السياسية:

بغضّ النظر عن مدى كرهنا جميعاً لها، فإن الحشرات جزء أساسي من الحياة على الأرض، إنها تساعد في الحفاظ على صحة النظام البيئي للكوكب، ومن دونها من المحتمل أن تبدو الحياة في عالمنا مختلفة كثيراً عما هي عليه الآن.

لكن هذا ليس كل شيء، فللحشرات دور كبير في تشكيل حضارتنا أيضاً، وطوال تاريخنا حوّلت الحشرات مجرى الحروب وأثرت في السياسة، ولعبت عموماً دوراً مهماً في تشكيل العالم الحديث.

تعرَّف معنا في هذا التقرير على الأدوار المهمة التي لعبتها الحشرات في بعض الأحداث التاريخية المميزة.

القمل أوقف غزو نابليون لروسيا

منذ أن تم توحيد المنطقة الروسية في إمبراطورية واحدة، كان لدى القليل من القوى الجرأة للتفكير في الاستيلاء عليها، نظراً لحجمها الهائل ومناخها القاسي الذي تميزه فصول الشتاء القارس.

إلا أن ذلك لم يكن ليوقف بعض القادة العسكريين مثل نابليون، الذي كانت لديه فرصة حقيقية للفوز، لولا أن الذي هزمه لم يكن البرد، بل الحشرات.

يشير موقع Los Angeles Times إلى أن حوالي ثلث جيش نابليون خلال الغزو كان قد دمّرته الأمراض الفتاكة، وكان أسوأها -حمى الخندق والتيفوس- التي سببها قمل الجسم، الذي أنهك الجيش وسبب انخفاض الروح المعنوية، وأوقع عدداً هائلاً من الإصابات.

نابليون باع لويزيانا للولايات المتحدة بسبب البعوض!

لطالما كانت الولايات المتحدة قوة عالمية كبرى حتى إننا ننسى أن جمع ولاياتها معاً كان مهمة شاقة للغاية، حتى بعد حصول البلاد على الاستقلال فإن الكثير مما نعرفه الآن باسم أراضي الولايات المتحدة كان مملوكاً لفصائل متعددة.

ولولا اتخاذ الحكومة في وقتها العديد من الإجراءات لتوحيد الولايات لكانت خريطة الولايات المتحدة اليوم تبدو مختلفة تماماً، وكان أحد أهم الإجراءات هو شراء إقليم لويزيانا.

في أوائل القرن التاسع عشر كانت فرنسا بقيادة نابليون تسيطر على جزء كبير من أمريكا الشمالية، الذي يُعرف بإقليم لويزيانا. وبالتأكيد لم يكن لدى نابليون أي خطط للتخلي عنها، وأراد بالفعل أن تكون مستعمرة فرنسية مزدهرة في القارة، لكن ما غيّر رأيه كان نوبة من الحمى الصفراء بين جنوده، الذين يقاتلون في منطقة البحر الكاريبي.

انتشر المرض عن طريق البعوض، وكان قاتلاً بشكل خاص للفرنسيين، الذين لم تكن لديهم مناعة طبيعية ضده، ما سبّب موت حوالي 100 إلى 120 رجلاً يومياً.

عندما فشل نابليون في فرض سيطرته على منطقة البحر الكاريبي بسبب المرض اضطر إلى إعادة النظر في خططه لإقليم لويزيانا، وباعها للحكومة الأمريكية مقابل 15 مليون دولار في عام 1803.

المرض يوقف التقدم الياباني في الهند البريطانية

لعبت اليابان دوراً رئيسياً في الحرب العالمية الثانية على نطاق واسع في المعارك التي حصلت في المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا. ولكن ما يغفل عنه الكثيرون هو تقدمها على الهند البريطانية، ومدى اقترابها من الفوز في الحرب.

ففي عام 1944، نجحت اليابان في محاصرة مدينتين رئيسيتين في شمال شرق الهند: كوهيما وإيمفال. وكانوا سيأخذونهما ويقيمون قواعد لمزيد من الهجمات ضد البريطانيين أيضاً، لولا انتشار الأوبئة.

بسبب تزايد الإصابات بأمراض مثل الملاريا والدوسنتاريا في المنطقة التي نقلها البعوض، قررت اليابان الانسحاب من كلتا المنطقتين. وقد فقدت غالبية قواتها في الانسحاب عبر بورما بسبب المرض، وانتهى الأمر بهذه الهزيمة لتصبح نقطة تحول للحرب في المسرح الشرقي.

لم يقتصر الأمر حينها على اليابانيين فقط، حيث كان على القوات البريطانية التعامل مع الأمراض والأوبئة التي انتشرت أيضاً، لكنهم كانوا لا يزالون يحتفظون بميزتهم الاستراتيجية، ما ساعدهم في النهاية على الفوز.

ساعدت الإنفلونزا بريطانيا في السيطرة على الهند
كانت الحرب العالمية الأولى حدثاً ضخماً، لدرجة أن العديد من الأحداث فيها قد تنسى. واحدة من تلك كانت الإنفلونزا الإسبانية، التي من المحتمل أن تكون تسببت في مقتل عدد أكبر من الناس في جميع أنحاء العالم أكثر مما قتلت كلتا الحربين العالميتين مجتمعتين في غضون بضع سنوات.

كان السبب في حدوثها بسرعة كبيرة هو أنها انتشرت أسرع بكثير من الفيروسات العادية، وكان لها تأثير حاسم على العديد من الأحداث العالمية، من أهمها تأثيرها على الهند، التي تسيطر عليها بريطانيا.

كانت الدعوات الهندية للاستقلال تتصاعد في ظل الحرب والمشاركة الهندية فيها. وكان لدى المهاتما غاندي خطط للاستقلال واحتجاج واسع النطاق بمجرد انتهائها، وحينها كانت بريطانيا في أضعف حالاتها بعد أن أنهكتها الحرب، لكن الإنفلونزا الإسبانية ضربت الهند وترافقت مع موجة جفاف شديدة وواسعة النطاق، ما أثّر على جزء كبير من السكان الهنود.

في تلك الفترة قامت بريطانيا بالتطبيق الصارم للأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد، ما سمح لها بقمع أي ثورات مهددة، وأعادت تأكيد سيطرتها على البلاد لمدة ثلاثة عقود أخرى.

الملاريا شكّلت المملكة المتحدة كما نعرفها اليوم

قد تكون اسكتلندا جزءاً من المملكة المتحدة الآن، لكن لم تكن دوماً كذلك. ففي القرن السابع عشر كانت اسكتلندا مملكة مستقلة، لها خططها الخاصة لاستعمار العالم الجديد.

لكن في تسعينيات القرن التاسع عشر هبط حوالي 4000 اسكتلندي في الأمريكتين، وهم يحلمون بإمبراطوريتهم الاستعمارية، لكن ما أخطأوا فيه هو الموقع، لقد هبطوا فيما يُعرف كواحدة من أكثر الأدغال فتكاً في العالم: دارين جاب، وهي جزء من بنما الحالية، وهي مستنقع ملاريا بشكل أساسي.

كان يُعتقد في ذلك الوقت أن هذه الأدغال تُشكّل البوابة بين المحيطين الهادئ والأطلسي، ولكن قبل تحقيق حلمهم توفي نصف هؤلاء المستوطنين في غضون عامين، بسبب الأمراض القاتلة التي ينقلها البعوض مثل الملاريا والحمى الصفراء.

أفلست اسكتلندا في محاولة الحفاظ على المستعمرة التي توسعت فيها، ما أدى مباشرة إلى انضمامها إلى المملكة المتحدة في عام 1707، كما يوضح موقع The Guardian.

الحشرات أسهمت في تطوير ألوان الصباغة

وبعيداً عن الحروب والسياسة، لعبت الحشرات دوراً هاماً في تطور شيء أساسي في حياتنا؛ الألوان!

قد يكون وجود الألوان المختلفة من حولنا أصبح أمراً مسلّماً به الآن، ولكن لمدة طويلة من تاريخنا لم تكن هناك طريقة لإعادة إنتاجها، فلم تكن الأصباغ الاصطناعية موجودة مثل اليوم، وبخلاف الألوان التي يسهل العثور عليها في الطبيعة كان من الصعب على الفنانين والحرفيين استخدام جميع الألوان بالكامل بسبب هذا.

لكن الحل كان على عكس المتوقع في الحشرات، من الدبابير إلى الحشرات الطفيلية، لدينا تاريخ طويل في استخدام الحشرات لصنع الأصباغ.

خذ اللون الأحمر كمثال، فقد كان لفترة طويلة في الماضي باهتاً للغاية، بحيث لا يمكن حتى النظر إليه، لكن يعود الفضل لحضارات أمريكا الوسطى الأصلية، التي كانت تستخدم حشرة تسمى القرمزية لصنع درجة أغمق من اللون الأحمر.

كما أن اللون البنفسجي كان يصنع في مدينة صور (في لبنان حالياً) من نوع من الرخويات الموجودة في المنطقة. وكان يستغرق الأمر أكثر من 9000 من هذه الرخويات لإنتاج جرام واحد فقط من اللون البنفسجي. وهذا هو السبب في أن اللون البنفسجي كان لوناً ملكياً في الغالب.

عربي بوست