السياسية ـ وكالات:

لم يكن إدمان الجنود الأميركيين خلال الحرب العالمية الثانية على لعبة الكلمات المتقاطعة نابعاً من فراغ، فهي بإجماع المتخصصين تنمي الذكاء وترفع الروح المعنوية للجنود إلى جانب تسليتها المفيدة والاستفادة من أوقات الفراغ والقضاء على الملل.

ووزعت وزارة الدفاع الأميركية على ملايين من جنودها كتب الكلمات المتقاطعة لتكون رفيقتهم إلى جانب الشوكولاتة في خنادق معارك الحرب العالمية الثانية. وكان ذلك بعد أكثر من 30 سنة على اكتشاف تلك اللعبة الذهنية على يد ابن مدينة ليفربول البريطانية الصحافي آرثر وين، حين وضع أول لغز للكلمات المتقاطعة في قسم الترفيه بجريدة “نيويورك وورلد” بعد استقراره في ولاية نيو جيرسي الأميركية.

لعبة “الساحات السحرية”

ونشرت الجريدة أول لغز من الكلمات المتقاطعة، الأحد 21 ديسمبر (كانون الأول) عام 1913، بعد طلب رئاسة تحريرها من وين أن يخترع لعبة جديدة لقسم الترفيه.

واعتمد وين في صياغة أحجية الكلمات المتقاطعة على لعبة “الساحات السحرية” التي ظهرت في مدينة بومبي الإيطالية، حيث كان يعطى اللاعب مجموعة كلمات ويقوم بترتيبها على شبكة لتكون مقروءة. وتقوم أحجية الكلمات المتقاطعة على إعطاء لاعبها أدلة على الكلمة وعدد أحرفها ووضعها في مربعات أفقية وعمودية.

وحقق أول كتاب للكلمات المتقاطعة نجاحاً فورياً مع نشره عام 1924، وساعد ذلك الكتاب على تأسيس عملاق النشر دار “سايمون أند شوستر” التي تستمر في إنتاج كتب الكلمات المتقاطعة حتى اليوم. وأصبح لتلك الأحجية محررون متخصصون وكتب شهرية ومؤتمر سنوي عالمي خاص بها يجتمع فيها متخصصون وهواة، حتى أنه ظهرت قواميس خاصة بها تساعد في حل الكلمات المتقاطعة. وبعد 50 سنة من وضعها، دخلت برامج الحاسوب على الخط لإنشاء الكلمات المتقاطعة عام 1997، قبل أن يتم إنتاج تطبيقات خاصة لحلها على الحواسيب والهواتف المحمولة.

تنمي الذكاء

لكن كاتب الكلمات المتقاطعة في جريدة “نيويورك تايمز” بيل شورتز أشار إلى أن استخدام برامج الحاسوب في وضع اللعبة “لا يضفي الروح الإنسانية والمرح واللطف على الكلمات الإلكترونية المتقاطعة”.

وقال شورتز إن عمله في قسم الكلمات المتقاطعة يعتمد على جهاز تحرير يستقبل اقتراحات القراء، ويقدم الاقتراحات، ويراجع الأسئلة والأجوبة، قبل أن يرسل المسابقة إلى أشخاص عديدين للتأكد منها، وإرسالها في المرحلة الأخيرة إلى المطبعة.

وأجمع الباحثون على أن “اللعبة تنمي ذكاء لاعبيها، وتزيد من معلوماتهم، وتجعلهم أكثر اطلاعاً على المصطلحات المستخدمة، وتساعد على الاسترخاء ومواجهة مرض الزهايمر أو الحد من خطورته”.

وقالت دراسة لمعهد الصحة الوطني في الولايات المتحدة الأميركية إن الكلمات المتقاطعة والقراءة تساعدان على مواجهة ألزهايمر، مشيرة إلى أن “الرياضة الذهنية تحفز الدماغ وتساعده على مواجهة تقلصه مع التقدم في السن”.

التطورات التكنولوجية

فالكلمات المتقاطعة مصدر رئيس للمعرفة، والإنسان يفقد ما لا يستعمله، ويخسر من ذاكرته إذا لم تستعملها.

وربط مارك رومانو في كتابه “رحلة إلى داخل إدمان الأميركيين الكلمات المتقاطعة” بين ممارسة ملايين الجنود الأميركيين لعبة الكلمات المتقاطعة خلال الحرب العالمية الثانية وبين انتشارها في القارة الأوروبية.

واليوم لا تكاد تخلو جريدة حول العالم من تلك اللعبة الذهنية، في ظل إقبال كبير عليها ظاهره الترفيه، لكنه يخفي الرغبة في تنشيط الذاكرة وتقويتها. ونظراً إلى الإقبال الكبير عليها، ومع التطورات التكنولوجية والعزوف عن الجرائد الورقية، أتاحت شركات البرمجة تطبيقات خاصة باللعبة على مواقع الإنترنت لتكون موجودة على الهواتف الذكية والألواح الإلكترونية.

وتلقى لعبة الكلمات المتقاطعة إقبالاً كبيراً من كبار الشخصيات العامة حول العالم بينهم رؤساء دول ووزراء ورياضيون وفنانون.

ولم يكن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون يحرص على حل الكلمات المتقاطعة فقط، إلا أنه أصبح منذ عام 2007 يعمل على كتابة تلك اللعبة في جريدة “نيويورك تايمز”. ووصل حب كلينتون للكلمات المتقاطعة إلى درجة الإدمان بخاصة بعد خروجه من البيت الأبيض، وقد أرجع ذلك إلى تقدمه في السن قائلاً، “أخاف من أمراض الشيخوخة”.

واعتاد وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، لعب الكلمات المتقاطعة قبل النوم، إضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير الذي اعتاد على لعبها.

ويعد نجم كرة القدم البرازيلي بيليه من هواة اللعبة، وذلك لأنها تمنحه “الإحساس بالاسترخاء التام وصفاء الذهن والسباحة في عالم المعرفة والثقافة”.

وتعد الكاتبة الأميركية والناشطة السياسية هيلين كيلر من أبرز عشاق لعبة الكلمات المتقاطعة على رغم أنها عمياء وصماء وبكماء، إذ كانت تشتري الكلمات المتقاطعة بطريقة “برايل” وتقوم بحلها بنجاح.