السياسية || محمد محسن الجوهري*

هدايا الملك سلمان "حواني" أُثير الحديث في الإعلام العراقي -مؤخراً- عن هدية وعد بها الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز للشعب العراقي قبل عشر سنوات، وهي عبارة عن بناء إستاد رياضي يتسع لمائة ألف مشجع، وهي الهدية التي لم ولن تصل أبداً للعراقيين، لأنها ببساط لم تؤخذ بالقوة، والمملكة لا تقدم شيئاً لأحد إذا لم ينتزع منها انتزاعاً، كما تفعل الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع آل سعود، وآخرها ابتزاز ترامب لمحمد بن سلمان والتي بلغت 600 مليار دولار قابلة للزيادة.

ذكرتنا تلك الهدية بوعود الملك سلمان للمرتزقة اليمنيين قبل عشر سنوات بإعادة أعمار اليمن وجعله جنة تنافس مدنها كبريات المدن الاقتصادية في العالم، خاصة عدن التي ستتحول إلى دبي أخرى لكنها تعيش منذ ذلك اليوم وضعية كارثية على جميع الأصعدة الأمنية والاقتصادية، وباتت من أكثر المدن رعباً في العالم.
والحقيقة أن النظام السعودي اعتاد صرف الوعود الكاذبة لشعوب المنطقة، وحتى ينجح في تمرير مشاريع معينة تهدف لخدمة الحلفاء الغربيين للرياض، ولذلك تتراجع أو تتجاهل تلك الوعود بعد نجاح المهمات الغربية، عندها يتذكر الحاكم السعودي أنه مجرد موظف لدى البيت الأبيض، وليس مجبراً على تقديم المزيد من الخسائر ما دام قادراً على التراجع، فكل شيء في عقدية آل سعود يؤخذ بالقوة، وعلى الطريقة الأمريكية.
ولم يكن اليمن والعراق فقط ضحايا الوعود الكاذبة، ففي عام 2016، ألغت السعودية منحة عسكرية بقيمة 3 مليارات دولار كانت قد تعهدت بها لدعم الجيش اللبناني، مبررة ذلك بسيطرة حزب الله على القرار السياسي في لبنان. هذا القرار لم يكن مجرد تراجع عن منحة مالية، بل كان جزءًا من سياسة سعودية أوسع تهدف إلى استخدام المساعدات كأداة ضغط سياسي، وهو ما ظهر لاحقًا في أسلوب تعاملها مع دول أخرى.
وفي السودان، وبعد سقوط نظام البشير، تعهدت السعودية بتقديم مساعدات مالية واستثمارات لدعم السودان في مرحلة الانتقال السياسي. ولكن معظم هذه الوعود ظلت حبرًا على ورق، حيث لم يُنفذ سوى جزء بسيط من الدعم، مما جعل الحكومة السودانية تواجه صعوبات اقتصادية خانقة دون تحقيق الانفراج المأمول، بل ذهبت الرياض لتمويل الصراع العسكري الذي يعصف بالبلاد منذ سنوات، وللأسف نفس الوعود تلقتها تونس قبل عشر سنوات، لكن كما هو الحال مع العديد من الدول الأخرى، ظلت هذه الوعود غير منفذة أو لم تتحقق إلا بجزء محدود جدًا، مما دفع تونس إلى البحث عن حلول أخرى عبر الاقتراض من المؤسسات الدولية.
وفي الأردن وتحديدا عام 2018، أعلنت السعودية بالتعاون مع الإمارات عن حزمة مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار لدعم الأردن في تجاوز أزمته الاقتصادية. ورغم أهمية هذا الدعم، فإن تنفيذ هذه المنحة جاء متأخرًا وبشروط صعبة، حيث لم يكن الدعم مباشرًا، بل خضع لاعتبارات سياسية متغيرة أثرت على الاقتصاد الأردني.
لم تقتصر سياسة الوعود غير المنفذة على الدول العربية فقط، بل امتدت إلى باكستان، حيث وعدت السعودية بتقديم مساعدات نفطية وقروض ميسرة. لكن في عام 2020، وبعد توتر في العلاقات بين البلدين، طالبت السعودية إسلام آباد برد قرض نفطي بقيمة 3 مليارات دولار بشكل مفاجئ، ما وضع الاقتصاد الباكستاني في موقف حرج.
تكشف هذه الأمثلة أن السياسة السعودية في تقديم المساعدات والمنح غالبًا ما تكون مرتبطة بحسابات سياسية وليس بمبدأ الدعم غير المشروط. فالرياض لا تقدم شيئًا إلا إذا كان ذلك يخدم مصالحها المباشرة، وعندما تنتفي هذه المصالح، فإن التعهدات إما تتأخر أو تتلاشى تمامًا. هذه الإستراتيجية جعلت العديد من الدول تفقد الثقة في الوعود السعودية، وأصبحت ترى في مساعداتها أداة ضغط أكثر منها دعمًا حقيقيًا للتنمية والاستقرار.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب