السياسية:

بطبق الكباب التركي الشهير، استهل السيناتور الأمريكي جيفري فليك حياته الجديدة في أنقرة التي سيشغل فيها منصب السفير الأمريكي الجديد لدى تركيا للسنوات القادمة.

ففي أحد مطاعم أنقرة الشهيرة، تناول السفير الأمريكي الجديد بصحبة زوجته شيريل وجبته الأولى في تركيا؛ التي عقّب عليها باللغة التركية قائلاً: إنها وجبة عظيمة، فيما أضافت زوجته شيريل أنها لذيذة للغاية.

لكن لذة الطعام التي أشاد بها السفير الأمريكي الجديد لدى أنقرة تتصادم مع علاقات متوترة منذ سنوات بين البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي، وذلك منذ نهايات عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

فماذا يعني تعيين هذا السفير؟ وما التوقعات حول العلاقات التركية الأمريكية مع تسلمه المنصب الدبلوماسي الأمريكي الأبرز في تركيا؟

خبرة أقل بالشرق الأوسط

على عكس سلفه السفير الأمريكي السابق في تركيا ديفيد ساترفيلد الذي شغل مناصب عديدة في الشرق الأوسط منذ عام 1980، يفتقر فليك لمثل هذه التجربة والخبرة في الشرق الأوسط.

فقد عمل جيف فليك (58 عاماً) عضواً عن الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا بين عامي 2013 و2019، وقبلها عضواً في مجلس النواب منذ عام 2001 وحتى عام 2013.

وقبل ذلك عمل فليك في سنوات شبابه مديراً لمؤسسة الديمقراطية لناميبيا خلال استقلال ناميبيا عن جنوب إفريقيا. وبعد عودته من هناك، تقلد منصب المدير التنفيذي لمعهد غولد ووتر في أريزونا، وهو وحاصل على درجات علمية في العلاقات الدولية والعلوم السياسية من جامعة بريغهام يونغ.

وفي سياق تعليقه على قرار تعيينه، حاول فليك تعزيز الرسائل الإيجابية حول العلاقات التركية الأمريكية قائلاً: “في ضوء الأهمية الاستراتيجية لعلاقة الولايات المتحدة مع جمهورية تركيا، حليفتنا منذ وقت طويل في حلف شمال الأطلسي، أتشرف وأعتز بالثقة التي أولاني إياها الرئيس بايدن بهذا التعيين في منصب السفير”.

وأضاف: “السفارة مهمة بالغة الأهمية في وقت مهم لكلا البلدين”، موضحاً أنه يتطلع هو وزوجته إلى التعرف على شعب تركيا الاستثنائي.

وأضاف فليك في بيان: “بعد خدمتي في مجلسي النواب والشيوخ، أدرك وأقدر دور الكونغرس في السياسة الخارجية، وأتطلع إلى الشراكة”.

بالنظر إلى هذه الإيجابية المعلنة من قبل السفير الجديد؛ تتعاظم قدرة البلدين على ترتيب العلاقات بينهما، بحسب السفير التركي السابق لدى دولة قطر فكرت أوزار.

إذ يرى أوزار وجود احتمالية كبيرة لأن يلعب فليك بخبرته دوراً أكبر من سلفه ساترفيلد، في ظل الرغبة الأمريكية المتواصلة بالاستفادة من القوة التركية في أفغانستان وفي الملفات الأخرى المشتركة بين البلدين.

فالعلاقات التركية الأمريكية راسخة ومتشابكة منذ عقود طويلة، لكن قوتها تختلف من وقت لآخر حال تعارض مصالح الطرفين؛ بحسب الدبلوماسي التركي السابق؛ الذي أضاف في حواره مع “عربي بوست” أنه يتمنى أن يكون السفير الجديد وسيلة لتحسين العلاقات بين البلدين؛ خاصة أن وظيفة السفراء الأساسية هي تعزيز العلاقات وليس الهدم، بحسب الدبلوماسي التركي السابق.

وأضاف السفير التركي السابق؛ أن هناك حالياً مساحات تقاطع كبيرة بين تركيا وأمريكا؛ بسبب التدخلات الأمريكية في شمال سوريا والعراق وشرق المتوسط؛ حيث المساحة الاقتصادية لتركيا. إضافة لإنشاء واشنطن 17 قاعدة عسكرية في اليونان؛ إحداها على بُعد 24 كيلومتراً من الحدود التركية.

وتمنى أوزار أن يرى السفير الأمريكي الجديد الحقيقة بنفسه من واقع معايشته للشعب التركي، وينقل هذه الصورة الصحيحة إلى الإدارة الأمريكية؛ بأن الشعب التركي صديق للشعب الأمريكي وأن تركيا حليف وفيّ لأمريكا، والتاريخ يشهد على ذلك وأن المشكلات القائمة بين البلدين يمكن حلها وتجاوزها حال توافرت الإرداة الحقيقة لذلك.

ثلاث قضايا خلافية
خلال مشاركته في المؤتمر السنوي العشرين للجمعية الإسلامية الأمريكية – والدائرة الإسلامية في أمريكا الشمالية (MAS-ICNA) لعام 2021 التي عقدت في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي الأمريكية، قال متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن إن أنقرة بعثت برسالة إلى واشنطن بشأن إنشاء وتشغيل آلية تتعلق بمعالجة القضايا الخلافية في العلاقات بين البلدين، وبشأن المسائل التي اتفق عليها الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي جو بايدن.

وذكر قالن أن العلاقات التركية الأمريكية متجذرة ولها تاريخ طويل، وأن البلدين حليفان في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، إلا أن تلك العلاقات تنأى من حين لآخر عن روح التحالف بسبب تجاهل واشنطن للمصالح الوطنية التركية، على حد قوله.

وأوضح أن هناك ثلاث قضايا رئيسية تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية وتضر بها، أولاها قيام الإدارة الأمريكية منذ عهد الرئيس باراك أوباما بدعم التنظيمات الإرهابية مثل “ب ي د” و”ي ب ك”.

وذكر أن القضية الثانية، تتعلق بمنظومة الصواريخ الروسية “إس 400” وعقوبات “كاتسا” المفروضة على تركيا، في إطار قانون مكافحة خصوم الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن تركيا واجهت ممارسات غير عادلة وغير قانونية في إخراجها من برنامج الطائرة المقاتلة “إف 35”.

والقضية الثالثة، تتعلق بعدم اتخاذ الولايات المتحدة خطوات ملموسة مرضية بشأن تنظيم “غولن” الإرهابي، وهو ما يشكل نقطة خلاف رئيسية في العلاقات بين البلدين، بحسب المتحدث.

السفير الأمريكي الجديد والخلافات
بحسب الكاتب التركي عبد الله مراد أوغلو، فإن السفير الأمريكي الجديد يمكنه المساعدة في تجاوز هذه الخلافات، خاصة أنه يتميز بالتوازن إلى حد كبير مثل سلفه ديفيد ساترفيلد، وذلك مقارنة بسلفهما جون باس، الذي أطلقت عليه الصحافة التركية سفير التدخلات الأمريكية في شؤون تركيا الداخلية، بسبب تدخلاته في القضاء التركي وعدم تعليقه على محاولة الانقلاب في 2016 إلا بعد 3 أيام على حدوثها.

وإن كان اختيار بايدن الديمقراطي للجمهوري جيفري فليك سفيراً في أنقرة بمثابة مكافأة لفليك الذي كان من أبرز المنتقدين لترامب من داخل الحزب الجمهوري، لكن ذلك قد يمثل أيضاً انسجاماً مع المزاج التركي بالنظر إلى أن العلاقة مع السفراء الديمقراطيين لم تكن جيدة، بحسب مراد أوغلو.

وسجَّل فليك عدة مواقف تجعل صانع القرار في أنقرة ينظر بإيجابية أيضاً إلى تعيينه، ومن بين هذه المواقف عدم تأييده للاعتراف بأحداث 1915 بأنها أحداث إبادة للأرمن قبل إقرارها مؤخراً من قبل الكونغرس الأمريكي.

كما أن فليك لم يصوت ضد بيع طائرات F-35 الأمريكية لتركيا، وبالإضافة إلى ذلك رفض فليك الحظر الذي أعلنه ترامب على السفر من بعض الدول الإسلامية، ووصف ترامب بأنه ديكتاتور مثل ستالين.

ويعتبر الكاتب التركي عبد الله مراد أوغلو أن إتيان بايدن بسفير ليس له تجربة في الشرق الأوسط ولديه خبرة وتجربة كبيرة في المؤسسة الأمريكية، يشير إلى أن سياسة بايدن العامة تجاه الشرق الأوسط ليست بالألولوية الكبيرة.

لكن قرار تعيين فليك بحسب- مقال الكاتب التركي بصحيفة يني شفق التركية- يحمل حتى الآن رسالة تهدئة وتحسين لأجواء العلاقات مع تركيا.
عربي بوست