السياسية:

بينما تحدثت تقارير أمريكية عن قرب التوصل لاتفاق بشأن استخدام المجال الجوي لإسلام آباد للوصول إلى أفغانستان، اتهمت باكستان الولايات المتحدة “بالتواطؤ” مع الهند لإفشال الممر الاقتصادي مع الصين.

كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين قد أصبحت أمراً واقعاً ومعلناً خلال رئاسة دونالد ترامب، وتأكد ذلك مع تولي إدارة جو بايدن مطلع العام الجاري. وتسعى واشنطن إلى تشكيل تحالف لمواجهة الصين، يمتد من أوروبا إلى الشرق الأوسط إلى آسيا، وبالتحديد من خلال العلاقات الاستراتيجية الممتدة مع باكستان.

لكن المؤشرات القادمة من إسلام آباد خلال الأشهر القليلة الماضية لا تبشر بالخير بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة الهادفة إلى محاصرة أو “احتواء” الصين، خصوصاً مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وما صاحبه من سعي واشنطن للاتفاق مع إسلام آباد بشأن وجود قاعدة أمريكية على الأراضي الباكستانية، أو على الأقل السماح للطائرات الأمريكية باستخدام المجال الجوي لباكستان.

أمريكا تقول إن اتفاقاً مع باكستان بات وشيكاً

حتى قبل أن تنسحب الولايات المتحدة نهائياً من أفغانستان، في أغسطس/آب الماضي، واجهت واشنطن مأزقاً يتمثّل في رغبة البنتاغون وأجهزة الاستخبارات في وجود فعليّ على الأرض في باكستان، كخيار أول أو أحد الجمهوريات السوفييتية السابقة كخيار ثانٍ، لتنفيذ مهام تتعلق بمحاربة الإرهاب، من وجهة النظر الأمريكية.

وكانت صحيفة The New York Times قد تناولت هذا المأزق في تقرير بعنوان “وكالة الاستخبارات المركزية تندفع نحو نهج جديد في أفغانستان”، رصد الخيارات التي درستها الوكالة لتعويض القواعد الأمريكية في أفغانستان.

وفقدت CIA، التي كانت في قلب الوجود الأمريكي بأفغانستان طوال 20 عاماً، قواعدها في البلاد، حيث كانت تدير منها المهام القتالية وضربات الطائرات المسيرة، وفي الوقت ذاته كانت تراقب حركة طالبان، التي عادت إلى حكم البلاد، والجماعات الأخرى، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، وحذّر محللو الوكالة مما زعموا أنها مخاطر ناتجة عن سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان.

وفي هذا السياق، يبذل مسؤولو الولايات المتحدة جهوداً تستهدف تأمين قواعد قريبة من أفغانستان، من أجل العمليات التي قد تُنفَّذ في المستقبل، وإحدى الوجهات التي انصبّ تركيزهم عليها كانت باكستان.

وكانتCIA تستخدم قاعدةً في باكستان على مدى سنوات لإطلاق هجمات بالطائرات المسيرة ضد المسلحين المستقرين في الجبال الواقعة غربي البلاد، لكنهم أُخرجوا من هذه القاعدة في 2011، عندما تفككت العلاقات مع باكستان.

والسبت 23 أكتوبر/تشرين الأول، قال تقرير نشرته شبكة CNN الأمريكية، إن واشنطن تقترب من التوصل إلى اتفاق رسمي لاستخدام المجال الجوي الباكستاني لتنفيذ عمليات عسكرية واستخباراتية في أفغانستان. وقالت الشبكة إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أرسلت إحاطة سرية إلى أعضاء في الكونغرس أبلغتهم بهذا التطور، بحسب ثلاثة مصادر مطلعة على تفاصيل الإحاطة.

لكن إسلام آباد نفت ذلك التطور، إذ نقلت الشبكة عن أحد المصادر قولها إن باكستان أعربت عن رغبتها في توقيع مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة، مقابل مساعدتها في جهودها لمكافحة الإرهاب والمساعدة في إدارة العلاقة مع الهند. كما قال مصدر آخر إن المفاوضات جارية، وما زالت شروط الاتفاق، التي لم يتم الانتهاء منها بعد، عرضة للتغيير. وأكد المصدر الثالث أن الاتفاق نوقش عندما زار مسؤولون أمريكيون باكستان مؤخراً.

وأصدرت وزارة الخارجية الباكستانية بياناً قالت فيه إنه “لا يوجد مثل هذا التفاهم”، مشيرة إلى أن “باكستان والولايات المتحدة لديهما تعاون طويل الأمد بشأن الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، وكلا الجانبين يبقى منخرطاً في مشاورات منتظمة”.

هجوم باكستان على أمريكا بسبب الصين

لكن ربما يكون توجيه باكستان اتهامات للولايات المتحدة حول الممر الاقتصادي الصيني مؤشراً أبرز على توجه العلاقات بين البلدين في هذه المرحلة بصورة لم تحدث من قبل.

إذ وجهت باكستان اتهاماً للولايات المتحدة بالتواطؤ مع الهند لتخريب مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي هو جزء من المشروع الرئيسي، مبادرة الحزام والطريق الصينية، بحسب تقرير لصحيفة Dawn الباكستانية، الأحد 24 أكتوبر/تشرين الأول.

هذا الاتهام المباشر والنادر جاء على لسان رئيس هيئة الممر الاقتصادي، خالد منصور، الذي يشغل أيضاً منصب المساعد الخاص لرئيس الوزراء عمران خان، في ندوة نظمها معهد إدارة الأعمال في العاصمة التجارية كراتشي.

ونقلت الصحيفة عن منصور قوله: “من وجهة نظر الوضع الجيوستراتيجي الناشئ، هناك شيء واحد واضح: الولايات المتحدة مدعومة من الهند معادية للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، ولن تسمح له بالنجاح، وهنا يتعين علينا اتخاذ موقف”.

ويهدف مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الضخم الذي تبلغ تكلفته 64 مليار دولار إلى ربط مقاطعة “شينشيانغ” الصينية ذات الأهمية الاستراتيجية، شمال غربي البلاد، بميناء “غوادار” الباكستاني، من خلال شبكة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب لنقل البضائع والنفط والغاز.

“الحزام والطريق” مبادرة صينية، تعرف أيضاً بـ”طريق الحرير” للقرن الحادي والعشرين، وتهدف إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، لربط أكثر من 70 بلداً، بتكلفة تقدر بـ4-8 تريليونات دولار أمريكي.

وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أطلق المبادرة عام 2013، وهي عبارة عن مشروع يهدف إلى إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي.

هل تقترب باكستان من الانضمام للصين؟

تصريحات منصور، التي يرى محللون أنها تعبر بالضرورة عن الرأي الرسمي للبلاد كونه مستشاراً لرئيس الوزراء عمران خان، لم تركز فقط على قضية مشروع الممر الاقتصادي الصيني بشكل محدد، لكنها تطرقت أيضاً إلى الصورة السياسية الأشمل.

إذ قال منصور: “ليس هناك من سبيل لأن تتخلى باكستان عن أي من مصالحها. لقد أحرقت أصابعها أكثر من مرة في التحالف (الغربي) في الماضي”، مضيفاً أن محاولات إضعاف نفوذ بكين الاستراتيجي في المنطقة لن تنجح، واستطرد قائلاً إن الغرب ينظر إلى الممر على أنه رمز للطموح السياسي للصين.

وأضاف منصور: “هذا هو السبب في أن الممر الاقتصادي ينظر إليه بشكل مريب من قبل كل من الولايات المتحدة وأوروبا.. إنهم ينظرون إلى الممر على أنه خطوة من جانب الصين لتوسيع نفوذها السياسي والاستراتيجي والتجاري”.

وتطرق منصور أيضاً إلى أن إمكانية انضمام أفغانستان إلى الممر مع حكومة طالبان، دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل، ولا يوضح إذا ما كانت كابول قد ردت إيجاباً أو نفياً على المقترح.

لكن الوضع الاقتصادي المتدهور في أفغانستان، والشروط التي تضعها واشنطن والدول الغربية قبل الاعتراف بحكومة طالبان أو تقديم يد المساعدة للبلاد، ربما تكون عاملاً مهماً في انضمام أفغانستان للمبادرة الصينية، التي لم تعد مجرد مشروع للتنمية الاقتصادية، بل أصبح ينظر إليها على أنها رمز لسعي بكين للعب دور أكبر على الساحة الدولية.

ورغم أنه منذ بداية عام 2020 كانت هناك شائعات بأن مبادرة الحزام والطريق كانت في ورطة نتيجة لفيروس كورونا والمعارضة العالمية المتزايدة، فإنه من الأدق القول إن نطاق مبادرة الحزام والطريق يتحول من استراتيجيته التقليدية المتمثلة في التنمية المدفوعة بالبنية التحتية بشكل أساسي، إلى جهود أكثر “أناقة وحداثة وتوسعية”، بحسب وصف غراسيا واتسون، الباحثة في مجلس السياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن.

وقالت واتسون في تحليل منشور بمجلة National Interest الأمريكية، إن أزمة فيروس كورونا كانت محركاً رئيسياً لهذا التحول، وصحيح أن الوباء العالمي قد أثر بشكل كبير على انتشار الصين وسمعتها، لكنه أتاح أيضاً لبكين فرصة مثالية لتغيير معايير مبادرة الحزام والطريق، وإعادة توجيهها نحو المزيد من الجهود ذات النفع عليها.

الخلاصة هنا هي أن بعض المراقبين يرون أن مصالح باكستان الآن باتت تضعها على مسافة أقرب من بكين بصورة لافتة، وربما تؤدي الضغوط الأمريكية الهادفة بالأساس إلى تحقيق مصالحها المتمثلة في “احتواء” بكين، دون تقديم حوافز اقتصادية لإسلام آباد أو مساندتها في مواجهة الهند، وإلى تواجد باكستان في حلف بكين بشكل أساسي.

عربي بوست