حزب الإصلاح: المتاجرة بالثوابت وزراعة العداوات داخل المجتمع اليمني
السياسية || محمد محسن الجوهري*
حاول حزب التجمع اليمني للإصلاح -كثيراً- أن يظهر نفسه في صورة المدافع عن الإسلام وقضايا الأمة، لكنه في الواقع استغل الدين لأغراض سياسية ضيقة، متلاعبًا بالشعارات الدينية لخدمة أهدافه الخاصة والتآمرية.
منذ تأسيسه، كان الحزب يستخدم الدين كأداة للهيمنة على الساحة السياسية، بينما كان يمارس سياسة تفرقة وزرع الفتن داخل المجتمع اليمني، وما جعل الأمر أكثر تعقيدًا هو استخدامه للقضية الفلسطينية كوسيلة للدعاية السياسية دون تقديم أي دعم فعلي لها. لكن ما يغفله الكثيرون هو أن هذا الحزب قد أصبح جزءًا من معادلة الانقسام في اليمن، حيث زرع العداوات بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، ليس لتوحيد الشعب، بل لتقسيمه حسب ما يخدم مصالحه.
في مشهد معقد بين السياسة والدين، أصبح حزب الإصلاح نموذجًا للاستخدام الانتقائي للدين في سياقاته السياسية. إذ يقوم الحزب بتسخير المنابر الدينية، سواء عبر المساجد أو وسائل الإعلام، لترويج أفكار تنمي شعورًا دينيًا زائفًا، حيث يستخدم الدين كوسيلة للهيمنة على العقول. هو لا يقتصر على رفع شعارات الدفاع عن الإسلام، بل يتحوّل إلى أداة لتوجيه الاتهامات لخصومه، وشيطنتهم بشكل دائم عبر تحريف الفتاوى وتوظيفها لخدمة أهدافه، وفي الوقت ذاته يقوم بممارسات منافية تمامًا للتعاليم الإسلامية، كالتلاعب بالموارد العامة وتوسيع الفساد في المؤسسات التي يسيطر عليها، وهو ما يجعل خطابه الديني غير جدير بالثقة.
من أبرز أدوات حزب الإصلاح في استراتيجياته السياسية هي المتاجرة بالقضية الفلسطينية. صحيح أن الحزب يرفع شعارات الدعم لفلسطين ويتحدث عن "تحرير القدس"، لكن الواقع يكشف عن تناقض كبير بين شعاراته وأفعاله. يستخدم الحزب القضية الفلسطينية كوسيلة للفت الأنظار، مستغلاً العواطف الشعبية والتعاطف العربي مع الفلسطينيين، ولكنه لا يقدم لهم أي دعم حقيقي. في الوقت الذي يتحدث فيه عن القضية الفلسطينية، يسعى جاهدًا للحصول على مكاسب سياسية داخلية وخارجية عبر استغلال هذه القضية، محاولًا جعلها ورقة ضغط لتحقيق مصالحه، ولا يتردد في التخلي عنها عندما لا تخدمه سياسياً.
تجلت هذه المتاجرة بأوضح صورة في محاولاته المستمرة لربط خصومه بشيطنة "العمالة للصهاينة"، بينما هو نفسه يقيم تحالفات مشبوهة مع أطراف دولية تخدم مصالحه الضيقة، دون أن يعير اهتمامًا حقيقيًا للقضية الفلسطينية.
قد تكون أخطر سياسات حزب الإصلاح هي استثماره في زرع الأحقاد وزيادة الانقسامات داخل المجتمع اليمني. فمنذ وصوله إلى السلطة، لا يكف الحزب عن إشعال فتيل الصراعات بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية في البلاد. وبدلًا من أن يسعى لتحقيق الوحدة الوطنية، يعمل الحزب على تفكيك التحالفات السياسية التي لا تخدم مصالحه. فقد جعل من الانقسامات الأيديولوجية والمناطقية أداة لتحقيق أهدافه، ليحافظ على موطئ قدم له في الساحة السياسية.
من خلال التحريض المستمر على الكراهية وتغذية مشاعر العداء، يسعى الحزب إلى تقسيم الشعب اليمني على أسس طائفية وقبلية ومناطقية. وقد نجح في توظيف هذه الانقسامات لتحقيق مكاسب آنية، عبر التفريق بين القوى المناهضة له وفرض هيمنته على المجتمع.
تُظهر ممارسات حزب الإصلاح تناقضًا صارخًا بين خطابه الديني والممارسات السياسية. من جهة يرفع الحزب شعار "دعم الإسلام"، لكنه في الواقع يستخف بمبادئ الدين الحقيقية عندما تقتضي مصالحه ذلك. يصف خصومه دائمًا بالخيانة والعمالة، ويتنكر لهم تحت غطاء ديني يهدف إلى استمالة الأنصار وتعزيز سلطته. في الوقت ذاته يلجأ إلى تحالفات مشبوهة مع أطراف دولية وإقليمية لا علاقة لهم بالقيم الدينية التي يزعم الحزب تمثيلها.
يستخدم الحزب الفتاوى الدينية في صالحه، مُحرّفًا بها الأحكام الشرعية حسب المواقف التي يخوضها، إذ يجعلها مسوغًا له لشيطنة خصومه أو لتبرير قراراته السياسية والعسكرية، متجاهلاً تمامًا تعاليم الإسلام التي تدعو إلى العدل والمساواة.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن حزب الإصلاح قد أصبح جزءًا من المعادلة المعقدة التي ساهمت في تقويض استقرار اليمن. هو ليس فقط حزبًا انتهازيًا يستخدم الدين لتحقيق أهدافه، بل هو أيضًا جزء من الأزمة التي يعاني منها الشعب اليمني اليوم. بينما يدّعي الدفاع عن القضايا الوطنية والإسلامية، نجد أن سياساته وممارساته تزرع الفتن وتعمق الانقسامات داخل المجتمع، سواء عبر استغلال القضية الفلسطينية أو من خلال زرع العداوات بين المكونات المختلفة. إن فضح هذا التلاعب والانتقائية في الخطاب السياسي والديني يُعد مسؤولية جماعية، لوقف هذا الاستغلال وتحقيق الاستقرار والعدالة في البلاد.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب