السياسية:

كان يقال قديماً حول حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي، إنه هو التحالف العسكري الوحيد الذي هاجم نفسه، وذلك بعد أن زحفت دباباته إلى براغ عاصمة التشيك في عام 1968 لسحق حركة الإصلاح هناك. لكن مع نشر قوات من “منظمة معاهدة الأمن الجماعي” التي تقودها روسيا إلى كازاخستان يوم الخميس، 6 يناير/كانون الثاني، تردَّدَت “أصداء مخيفة” لما يسمى ربيع براغ عام 1968، والسحق السوفييتي للثورة المجرية في عام 1956.

ونزل المظليون الروس إلى أكبر مدينةٍ في كازاخستان الخميس للمساعدة في قمع أكبر انتفاضة في تاريخ الجمهورية السوفييتية السابقة، حيث استمرَّت الاشتباكات العنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين المُسلَّحين في كازاخستان، حيث وصل 2500 جندي من أرمينيا وبيلاروسيا وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان في عمليةٍ “محدودة” لاستعادة السلام.

“معاهدة الأمن الجماعي” بقيادة روسيا.. أول عملية انتشار عسكري منذ عام 1999
لم تقم “منظمة معاهدة الأمن الجماعي”، المقصود بها أن تكون اتفاقية دفاع مُتبادَل، بأي عمليات انتشار مشتركة منذ تأسيسها في عام 1999. والآن استُدعِيَت المنظمة لتهدئة الاضطرابات الداخلية في إحدى الدول الأعضاء فيها.

ادعى رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، أن التمرد كان مستوحى من “الإرهابيين” المدعومين من الخارج، لكن استدعاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي تشير إلى أنه لم يعد يشعر أنه يستطيع الوثوق بقواته. عندما جاء طلب توكاييف، قفزت منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى العمل في غضون ساعات، وصباح الخميس كان المظليون الروس يصلون بالفعل إلى كازاخستان.

كازاخستان روسيا

صرَّح الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، لوكالة الإعلام الروسية، بأن إجمالي قوة حفظ السلام سيبلغ حوالي 2500 ويمكن تعزيزها إذا لزم الأمر.

أشاد البعض في موسكو بقرار التدخُّل، فيما رفض مكسيم سوشكوف، مدير معهد الدراسات الدولية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، المقارنات مع تدخُّلات حلف وارسو في العهد السوفييتي، ووصفها بأنها “دعاية”، وقال إن مهمة قصيرة يمكن أن تعزِّز مكانة روسيا في المنطقة.

وكتب سوشكوف على منصة تويتر أن الأحداث في كازاخستان مثَّلَت “أزمةً يمكن لموسكو أن تكون مفيدةً فيها”.

لا توجد خدمات مجّانية يقدمها بوتين لحلفائه
ويُعَدُّ أوجه التشابه الواضح مع حلف وارسو أنه على الرغم من أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي هي تحالف، فمن شبه المؤكد أن قرار التدخُّل اتُّخِذَ في موسكو. وقد رحَّبَ بمثل هذا التدخُّل ألكسندر لوكاشينك في بيلاروسيا، إذ تمكَّن من سحق ثورة ضخمة باستخدام قوته المحلية الخاصة، لكن فلاديمير بوتين هو من اتَّخَذَ القرار النهائي.

تقول صحيفة The Guardian البريطانية، ربما يأمل بوتين أن مهمة سريعة ستعيد النظام بسرعة وتجعل كازاخستان ممتنة ومدينة لموسكو، لكن العملية تنطوي على مخاطر.

أما النظر إلى خطوة منظمة معاهدة الأمن الجماعي على أنها تدخل روسي، فقد تسبَّبَ في إثارة استياء الكثيرين في كازاخستان، حيث كان أحد الإنجازات الرئيسية للرئيس السابق نور سلطان نزارباييف هو تجنُّب الصراع الرئيسي بين الأغلبية الكازاخستانية والأقلية العرقية الروسية في البلاد.

اتبعت كازاخستان بكل فخر سياسة خارجية “متعددة الاتجاهات” لسنوات، وقوبلت علاقاتها الوثيقة مع موسكو بعلاقات جيدة مع الدول الغربية. ومع ورود أنباء يوم الأربعاء، 5 يناير/كانون الثاني، عن طلب توكاييف لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، حدَّدَت رئيسة تحرير محطة التلفزيون الحكومية RT الروسية، مارغريتا سيمونيان، قائمةً من المطالب.

وكتبت على تويتر: “يجب أن نساعد بالتأكيد، لكننا بحاجة إلى وضع بعض الشروط أيضاً”. وشمل ذلك جعل اللغة الروسية لغة الدولة الثانية في البلاد والاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا.

ربما كانت تلك علامةً على نظرة البعض في موسكو إلى تحالف منظمة معاهدة الأمن الجماعي. فإذا نجح توكاييف في سحق الاحتجاجات بمساعدة موسكو، فقد يتوقَّع الروس مزايا في المقابل.

بوتين وتحويل الأزمة في كازاخستان إلى فرصة
من ناحية أخرى، من المُقرَّر أن تبدأ المحادثات الأمنية رفيعة المستوى بين المسؤولين الأمريكيين والروس في 10 يناير/كانون الثاني في جنيف، يليها اجتماع لمجلس الناتو وروسيا في 12 يناير/كانون الثاني ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في 13 يناير/كانون الثاني.

وذكر موقع Axios الأمريكي، نقلاً عن خبراء، أن نشر روسيا المحدود للقوات في كازاخستان من غير المُرجَّح أن يؤثِّر على التخطيط العسكري على الحدود الأوكرانية، حيث من المُتوقَّع أن تحافظ موسكو على قوتها خلال مفاوضات الأسبوع المقبل.

ستتطلَّب الأزمة السياسية والأمنية المستمرة في كازاخستان -أكبر حليف عسكري لروسيا، وأكبر اقتصاد في آسيا الوسطى، والدولة “العازلة” الاستراتيجية في المنطقة- اهتماماً كبيراً من الكرملين.

في هذا السياق، فإن غزواً واسع النطاق لأوكرانيا، والذي سيؤدي إلى استجابةٍ اقتصادية ضخمة من الغرب، قد يكون أكثر من اللازم بالنسبة لبوتين.

يقول دميتري ترينين، مدير مركز كارنيغي في موسكو: “بالنسبة لروسيا، هذه مهمة حساسة للغاية. لقد تدخلت روسيا بشكلٍ أساسي في أزمةٍ داخلية في دولةٍ مجاورة رئيسية، حيث لا يرحب الناس بالتدخل الأجنبي، وحيث لا يرى سكان روسيا، بهامش 2 إلى 1، ضرورةً للتدخُّل عسكرياً”.

لكن إذا نجح تدخُّل منظمة معاهدة الأمن الجماعي في كازاخستان، قد يوفِّر فرصة لبوتين لإظهار القوة واستعادة النفوذ الروسي على جارةٍ لها أيضاً علاقاتٌ مع الصين.

وكما هو الحال في بيلاروسيا، حيث أصبح الديكتاتور المُحاصَر ألكسندر لوكاشينكو يعتمد كلياً على موسكو، يمكن لبوتين “تحويل الأزمة إلى فرصة”، على حدِّ قول ترينين لموقع Axios.

عربي بوست