السياسية:

ما زال التوتر بين الصين والهند قائماً في واحدة من أصعب الجبهات في العالم، والتي تقع على حافة هضبة التبت التي تسمى سقف العالم.

وُصِفَ أول اجتماع رفيع المستوى منذ شهور بين وزيريّ خارجية الهند والصين، بأنه حوارٌ، وقد تناوَلَ الاشتباكات الحدودية المتواصلة التي دفعت البلدين المُسلَّحين نووياً إلى حافة الحرب. 

لكن خيبة الأمل أصابت أولئك الذين يأملون في أن يساعد الحوار الذي عقدت إحدى جولاته مؤخراً في كسر الجمود المستمر منذ عام، وتخفيف التوتر بين الصين والهند والذي وصل إلى ذروته في مايو/أيار 2020، عندما وقعت اشتباكات حدودية أدت إلى نشر 200 ألف جندي على جانبيّ حدود الهيمالايا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية. 

ومع ذلك، كانت هناك نقطة اتفاقٍ واحدة، وهي كما أشار وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أنه “لا تزال العلاقات بين الهند والصين في أدنى مستوياتها”. 

أسباب التوتر بين الصين والهند

في يونيو/حزيران من العام الماضي، بعد عدة أشهرٍ من تصاعد التوتر بين الصين والهند على طول الحدود في منطقة لاداخ الواقعة في جبال الهيمالايا، قُتِلَ 20 جندياً هندياً و4 جنود صينيين في أعنف اشتباكٍ بين البلدين منذ أكثر من 50 عاماً. ولأن الطرفين متفقان على عدم استخدام الأسلحة النارية، قاتَلَ جيشا البلدين بدلاً من ذلك على منحدر الجبل الجليدي لوادي غلوان بطريقة العصور الوسطى؛ إذ استخدم الجنود الهراوات المُدبَّبة، والاشتباك بالأيدي، ما أدَّى إلى سقوط العديد من الجنود حتى لقوا مصرعهم. 

ومن المعروف أن الاشتباكات بالقرب من خط السيطرة الفعلية شائعة؛ إذ سبق أن أرسلت الهند قواتها لمنع الصين من تشييد طريق بمنطقة دوكلام المتنازع عليها في عام 2017، مما أطلق مواجهات استمرت شهرين، وأثارت مخاوف من اندلاع حرب بين الجارتين اللتين تملكان أسلحة نووية.

وظل التوتر بين الصين والهند قائماً لسنوات، بل تفاقم من جراء جهود العاصمتين لتأجيج المشاعر القومية الداخلية، ولكن اشتباكات العام الماضي نظر إليها بأنها تطور خطير، فيما قال النقاد الهنود والغربيون إن جزءاً  مما حدث هو عملية استقواء تنفذها الصين على جيرانها.

وتتنافس الدولتان أيضاً على بناء البنية التحتية على طول الحدود، والتي تُعرف أيضاً باسم خط السيطرة الفعلية، ويُنظر إلى بناء الهند لطريق جديد يؤدي إلى قاعدة جوية على ارتفاعات عالية على أنه أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى اشتباك مع القوات الصينية في يونيو/حزيران 2020، كان سيمنح أفضلية للجانب الهندي، حسبما ورد في تقرير لموقع BBC.

واندلعت المواجهة الحدودية بين الجيشين الهندي والصيني في 5 مايو/أيار بعد اشتباك عنيف في مناطق بحيرة بانغونغ، حين نقلت الصين جنودها من مناورة تدريبية إلى لاداخ، وأخذت الجيش الهندي على حين غرة في وسط الجائحة. واتضحت خطورة الموقف في منتصف يونيو/حزيران حين قُتل 20 هندياً وعدد مجهول من الجنود الصينيين في صدام عنيف لم تُطلق فيه رصاصة واحدة. استعمل الجنود على الجبهة (من بلدين يمتلكان أسلحة نووية) العصي والهراوات والحجارة لإحداث الإصابات والتسبب في مقتل الجنود من الطرف الآخر.

ويمثل الموقع الذي شهد المصادمات خط الحدود المفروض في الأمر الواقع وليس المتفق عليه بين البلدين، ويسمى خط السيطرة الفعلية في وادي غلوان في ولاية لاداخ الهندية على هضبة التبت.

وكان البلدان العملاقان قد سارعا إلى نقل عدد كبير من الدبابات القتالية والمدرعات والمعدات الثقيلة إلى المناطق القريبة من الاشتباكات التي وقعت في يونيو/حزيران 2020 في منطقة لاداخ الشرقية، في مؤشر على احتمالات تصاعد التوتر بين البلدين اللذين يملكان أكبر جيشين في العالم من حيث العدد.

تفاصيل وقف إطلاق النار

لم يؤد الاشتباك إلى إعلان حرب شاملة، بل توصل البلدان إلى اتفاق لتخفيف التصعيد دون أي وساطات أممية أو دولية على ما يبدو، وانسحبت القوات الهندية والصينية من منطقة بحيرة بانغونغ المتنازع عليها بين البلدين.

وقيل إن تنفيذ الاتفاق “سيعيد بشكل جوهري” الوضع إلى ما كان قائماً قبل المواجهة التي اندلعت في 5 مايو/آيار 2020.

لكن التعهُّدات بخفض التصعيد، والجولات المتعدِّدة من المحادثات العسكرية الفاشلة، قد طغى عليها عامٌ من نشر القوات والمدفعية على جانبيّ الحدود البالغ طولها 2100 ميل، على عكس أيِّ وقتٍ آخر في التاريخ، بما في ذلك عندما غزت الصين مناطق هندية في عام 1962. 

الهند تتهم الصين بأنها أصبحت أكثر عدوانية

يزعم مسؤولو الجيش الهندي أن جيش التحرير الشعبي الصيني يصبح أكثر عدوانية يوماً بعد يوم. ورغم أن الحكومة الهندية نفت المناوشات الأخيرة بين الجانبين، أخبر مسؤولو الجيش الهندي صحيفة The Guardian البريطانية أن الوضع في مناطق شرق لاداخ، بما في ذلك وادي غلوان والينابيع الساخنة، لا يزال متوتِّراً للغاية. 

وقال ضابطٌ آخر بالجيش في المنطقة إن المعلومات التي أكَّدَتها الشرطة المحلية وضباط الاستخبارات هي أنه “كل شهر تقع مواجهاتٌ مرتين أو ثلاث مرات في هذه المناطق”. 

وقال ضابطٌ آخر: “لتجنُّب المزيد من التصعيد، بدأنا في تسييج بعض المناطق حول غلوان، لكن الصينيين اعترضوا على ذلك واضطررنا إلى إزالة السياج”. 

ووصف ضباط الجيش الهندي التعزيزات العسكرية على الحدود في لاداخ بأنها “غير مسبوقة”. وأكَّدت مصادر حكومية التقارير التي تفيد بأنه جرى نشر 50 ألف جندي إضافي، فضلاً عن المدفعية والطائرات المقاتلة، بما في ذلك الطائرة Mig-21 روسية الصنع. 

وها هي نيودلهي تنقل قواتها من جبهة باكستان والوقود يتجمد

وفي إشارةٍ إلى التحوُّل في الأولويات العسكرية الهندية، جاءت بعض القوات الإضافية إلى الحدود الصينية، بما في ذلك لاداخ وولايتا سيكيم وأورناتشال براديش، من الحدود مع باكستان، والتي كانت لعقودٍ من الزمن أكثر حدود الهند اضطراباً. 

وكان أكبر اختبارٍ للجانبين هو النجاة من الشتاء القارس؛ إذ انخفضت درجة الحرارة إلى أقل من الصفر. ومع ذلك، تحدَّثَ الضباط الهنود بفخرٍ عن استمرارهم كما هم، حتى عندما كان الجو قارس البرودة إلى درجة تجمُّد خزانات الوقود. ورغم درجة الحرارة الجليدية، كان على الجنود البقاء في خيامٍ قابلة للنقل بسرعة. 

وقال قائدٌ بالجيش الهندي بالمنطقة: “يجب أن تكون لدينا مساحاتٌ معيشية في ظلِّ قسوة الطقس. ولكن نظراً لعدم القدرة على التنبؤ بالتحرُّكات الصينية، فإننا نعتمد على الخيام التي يمكن نقلها سريعاً كلَّما دعت الحاجة”. 

ولكنهم لا يستطيعون مضاهاة التكنولوجيا الصينية

بينما يقول ضباط الجيش الهندي إنهم لا يستطيعون مضاهاة البنية التحتية الصينية المتطوِّرة، فقد اعترفوا في بعض الأحيان بتقليد أسلوب معيشتهم، إذ قال أحدهم: “على سبيل المثال، رأينا الصينيين يحفرون الخنادق ثم يضعون الخيام فيها. أدركنا أن ذلك يساعد في تدفئة الخيام، ومنذ ذلك الحين نعمل بهذه الطريقة”. 

بالنسبة للسكان المحليين في لاداخ، الذين أمضوا عاماً في مشاهدة الجنود والدبابات والمروحيات والمدفعية الثقيلة التي أُحضِرَت على طول الحدود، فإن الخوف لا يزال ملموساً. 

قال دولما دورجاي، الذي نشأن في قرية تشوشول بالقرب من قاعدةٍ عسكرية نائية على الحدود المُتنازَع عليها بين الهند والصين: “آمل ألا تندلع الحرب هنا أبداً. لكن يبدو أن الاستعدادات للحرب جارية”. 

وقبل الاشتباكات في غلوان، كان دورجاي ومعظم القرويين، وهم رعاة ماشية من قبيلة تشانغبا، يأخذون ماشيتهم إلى الوديان الواسعة والشاسعة في الحدود ويختلطون مع الرعاة من الجانب الصيني. قال دورجاي: “كنَّا نتاجر بالماشية والسجاد والمزيد من الأشياء مع الناس في الجانب الآخر”. 

وقال سونام تسيرينغ، وهو ساكنٌ آخر وعضو مجلس محلي سابق في تشوشول، إن الوضع على طول الحدود كان أكثر ما يمكن أن يتذكَّره أيُّ شخصٍ في القرية، حيث العسكرة واستعدادات الجيشين، لاسيما في منطقة لاداخ الشرقية. 

وأضاف: “يقول شيوخنا إن الرجال والمعدات لم تُنشَر بهذه الطريقة حتى في حرب 1962. توسَّعَت قاعدة الجيش الهندي في تشوشول عدة مرات، والآن لا يُسمَح للناس بالاقتراب من الحدود، ويُمنَع السائحون من زيارتها”. 

ماذا سيحدث لو تصاعد التوتر؟

ورغم أن احتمال وقوع حرب واسعة بين الصين والهند يبدو مستبعداً بالنظر إلى دولتين تمتلكان أسلحة نووية، والتاريخ يقول إن الأسلحة النووية مانعة للحرب، ولكن تطورات الصراع الأخير بينهما تثبت أنه لا شيء مضموناً في العلاقات الدولية، وستكون أي حرب بين الصين والهند واحدة من أكبر الصراعات وأكثرها تدميراً في آسيا، لأن نشوب حرب بين هاتين القوتين الكبيرتين من شأنه أن يهز منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويسقط آلاف الضحايا إن لم يكن ملايين من كلا الجانبين ويؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.

إضافة إلى حرب عام 1962 التي انتهت بانتصار الصين التي نالت جراء هذه الحرب مكاسب حدودية محدودة، فلقد اشتبك البلدان على طول حدودهما عدة مرات، بما في ذلك حادثة واحدة على التبت في عام 1967 وأخرى عام 1987 في أروناتشال، وكانت هناك أيضاً حوادث أصغر في عامي 2013 و2014 في لاداخ، حيث قامت الهند منذ ذلك الحين بنشر قوات من المشاة والدبابات والاحتياطيات في المنطقة للاستعداد لأي هجوم محتمل من الصين.

تعد الصين والهند الآن قوتين اقتصاديتين، حيث تحتلان المرتبة الثانية والسابعة في ترتيب الناتج المحلي الإجمالي العالمي. 

عسكرياً تحتل الهند المرتبة الرابعة في تصنيف GlobalFirepower ولديها أكبر جيش متطوع دائم يبلغ عدده 1.13 مليون جندي مع 2.1 مليون في الاحتياط، بينما القوات المسلحة الصينية لديها 2.3 مليون جندي نشط مع 2.3 مليون آخرين في الاحتياط، يمثلون أكبر جيش في العالم.

تمثل المنطقة المتنازع عليها بين الجانبين واحدة من أصعب جبهات القتال في العالم، وحتى الطائرات ستواجه صعوبة في القتال في هذه الجبال.

ومن شأن أي حرب أو توتر بين البلدين أن يؤثر على البقية العالم، فبالإضافة إلى ضخامتهما السكانية، لدى البلدين موقعان استراتيجيان، واقتصادان ضخمان، مما يعني أن أي حرب بينهما قد تؤدي إلى ارتباك واسع النطاق في التجارة والصناعة في بقية العالم. 

عربي بوست