السياسية:

تغيير استراتيجي تشهده المنطقة في المجال العسكري وهو صعود نجم صادرات الأسلحة الروسية للشرق الأوسط بشكل لافت، ويكاد يهدد الزعامة الأمريكية.

وارتفعت واردات الأسلحة بالشرق الأوسط بنسبة 25% في الفترة بين عامي 2016 و2020، مقارنة بما كانت عليه بين عامي 2011 و2015.

بل أصبحت أربع من الدول العشر الأكثر استيراداً للأسلحة في الفترة من 2016 إلى 2020 توجد في منطقة الشرق الأوسط، وهي السعودية ومصر وقطر والإمارات.

واستأثرت الولايات المتحدة بـ52% من واردات الأسلحة من قِبل دول المنطقة، في حين زودت روسيا المنطقة بـ13% من واردات الأسلحة ثم فرنسا بنسبة 12%، حسب تقرير لمعهد ستوكهولم السويدي.

وكانت المملكة العربية السعودية أكبر مستورد للأسلحة بالعالم في 2016-2020، وتلقت 11% من واردات الأسلحة العالمية، حيث شكلت الولايات المتحدة الأمريكية 79%.

صعود في صادرات الأسلحة الروسية للشرق الأوسط رغم انخفاضها عالمياً.. من كان السبب؟
بصفة عامة، استحوذت دول آسيا وأوقيانوسيا على 55% من صادرات الأسلحة الروسية في 2016-2020، والشرق الأوسط بنسبة 21% وإفريقيا 18%، مما جعل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا السوق الثاني لموسكو.

واللافت أنه رغم انخفاض نسبة صادرات موسكو العالمية من السلاح بين عامي 2016 و2020 مقارنة بالفترة السابقة بين 2011 و2015 بنسبة 22%، بسبب انخفاض صادراتها للهند بالأساس، فإن صادرات الأسلحة الروسية للشرق الأوسط زادت بنسبة (64%).

وشكلت مصر الزبون الجديد الذي أحدث قفزة في صادرات الأسلحة الروسية للشرق الأوسط، علماً بأنها تقليدياً من أهم زبائن السلاح الغربي، خاصةً الأمريكي بعد اتفاقية كامب ديفيد، ولكن بعد القيود التي فرضتها واشنطن على صادرات الأسلحة للقاهرة بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، بدأت القاهرة تتجه لباريس وموسكو بشكل أساسي.

ولكن اللافت هو النمو الكبير في واردات الأسلحة المصرية الذي جعل القاهرة ثالث مستورد للسلاح في العالم بعد السعودية والهند.

صادرات الأسلحة الروسية للشرق الأوسط

فمصر كعديد من دول المنطقة، متورطة في نزاعات حول حقوق الموارد الهيدروكربونية البحرية بشرق البحر الأبيض المتوسط، ​​تعمل على تعزيز قدراتها البحرية من خلال استيراد الأسلحة، إضافة إلى أزمة سد النهضة.

وزادت واردات مصر من الأسلحة الرئيسية بنسبة 136% بين عامي 2016 و2020، مقارنة بالفترة بين عامي 2011 و2015.

ففي الفترة بين عامي 2016 و2020، استقبلت فرقاطة وسفينتين هجوميتين برمائيتين، و21 طائرة مقاتلة من فرنسا؛ و3 غواصات من ألمانيا؛ وفرقاطة من إيطاليا؛ و50 طائرة مقاتلة و46 مروحية قتالية محمولة على السفن من روسيا؛ إضافة إلى كورفيت واحد من كوريا الجنوبية.

بحلول نهاية عام 2020، شملت عمليات التسليم الكبرى إلى مصر غواصة واحدة و4 فرقاطات من ألمانيا وفرقاطة من إيطاليا و3 فرقاطات من فرنسا و24 طائرة مقاتلة من روسيا.

تضمنت الأسلحة التي اشترتها مصر من روسيا نحو 50 طائرة مقاتلة من طراز ميغ 29 و24سوخوي 35 تم تسلم خمس منها، وهذه الصفقة في الأغلب غير مدرجة كلها في فترة القياس، كما تسلمت مصر من موسكو طائرات مروحية من طراز Ka 52 للعمل على متن حاملتي المروحيات جمال عبدالناصر، وأنور السادات الفرنسيتين الصنع واللتين اشترتهما القاهرة من باريس بعد أن أوقفت الأخيرة صفقة بيعهما لروسيا، بسبب العقوبات الغربية على موسكو جراء الأزمة الأوكرانية.

واردات تركيا تتراجع ولكن تلجأ لموسكو أيضاً
انخفضت واردات تركيا من الأسلحة بنسبة 59% في الفترة بين عامي 2016 و2020 مقارنة بالفترة بين 2011 و2015.

وانخفضت من كونها سادس أكبر مستورد للأسلحة في العالم إلى المركز العشرين.

كان هذا جزئياً، لأن تركيا تنتج بشكل متزايدٍ أسلحتها الرئيسية، وضمنها السفن السطحية، كما يرجع ذلك جزئياً أيضاً إلى أن الولايات المتحدة أوقفت في عام 2019، تسليم مخطط لطائرات مقاتلة من طراز إف 35 إلى تركيا.

ورغم ذلك، بحلول نهاية عام 2020، كانت تركيا قد حصلت على شحنات لست غواصات من ألمانيا، وخمس طائرات حربية مضادة للغواصات من إيطاليا، وسفينة هجومية برمائية من إسبانيا.

ومع تراجع مكانة تركيا كواحدة من أهم أسواق السلاح الأمريكية، اكتسبت روسيا أرضاً جديدة في قلب الناتو، عبر إبرامها صفقة بيع صواريخ إس 400 الشهيرة مع أنقرة التي أغضبت واشنطن.

في المقابل، كانت اليونان، غريمة تركيا، ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم في الفترة من 2001 إلى 2005. ومع ذلك، بعد أن وقعت في قبضة أزمة اقتصادية لعدة سنوات، مما أدى إلى تخفيضات كبيرة في الإنفاق على الأسلحة الرئيسية، احتلت اليونان المرتبة الـ41 في قائمة مستوردي الأسلحة بين عامي 2016-2020.

كيف أنقذ الشرق الأوسط سمعة السلاح الروسي؟

بالعودة إلى وضع صادرات الأسلحة الروسية للشرق الأوسط، مقارنة بباقي الأسواق، يلاحَظ أنه بين عامي 2016-2020، سلمت روسيا أسلحة رئيسية إلى 45 دولة واستحوذت على 20% من إجمالي صادرات الأسلحة العالمية.

وظلت الهند المتلقيَ الرئيسي للأسلحة الروسية خلال هذه الفترة، حيث مثلت 23% من الإجمالي، تليها الصين (18%) والجزائر (15%)، والأخيرة ظلت أهم مستورد للسلاح الروسي في الشرق الأوسط مع زيادة كبيرة، ولكن الزيادة الهائلة من واردات السلاح الروسي جاءت من مصر.

ويمكن القول إن صادرات الأسلحة الروسية للشرق الأوسط أنقذت سمعة موسكو في سوق السلاح.

ففي فترة القياس، انخفضت صادرات الأسلحة الروسية إلى الهند بنسبة 53%، في المقابل زادت صادراتها إلى الصين بنسبة (49%) والجزائر (49%) ومصر (430%).

ولكن تجدر الإشارة إلى أن الهند قدمت طلبات جديدة لمجموعة متنوعة من الأسلحة الروسية في 2019-2020، ولذا من المحتمل أن تؤدي عمليات التسليم اللاحقة إلى زيادة المبيعات الروسية للهند.

ولكن الزيادة في واردات الشرق الأوسط والصين لم تؤدِّ إلى تعويض الانخفاض الهندي؛ مما أدى إلى انخفاض مجمل صادرات الأسلحة الروسية العالمية بمقدار 22%، كما سبق الإشارة.

صفقات لم تتم

وإضافة إلى الصفقات المنفَّذة، شهدت الفترة بين عامي 2016 و2020 مداولات بين روسيا ودول الخليج، لاسيما السعودية والإمارات، حول تنفيذ صفقات محتملة، وذلك في إطار محاولات دول الخليج تنويع خياراتها السياسية، إضافة إلى رخص السلاح الروسي وتميزه في بعض المجالات، والأهم عدم وجود أي قيود أخلاقية لموسكو في مجال استخدام السلاح، وهي القيود التي أزعجت السعودية والإمارات في حرب اليمن.

ودار حديث حول إمكانية شراء السعودية منظومة إس 400 الروسية المضادة للطائرات، حيث عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتصف سبتمبر/أيلول 2019 على السعودية، شراء هذه المنظومة من بلاده، وذلك بعد الهجوم الحوثي الذي استهدف منشأتين لشركة أرامكو السعودية للنفط، وقال إن هذه الأسلحة “يمكن الاعتماد عليها في حماية كل البنية التحتية بالسعودية”، وترك للسعودية حرية الاختيار بين نظام إس300 والنظام المعدل إس400، مشيراً إلى تجربة إيران وتركيا في هذا الصدد.

بوتين عرض منظومة صواريخ إس 400 على السعودية/رويترز
كما هناك حديث عن تعاون إماراتي روسي، وضمن ذلك تقارير عن شراء الإمارات طائرات سوخوي 57 و35 الروسيتين؛ بل والحديث عن إنتاج مشترك لطائرة مقاتلة صغيرة بين موسكو وأبوظبي.

ولكن من الواضح أن أغلب هذه الصفقات الروسية مع دول الخليج لم تتم، وقد يكون أحد أسباب ذلك في الفترة الأخيرة المخاوف من قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (كاتسا) الذي أقره الكونغرس الأمريكي، في يونيو/حزيران 2017، أثناء إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بهدف منع تركيا وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة من شراء أسلحة متطورة من روسيا.

ورغم العديد من التحذيرات بشأن فرض عقوبات “كاتسا”، مضت مصر مؤخراً لإتمام صفقة شراء 24 مقاتلة سوخوي-35 روسية متقدمة من طراز سوخوي 35 “Flanker-E” مقابل ملياري دولار. وكانت القاهرة قد تسلّمت 5 من تلك المقاتلات بالفعل. لكن يبدو أن اهتمام واشنطن بشراء مصر للمقاتلات أقل من قلقها من شراء تركيا أنظمة إس-400.

ورغم عدم فرض واشنطن عقوبات على أي دول في الشرق الأوسط بسبب مشتريات السلاح الروسية بعد تركيا، فإنه لا يمكن استبعاد أن هذه العقوبات وراء عدم إبرام العديد من الصفقات المتعلقة بصادرات الأسلحة الروسية للشرق الأوسط، كما لا يمكن استبعاد أن تلويح واشنطن بهذا القانون لا يرجع فقط إلى معاقبة موسكو، بل أيضاً خوفاً من توسعها في السوق الأكبر للسلاح الأمريكي، خاصةً أن السلاح سيصاحبه تدريب وتعاون فني يعزز نفوذ موسكو في المنطقة، وهو النفوذ الذي يُظهر أن صادرات السلاح الروسية للشرق الأوسط تشهد صعوداً غير مسبوق.

عربي بوست