شبكة الجزيرة وإذكاء الصراعات الطائفية في العالم العربي
السياسية || محمد محسن الجوهري*
منذ تأسيسها عام 1996، رفعت قناة الجزيرة شعار الرأي والرأي الآخر، وروّجت لنفسها كمنبر حر يكسر احتكار الإعلام الرسمي في العالم العربي. لكن مع مرور الوقت، كشفت القناة القطرية عن توجهاتها الأيديولوجية، حيث لم تكتفِ بنقل الأحداث بل ساهمت في توجيهها، متبنيةً أجندات سياسية واضحة، كان من أخطرها إذكاء الصراعات الطائفية في العالم العربي، عبر تغطيات إعلامية منحازة وخطاب تحريضي ساهم في تأجيج الأزمات بدلاً من تهدئتها.
لعبت الجزيرة دوراً بارزاً في تغذية الانقسام الطائفي من خلال تضخيم الخلافات المذهبية وإعطائها أبعاداً سياسية خطيرة، خصوصاً في العراق وسورية ولبنان واليمن. ففي العراق، ساهمت القناة في ترسيخ خطاب الكراهية الطائفية بعد سقوط نظام صدام حسين، عبر استضافة شخصيات دينية وسياسية معروفة بتوجهاتها التحريضية، وتقديم تغطيات إعلامية منحازة عززت حالة الاستقطاب بين السنة والشيعة. لم تكن القناة مجرد ناقل للأحداث، بل كانت طرفاً في الصراع، حيث ركزت على جرائم طائفة معينة وتجاهلت الأخرى، ما ساهم في تأجيج العداء وإذكاء نار الفتنة.
أما في سورية، فقد تبنت الجزيرة خطاباً تصعيدياً منذ اندلاع الاحتجاجات عام 2011، وحوّلت نفسها إلى منصة لتأجيج الصراع الطائفي، عبر تصوير الأزمة بأنها مواجهة بين طائفة مظلومة وأخرى مستبدة، متجاهلة تعقيدات المشهد السوري وتعدد مكوناته. لم تكتفِ القناة بذلك بل فتحت أبوابها للفتاوى التحريضية التي صبّت الزيت على النار، وساهمت في جرّ البلاد إلى حرب أهلية طاحنة كانت الطائفية أحد أبرز وقودها.
في لبنان، تعاملت الجزيرة مع المشهد السياسي من زاوية مذهبية بحتة، حيث دعمت أطرافاً على حساب أخرى، وروّجت لخطاب معادٍ لفريق سياسي معين، مما أسهم في تكريس حالة الانقسام بين اللبنانيين. أما في اليمن، فقد لعبت القناة دوراً مزدوجاً، حيث تبنّت خطاباً متقلباً يخدم أجندات سياسية معينة، تارةً تؤجج الصراع بين الفرقاء اليمنيين، وتارةً أخرى تدعو للحوار، وفقاً للمصالح التي تخدم سياسات داعميها.
ورغم أن الجزيرة ترفع شعار المهنية والحياد، إلا أن تغطياتها للأحداث الطائفية أثبتت أنها ليست مجرد وسيلة إعلامية، بل أداة سياسية لها أهدافها الخاصة. فمن خلال انتقائية المواضيع واختيار الضيوف وطريقة صياغة الأخبار، نجحت القناة في تكريس الانقسام المذهبي في العالم العربي، وتعزيز الاستقطاب بشكل يخدم أجندات الفوضى بدلاً من الاستقرار.
لا شك أن الإعلام سلاح ذو حدين، ويمكن أن يكون أداةً للبناء أو للهدم. لكن ما قامت به الجزيرة في العالم العربي يجعلها أقرب إلى أداة تأجيج للصراعات، حيث لم تسهم في تقريب وجهات النظر، بل لعبت دوراً رئيسياً في تكريس خطاب الكراهية، وتقديم الإعلام كمنصة للتحريض بدلاً من أن يكون وسيلةً للتنوير والتثقيف. وفي ظل التحديات الكبرى التي تواجه المنطقة، كان الأجدر بوسائل الإعلام الكبرى أن تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية والتعايش السلمي، بدلاً من أن تكون طرفاً في صناعة الفتنة وإشعال الحروب التي لا رابح فيها سوى أعداء الأمة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب