السياسية: نجيب هبة

تتعدد صور وأشكال الانتهاكات السعودية في محافظة المهرة شرق البلاد وتستمر تلك الانتهاكات مع استمرار الاحتلال السعودي.. وتؤشر هذه الانتهاكات على استفحال الرغبة التوسعية للمحتل السعودي واستمراء الحالة الاستغلالية للمهرة أرضاً وإنساناً..

بالمقابل فإنه ومع كل انتهاك سعودي جديد يقف أبناء وقبائل المهرة الأحرار ضد ممارسات الاحتلال السعودي ويعترضون على أهدافه غير المشروعة التي تنتهك أبسط حقوق أصحاب الأرض ، ويتزايد الرفض الشعبي والمطالبة بإخراج القوات السعودية من المحافظة.

استحداث مواقع عسكرية جديدة

في هذا السياق، استحدثت قوات الاحتلال السعودي مؤخرا موقعاً عسكرياً جديدا على الخط الدولي مع سلطنة عمان.. وقالت مصادر محلية أن الموقع المستحدث يقع قرب الشاطئ على بعد كيلو متر من الطريق الإسفلتي الدولي إلى مديرية حوف.

وبينت المصادر أن القوات السعودية نصبت برج مراقبة داخل الموقع يطل ويشرف على الساحل من جهة والطريق البري الدولي من جهة أخرى.

وفي وقت سابق ، انشأت قوات الاحتلال السعودي استحداثات عسكرية بالقرب من مدرج مطار الغيضة.

وتداولت وسائل إعلام صوراً جوية كشفت الاستحداثات والمنشآت العسكرية التي نفذتها القوات السعودية في مطار الغيظة الدولي، وبينت تواجد عدد من المروحيات التابعة للقوات الجوية السعودية.

وتسيطر قوات الاحتلال السعودي على منفذي شحن وصرفيت، اللذين يربطان المهرة مع سلطنة عُمان، وعلى مطار الغيظة الدولي، وميناء نشطون على بحر العرب.

اعتقالات وملاحقة لأبناء المهرة

كما أخذت الانتهاكات السعودية شكلاً لا اخلاقياً آخر تمثل في اعتقال وملاحقة أبناء المحافظة ، حيث  أبدى محافظ المهرة المعين من حكومة الإنقاذ القعطبي علي حسين الفرجي، استنكاره للممارسات التعسفية من قبل القوات السعودية وما تقوم به من اعتقالات وملاحقة لأبناء المهرة والشخصيات المناهضة للاحتلال.

وأشار في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” ، إلى تزايد جرائم الاعتقالات من قبل مليشيات الاحتلال بحق الكثير من أبناء المحافظة وتعرضهم للتعذيب.

وحذر الفرجي، من تمادي السعودية وأدواتها في تنفيذ مخططاتها الإجرامية و نهب الثروات وتعطيل الخدمات والمؤسسات وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي لأبناء المهرة.. معتبرا ما يمارس هناك، تدخلاً سافراً في الشأن اليمني.

ودعا الفرجي أبناء المحافظة وقبائل المهرة، إلى تعزيز التلاحم والاصطفاف للتصدي للمخططات التي تستهدف الأمن والاستقرار والسيادة الوطنية.

تغيير ديموغرافي باستقدام مجاميع سلفية

كما لعب العدوان السعودي لتثبيت احتلاله العسكري وتواجده في محافظة المهرة ، على كثير من الأوراق ، حيث استخدم ورقة استقدام العشرات من المجاميع السلفية من خارج المحافظة ودعمهم بإنشاء تجمعات استيطانية تحت يافطة مراكز علمية ، وبدا تدفق هذه المجاميع بأعداد كبيرة كسلوك مخطط له من قبل السعودية ولأهداف غير بريئة.

في هذا الإطار، قالت صحيفة رأي اليوم اللندنية في احد مقالاتها أنه “من الطبيعي أن يستنتج المواطنون المهريون أن هذا التدفق المفاجئ للسلفيين نحو منطقة بعينها في المهرة وفي هذا الظرف بالتحديد، هو محاولة سعودية لتعزيز الكتلة الاجتماعية المؤيدة لها في المحافظة، وبما يمنحها ظهير شعبي مناصر لها مستقبلا وهو ما يعني أننا أمام سلوك يشكل بداية لتغيير ديمغرافي في تركيبة المجتمع المهري، الأمر الذي يؤسس لبؤرة صدام مستقبلي”.

مضيفةً أن “ظاهرة تكثيف وتحشيد المجاميع السلفية إلى مديريات محافظة المهرة يندرج ضمن مخطط سعودي لاختراق المجتمع المهري والتلاعب بنسيجه الاجتماعي ولو كان الثمن خلق صدامات مستقبلية داخل المجتمع، بسبب هذا الاقحام المتعمد لعناصر سكانية تثير حفيظة المجتمع”.

وشددت على “كارثية المحاولات المتعمدة لخلخلة البنية المجتمعية بعناصر طارئة وخلق عوامل اضطراب في مجتمع عاش عشرات السنين في وئام تام، حتى جاءت السعودية ومعها كل الأوراق العابثة بالسلم والأمن المجتمعيين”.. مؤكدا أن “تماسك المجتمع المهري كان له الدور الأكبر في عرقلة المساعي السعودية لتمرير مخططها في محافظة المهرة” حتى الآن.

وخلصت المقالة إلى أن “الأطماع السعودية في المهرة كانت واضحة للعيان منذ البداية، ولم يتقبل الناس فكرة أن السعودية دخلت المحافظة خدمة لأبنائها، فبعد ست سنوات من التدخل العسكري للتحالف العربي، اتضحت كل الأجندة الموازية للسعودية والإمارات داخل البلاد ولم يعد بإمكان دول التحالف تبرير سلوكياتها الشاذة أمام اليمنيين”.

تهريب المخدرات

واتخذت صور التخريب السعودي في المهرة شكلاً أكثر سوداوية وبعداً عن الأخلاق ، عندما عمدت إلى تدمير الشباب بتهريب المخدرات.

حيث هاجم المتحدث باسم لجنة الحراك الشعبي السلمي في المهرة ، المملكة، واتهم قواتها المتواجدة في المحافظة بإدخال المخدرات لتدمير الشباب فيها.

وقال علي مبارك بن محامد، في تدوينة في صفحته بالفيسبوك “منذ قدوم قوات الاحتلال السعودي إلى المهرة، لم نر منها إلا تدمير مقوماتها الاقتصادية، من خلال سيطرتها على الموانئ والمطار والمنافذ لعرقلة التنمية بالمحافظة”.

واتهم المتحدث باسم لجنة الاعتصام السلمي المناهضة للتواجد العسكري السعودي بالمهرة ، قوات المملكة، المتواجدة فيها منذ 2017، بـ”السماح بدخول المخدرات والممنوعات بالأطنان لتدمير الشباب، الذين يعتبرون عماد المستقبل وحاضره”.. متسائلاً “كيف دخلت المخدرات إلى محافظة المهرة؟ فالجميع يعرف من المسيطر على المنافذ والموانئ والمطار”.

وأشار إلى أن “حادثة مديرية حات، العام الماضي، ما هي إلا شاهد على ذلك، عندما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على ضابط سعودي يعمل في هذا المجال”.

وقال ناطق لجنة الاعتصام السلمية بالمهرة “عندما فشلوا، أي السعوديين، بتفكيك النسيج الاجتماعي وشق الصف المهري لتحقيق أطماعهم، ذهبوا إلى ما هو أبعد، لتدمير جيل بأكمله”.

واعتبر بن محامد أن “المرحلة خطيرة، وتستدعي اليقظة والانتباه؛ حفاظا على المجتمع وشبابه من مثل هذه الآفات”.

تجسس على مشايخ المهرة وسقطرى

وذهب الاحتلال السعودي بعيداً في انتهاكاته ، عندما أجاز لنفسه التجسس على مشايخ المهرة وسقطرى الرافضين للاحتلال.. فقد كشفت وثائق سرية نشرها تجمع أحرار المهرة وسقطرى عن تورط السعودية باستهداف 11 شيخا في المهرة بسبب رفضهم وجود قوات الاحتلال السعودي فيها.

وبحسب الوثائق المنشورة فإن المشايخ المستهدفين هم: الشيخ على سالم الحريزي المهري .. والشيخ حمود زعنبوت المهري والشيخ مفتي سهيل صعود المهري واحمد القحطاني المهري واحمد سالم رعفيت المهري ومسلم رعفيت المهري وعامر سعد كلشات المهري وسالم عبدالله بلحاف المهري وعيسى سالم ياقوت السقطري وعلي بن مجاهد المهري.

وتؤكد الوثيقة الموجهة من قيادة ما يسمى “القوات المشتركة” في الغيضة بالمهرة الى قيادة استخبارات التحالف ورئيس شعبة الاستخبارات ، على أهمية مراقبة وتسجيل المكالمات الهاتفية  للمشايخ والشخصيات والأفراد الرافضين للاحتلال، وتضمن التوجيه أيضا رصد كافة تواصل المذكورين مع الجهات الخارجية والتركيز على تواصلهم مع القيادات من حكومة المرتزقة .

وفي مذكرة أخرى موجهة إلى الوحدات العسكرية في منفذي شحن وصرفيت للقبض على عيسى سالم ياقوت شيخ مشائخ سقطرى وذلك لنشاطه في التحريض ضد الاحتلال وتواجد القوات السعودية بالمهرة.

وتؤشر هذه التصرفات الاحتلالية على رغبة السعودية في البقاء طويلاً وتثبيت وجودها في محافظ المهرة تحقيقاً لأهداف وأطماع عسكرية واقتصادية بعيدة المدى ، وأنها لن تتخلى عن ذلك بسهولة ، وأن ذلك يأتي بالتأكيد على حساب أبناء المحافظة ومصالحهم التي لاتعني شيئاً في ميزان الغطرسة السعودية.

وفي تأكيد لهذا الاتجاه، قال بروس ريدل من معهد بروكينغز، والمحلل السابق في المخابرات الأمريكية “سي آي إيه” “إن كلاً من السعودية والإمارات عزّزتا موقعهما في شرق وجزر اليمن الإستراتيجية ولن تتخليا عن مكاسبهما في هذه المناطق بدون ضغط دولي”.

وأوضح أنه “وسط حالة الجمود للتسوية السلمية ، فإن الرياض وأبو ظبي ركّزتا جهودهما على تحصين وجودهما في المواقع الإستراتيجية من اليمن”.

ووفقاً لـ”ريدل” فإن “السعوديون ركّزوا جهودهم على محافظة المهرة في شرق البلاد”، وهي ثاني أكبر محافظة يمنية محاذية للحدود مع عُمان ، وهي بعيدة عن مناطق الصراع في شمال البلاد، ومعظم سكانها من السنة ويتحدثون اللغة المهرية التي تميزهم عن بقية السكان في اليمن ممن يتحدثون بالعربية. ويعيش فيها حوالي 300 ألف نسمة.

ومنذ عام 2017 احتلت السعودية وبشكل تدريجي المهرة، حيث احتلت العاصمة والميناء وسيطرت على نقاط الحدود مع عمان.

وقالت منظمات حقوق إنسان إن “السعودية وحلفاءها من القبائل المحلية اعتمدت على الاعتقال والتعذيب لمنع أي معارضة للوجود السعودي ، وأقام السعوديون في المحافظة 20 قاعدة وموقعا عسكريا”.

وتمنح المحافظة السعودية منفذا مباشرا على المحيط الهندي، حيث تخطط لإنشاء خط أنابيب نفط من المنطقة الشرقية في السعودية إلى المحيط الهندي عبر المهرة ، مما سيخفف اعتماد السعودية على مضيق هرمز في تصدير النفط.

وتراقب عُمان الدور السعودي في المهرة التي كانت في الماضي قاعدة لجنوب اليمن الشيوعي لدعم ثوار ظفار في السبعينات من القرن الماضي، والذين هُزموا بعد إرسال شاه إيران قواته لمساعدة الجيش العماني.

ويرى الكاتب أن “السعودية والإمارات تتطلعان للحصول على منافع من المستنقع الذي قفزتا فيه عام 2015”.. مضيفا أن “المكاسب المناطقية الإستراتيجية ربما كانت المنفعة الوحيدة من الحرب المكلفة ، فلم يفت الوقت كي يتم وضع علامة تقضي بخروج السعوديين من المهرة والإماراتيين من ميون وسقطرى سواءً عبر تسوية سياسية أو بكل الطرق الأخرى”.