشر، لما تجرأت على ترك غزة ومآسيها وذهبت للحديث عن حقوق المثليين والمرأة وغيرها من العناوين الكاذبة، وقد أثبتت غزة حقيقة الجميع، بما فيها المنظمات الإنسانية المزعومة، وأثبتت أن تجارة "حقوق الإنسان" لا تختلف كثيراً عن تجارة العبيد من حيث المضمون والقيمة الإنسانية.

ومن العجيب أن المنظمات الأممية التي تدعي العمل على تحسين أوضاع الإنسان في جميع أنحاء العالم، نجدها أكثر نشاطاً في مناطق أخرى حيث تكون القضايا أقل تعقيداً وأكثر توافقاً مع مصالح الدول الكبرى. فبدلاً من التركيز على القضايا الإنسانية في غزة، نجد أن هذه المنظمات تنفق جهداً وموارد في قضايا مثل حقوق المثليين أو حقوق المرأة في دول ليست في صراع مسلح، متجاهلةً بشكل فاضح أولوية الأزمات الحقيقية مثل الإبادة الجماعية في غزة، هذه المواقف تُبرز التناقض الكبير في الخطاب الأممي، والذي يركز على حقوق الإنسان في أماكن لا تعيش فيها شعوبها أزمات وجودية كما هو الحال في فلسطين.

ومن الأمثلة المثيرة للدهشة، أن الأمم المتحدة تتعامل مع أزمات غزة بشكل يختلف عن تعاملها مع الأزمات في مناطق أخرى من العالم. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك تدخل دولي في مناطق مثل أوكرانيا أو سورية، نجد أن الأمم المتحدة تتخذ مواقف أكثر حسماً وتضع ضغوطاً على الأطراف المتنازعة. أما في حالة غزة فإن المواقف الأممية تقتصر على التصريحات العامة أو الدعوات الموجهة للطرفين لوقف الأعمال العدائية، دون أن تتحمل مسؤولية فعلية في حماية المدنيين أو فرض عقوبات على المعتدي.

ولا يقتصر الأمر على الأمم المتحدة، فالمنظمات الأخرى مثل الصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية التي تفترض أن مهمتها هي حماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، لا تجرؤ على انتقاد "إسرائيل" أو حتى اتخاذ خطوات ملموسة للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين في غزة. وعندما يتم الحديث عن حقوق الإنسان، تبدو هذه المنظمات أكثر انشغالاً بتوسيع نفوذها السياسي والإعلامي، بدلاً من العمل الجاد لتحقيق العدالة الإنسانية في أماكن حروب دموية مثل غزة.

إن القضية الفلسطينية، ولا سيما مأساة غزة هي اختبار حقيقي للمجتمع الدولي. وعندما نتحدث عن حقوق الإنسان لا يمكن أن نغض النظر عن معاناة ملايين المدنيين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحصار والتهديد المستمر بالقتل. وإذا كانت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية جادة في حماية حقوق الإنسان، يجب عليها أن تكون أكثر فعالية في مواجهة الجرائم الموثقة، بدلاً من الاستمرار في الخطاب السياسي الفارغ الذي لا يؤدي إلى نتيجة ملموسة.



* المقال يعبر عن رأي الكاتب