السياسية || محمد محسن الجوهري*

قضت مشيئة الله أن يهلك الناس حتف أنوفهم، وأن يرحل العظماء رأسًا إلى جنات الخلد، حيث يجتمع صفوة خلق الله في مكانٍ واحد، ولا عجب أن يكون سيد العشق، سماحة السيد حسن نصر الله، أحدهم، كيف لا وقد قضى نحبه على يد الجماعة نفسها التي انحازت للشيطان، وتخصصت في قتل الأنبياء والصالحين وكل من يأمر بالقسط في هذه الأرض.
ولا عجب في ذلك، فأبو هادي سليل النبيين والأئمة الطاهرين، وسيد المجاهدين في هذا العصر، والعدو اللدود للشيطان وحزبه من بني إسرائيل، ولذلك أنفقوا على قتله من الوقت والجهد والمال ربما أضعاف ما صنعوه في قتلهم الأنبياء في الأزمنة الأولى، فقد كان السيد حسن التهديد الأبرز والأخطر لإفسادهم الأخير، والذي سينتهي ببركة دمائه الطاهرة، وبثمرة جهوده التي أعدها لوعد الآخرة. فقد كان بالأمس قائدًا عظيمًا، واليوم صار منهجًا لا يموت، ومنه يستمد الأحرار قيم الكرامة والمثابرة في تحقيق النصر الكبير.
وسيبقى اسم السيد حسن نصر الله مقرونًا بالعداء لحزب الشيطان ما بقيت الأيام والليالي، وكل وجع سيصيب بني إسرائيل من بعده ليس إلا أثرًا من آثاره، فقد أعد -بفضل الله- ما استطاع من القوة لنصرة الحق، وتحقق له بذلك كرامة الشهادة أولًا، وكرامة النصر الحتمي على الكيان، ولو بعد حين، فاسمه سيظل محفورًا في ذاكرة العدو والصديق لعظمة الآثار التي قدمها على مدى خمسين عامًا من عمره المبارك، والتي من شأنها أن تبقى فاعلةً ما بقيت المعركة مع العدو الصهيوني.
صحيح أن الحزن لفقده شديد، لكنه في سبيل الله، فالمؤمن لا يغضب إلا لله وفي سبيله، وليس هناك مثل الغضب على رحيل نصر الله غضب آخر يكون في سبيل الله، ويكفي أن ذلك الغضب هو الشاهد على صدق الإسلام في نفوس مريديه، وشفاعة لهم عند الله يوم لا ظل إلا ظله، كما أن الشامتين على قتله شهدوا على أنفسهم بالردة يوم وقفوا مع الشيطان وحزبه في خندق واحد، وقد سمعوا في كتاب الله التحذيرات الخطيرة عن خطورة التقرب من اليهود.
والأمة اليوم، بسبب نصر الله، بين مؤمنٍ صريح ومتهوِّدٍ صريح، وهذه هي سنة الله في أرضه عبر العصور، فإن الله لا يذر عباده دون أن يبتليهم ليميز الخبيث من الطيب، وليس كيوم أبي هادي ابتلاء يمتاز به الخير من الشر، ويُعرف به الخبيث من الطيب. وكنا قبل نصر الله لا نعرف أصناف الرجال ولا نفرق بينهم، فالشكر لله الذي جعل منه فاروق هذا العصر، كما كان جده الإمام علي عليه السلام، لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق.
وخاتمةً، لن يكون أبو هادي مجرد ذكرى في ذاكرة الأوفياء، بل سيظل روحًا تسري في أمةٍ لم ولن تموت، أمةٍ عاهدت الله أن لا تهدأ حتى تنتصر، وأن لا تنحني حتى تقتلع آخر جذور الطغيان من أرض الأنبياء. وكما أن القادة العظام يولدون من رحم المعاناة، فإن دماء السيد حسن نصر الله ستنبت آلاف القادة، وستكون منارةً تهدي المجاهدين في طريق ذات الشوكة.
لقد رحل الجسد، لكن الروح باقية، والمشروع مستمر، والخطى تمضي بثباتٍ نحو الوعد الحق، وعد الله الذي لا يخلف الله وعده. فيا أبا هادي، سرْ إلى الخلود قرير العين، فوالله لن يضيع جهدك، ولن يخمد صوتك، ولن تنكسر الراية التي رفعتها، وستشهد مع الشهداء كيف يزهر الدم نصرًا، وكيف يولد الرجال من وهج الفداء، وكيف تتحقق الأحلام حين تُسقى بالدم الطاهر.
فوداعًا يا سيد العشق، ويا سيد المجاهدين، وداعًا جسدًا، وحضورًا لا ينطفئ في قلوب الأحرار.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب