الإمارات و"إسرائيل": حفاوة استقبال تُرسّخ الشراكة
السياسية || جميل القشم*
بينما تتوالى الردود الدولية الساخطة الرافضة لمخططات تهجير الفلسطينيين قسرا من أرضهم، تتفاخر الامارات باستقبال السفير الجديد لـ"إسرائيل" في أبوظبي، وكأنها تقول للعالم: نحن اليوم ننتقل من التطبيع الى الشراكة العلنية في ارتكاب الجرائم والمجازر وحرب الابادة والتطهير العرقي في غزة"، في توقيت فاضح لا يمكن فصله عن المشهد الدموي الذي ترسمه آلة الحرب الصهيونية في غزة والضفة والداخل الفلسطيني المحتل.
لطالما اعتادت بعض الأنظمة العربية اللعب على الحبال، فتمارس "التطبيع الصامت" تحت الطاولة بينما ترفع شعارات التضامن مع فلسطين في العلن، لكن هذه الحقبة انتهت، لم يعد التطبيع مجرد اتصالات خلف الكواليس، أو اتفاقيات توقع في العتمة، بل صار علنيا، احتفاليا، وفي أسوأ توقيت ممكن، وكأنه رسالة إلى الاحتلال بأن لديه شركاء لا يكتفون بالمهادنة، بل يدعمون مشروعه السياسي والاستيطاني بشكلٍ مباشر.
الحفاوة باستقبال سفير جديد لـ"إسرائيل" في أبوظبي اليوم، في الوقت الذي يتحدث فيه قادة الاحتلال عن خطط تهجير جماعي للفلسطينيين، ليس مجرد صدفة دبلوماسية، بل تأكيد على أن بعض الأنظمة العربية لم تعد ترى في القضية الفلسطينية عائقا، بل باتت ترى في الاحتلال الإسرائيلي شريكا استراتيجيا يجب تعزيزه وتقويته.
لم يعد التطبيع مجرد علاقات شكلية، بل تحول إلى ما هو أبعد من ذلك: احتضان سياسي واقتصادي وثقافي لكيان استعماري يمارس التطهير العرقي، لم تعد بعض العواصم تكتفي بفتح أبوابها للزيارات السرية أو العلاقات الاقتصادية الخجولة، بل باتت تنظم احتفالات رسمية، تستقبل فيها ممثلي الاحتلال بالأحضان، بينما لا تزال جثث الأطفال الفلسطينيين تحت الأنقاض.
السؤال الجوهري هنا: أي رسالة توجه إلى الفلسطيني الذي يحاصر ويقتل ويهجر؟ وأي رسالة تصل إلى الصهاينة وهم يرون أن بعض العرب لا يكتفون بالصمت، بل باتوا يقدمون الغطاء الدبلوماسي لمشاريع الاحتلال؟
حين يتساءل البعض عن سبب صلافة نتنياهو ووقاحته في الحديث عن تهجير الفلسطينيين، لا يحتاجون إلى البحث بعيدا. الإجابة واضحة: هو يرى كيف تهرول بعض الأنظمة العربية نحوه، حتى في أكثر لحظات إجرامه دموية وفجورا. كيف له أن يشعر بأي ضغط لإنهاء الاحتلال، وهو يشاهد من كانوا يوما أعداء لـ"إسرائيل" يتسابقون إلى كسب ودها؟!
لقد بات التطبيع في صورته الحديثة أكثر قبحا من أي وقت مضى، لم يعد مجرد "علاقات طبيعية" بين دول، بل صار شراكة فعلية في الجريمة، شراكة في تهويد القدس، وفي تجريف الضفة، وفي إبادة غزة، وفي محو الوجود الفلسطيني من الخارطة.
قد يظن البعض أن بإمكانهم خداع الشعوب، وأن الصفقات والاتفاقيات الدبلوماسية يمكن أن تنسى الأجيال القادمة من هم الأعداء ومن هم المتواطئون، لكن التاريخ له ذاكرة حادة، لا تنسى، ولا تتهاون.
في يوم من الأيام، ستفتح دفاتر الحساب، وستسأل العواصم التي استضافت سفراء الاحتلال عن دماء الفلسطينيين التي سالت خلال مراسم الاستقبال، سيسألهم التاريخ: أين كنتم حين كانت غزة تحترق؟ أين كانت مواقفكم عندما كان الاحتلال يسن قوانين التهجير؟!
أما الشعوب، فإنها قد تصمت لبعض الوقت، لكنها لا تغفر، فهي التي أسقطت إمبراطورياتٍ وقلبت أنظمة، وهي التي تدرك جيدا أن كل من يضع يده في يد الاحتلال، إنما يبيع نفسه قبل أن يبيع قضيته.
الحفاوة بتثبيت سفيرٍ جديد لـ"إسرائيل" في أبوظبي ليس مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل هو إعلان اصطفاف واضح، هذا ليس مجرد تعزيز للعلاقات، بل هو خطوة جديدة في مشروع يراد له أن يكون بديلا عن فلسطين، وعن حقها، وعن وجودها.
لكن مهما توسعت دائرة المطبعين، ومهما اشتدت الضغوط لتصفية القضية، فإن الحقيقة الثابتة هي أن فلسطين لن تمحى، وأن الشعوب الحرة لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب