السياسية:

مع انتهاء عام 2021 ودخول العام الجديد، لا تزال المفاوضات الغربية مع إيران حول برنامجها النووي تشهد تقدماً بطيئاً جداً كما يصفه دبلوماسيون غربيون، وحذَّر إنريكي مورا، دبلوماسي الاتحاد الأوروبي، المفاوضين في منتصف ديسمبر/كانون الأول من أن الزمن المتاح لاقتناص أي فرصة في إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران قد تقلص إلى أسابيع.

وقال مورا، الذي يتولى تنسيق المحادثات بين إيران والقوى الغربية، يوم الإثنين 27 ديسمبر/كانون الأول، في بداية الجولة الثامنة وربما الأخيرة من المفاوضات التي تجري في فيينا لإنقاذ الاتفاق النووي: “يقع على كل من طهران وواشنطن اتخاذ قرارات سياسية صعبة”.

وفي عام 2018، انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي بتشجيع ودعم إسرائيل، وأعاد في الوقت نفسه فرض عقوبات على طهران. لتبدأ إيران بعدها بعام في انتهاك العديد من بنود الاتفاق وعادت لتخصيب اليورانيوم.

إيران والغرب.. محاولات التقارب الفاشلة

تعرضت إيران، التي أبقت على برنامجها النووي سلمياً حتى الآن، لضغوط هائلة فرضتها عليها مجموعة من العقوبات الأمريكية المشددة. وقالت طهران إنها ستحدُّ من برنامجها النووي مرة أخرى، إن رفعت واشنطن العقوبات عنها.

تطالب إيران بأن ترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات التي فرضتها بعد عام 2018، إلا أن الولايات المتحدة تقول من ناحية أخرى إن العقوبات ليست كلها مرتبطة بالبرنامج النووي، لا سيما تلك التي استهدفت بعضاً من كبار أعضاء الحرس الثوري الإيراني.

أصبح الجناح المتشدد في السياسة الإيرانية أشد قوة من أي وقت مضى منذ تولى إبراهيم رئيسي، المحسوب على التيار المحافظ، منصبه في بداية أغسطس/آب. ويشغل المحافظون وقادة الحرس الثوري الإيراني الآن جميع المناصب العليا ويسيطرون على جميع فواعل السلطة في البلاد.

يقول حسن أحمديان، الأستاذ المساعد لدراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في جامعة طهران، لشبكة Deutsche Welle الألمانية: “لقد اتخذت الولايات المتحدة منهجاً أيديولوجياً صرفاً للتعامل مع إيران. وقد ظلوا مخلصين لهذا النهج، باستثناء فترة وجيزة من عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما”. وأضاف أنه “بعد الثمانينيات، اتبعت إيران سياسة تبحث عن حل لمعضلة العلاقات مع الولايات المتحدة في مراحل مختلفة”.

ومثالُ ذلك أن الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني- الذي كان في منصبه من عام 1989 إلى عام 1997- حاول أثناء فترة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون تطبيعَ العلاقات مع الولايات المتحدة. وقال أحمديان إنه مهَّد الطريق أمام الشركات الأمريكية لدخول إيران، وقدَّم عروضاً مغرية لبعض الشركات الكبرى.

ولكن بسبب جهود جماعات الضغط المناهضة لإيران في واشنطن، أقرَّ الكونغرس “قانون العقوبات على النفط الإيراني” في عام 1995، والذي فرض حظراً على الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة في إيران. وأشار أحمديان إلى أن كلينتون وقع على تصديق الأمر التنفيذي في عام 1996.

وعلى النحو نفسه، يقول أحمديان إنه كان ثمة أمل في عهد الرئيس الإيراني محمد خاتمي- الذي خدم من عام 1997 إلى عام 2005- في أن تكون مبادرته للحوار بين الحضارات، وكذلك التعاون غير الرسمي مع الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، تمهيداً لطريقِ تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، “لكن الإدارة الأمريكية في عهد جورج دبليو بوش اختارت تصنيف إيران بأنها جزء من (محور الشر)” في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول”.

هل تسعى إيران إلى امتلاك سلاح نووي بالفعل؟

كان برنامج إيران النووي السري أحد الأسباب الرئيسية في زعم الولايات المتحدة لتصنيف البلاد ضمن ما يُسمى بمحور الشر. وكانت هناك تقارير عن اجتماعات متكررة بين قادة الحرس الثوري الإيراني وعبد القدير خان، الذي يوصف بأنه “أبو القنبلة النووية الباكستانية”.

كان خان، الذي توفي في إسلام آباد في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بطلاً قومياً في باكستان لدوره في تحويل بلاده إلى أول قوة نووية إسلامية في العالم. وقال رفسنجاني في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) في عام 2015 إنه كان يود لو أُتيحت له الفرصة للقاءِ خان.

وأشار رفسنجاني إلى أن “خان كان يعتقد أن العالم الإسلامي يجب أن يمتلك أسلحة نووية، وقد ساعدنا قليلاً في ذلك الوقت”. واعترف رفسنجاني بأن طهران فكَّرت في امتلاك أسلحة نووية في الماضي، وإن باتت ترفضها الآن، لأن “الإسلام يحرم” مثل هذه الأسلحة.

ووصف رفسنجاني اتفاقية 2015 مع الدول الغربية بأنها كانت اتفاقية ناجحة، وقال إن 90% من الإيرانيين سئموا العداء مع الغرب، وبات كل ما يتطلعون إليه هو حياة أفضل.

صرَّح الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما علناً خلال فترة رئاسته بأن إدارته لا تسعى لتغيير نظام الحكم في طهران. وبعد انتخاب حسن روحاني، المحسوب ضمن الجناح السياسي المعتدل، رئيساً لإيران في عام 2013، عرض أوباما على طهران فرصةً لبداية جديدة وطريقة للخروج من العزلة الدولية.

أفضت جهود القوى العالمية إلى إبرام الاتفاق النووي مع إيران في نهاية ولاية أوباما الثانية في الرئاسة. ومع ذلك، كان أوباما يفتقر إلى رأس المال السياسي الكافي لتغيير استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إيران تغييراً مستداماً.

وفي عام 2016، أي بعد توقيع الاتفاق النووي، مدَّد أوباما قانون عقوبات إيران لعام 1996 لمدة 10 سنوات أخرى.

ثم قرر خليفته، دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق من جانب واحد، وذلك على الرغم من محاولات المجتمع الدولي منع الانسحاب الأمريكي، والشهادات المتكررة للإدارة الأمريكية بأن إيران كانت ملتزمة بقواعد الاتفاقية.

وفشلت جهود الموقعين الآخرين على الاتفاقية، مثل الاتحاد الأوروبي، في إنقاذ الصفقة بتعويض إيران ببعض الفوائد الاقتصادية. فقد منعت التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات الشركاتِ الأجنبية من التعامل مع كيانات إيرانية، وهو ما حال دون اندماج إيران في الاقتصاد العالمي.

مع ذلك، لم يتبقَّ للولايات المتحدة حالياً سوى قليل من الخيارات لوقف برنامج إيران النووي. وهي الخيارات الأخيرة التي تحول دون استخدام القوة العسكرية، وهو الأمر الذي قد يؤدي، في حال وقوعه، إلى اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط.

وفي معرض الحديث عن موقف الإدارة الأمريكية الحالية، قالت نجار مرتضوي، وهي صحفية ومحللة للشؤون السياسية الإيرانية الأمريكية: “يبدو أن الرئيس بايدن يريد بجدية حلَّ القضية النووية مع إيران بالسبل الدبلوماسية، ولا يرغب في اندلاع صراع عسكري آخر في الشرق الأوسط”.

وأضافت نجار مرتضوي للشبكة الألمانية: “لكن على خلاف إدارة أوباما، لا يبدو أن إدارة بايدن لديها استراتيجية دبلوماسية طويل الأمد مع إيران”.

في الوقت الحالي، لا يبدو أن أياً من البلدين يرغب في بلوغ أي شيء زائد على العودة إلى الاتفاق النووي. وخلصت نجار إلى أن “البلدين، وإن كانا مهتمين الآن بإحياء خطة الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة)، فأنا أعتقد أن هذا سيكون الحد الأقصى للتشارك بينهما؛ لأن العداء وانعدام الثقة المستمر منذ عقود بين طهران وواشنطن عداءٌ عميق وتدعمه قوى سياسية بارزة في كلا البلدين. ولذلك، فأنا لا أتوقع حدوث تغير جذري في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران في السنوات القليلة المقبلة”.

عربي بوست