الإعلام السعودي يساند ترامب لتهجير غزة
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ما لا يقوله الزعماء في العلن قد تكشفه سياستهم الإعلامية بطريقة غير مباشرة، ومن يتابع الإعلام السعودي خاصةً قنوات مثل العربية والحدث، يدرك أن النظام السعودي يتماهى تماماً مع خطة ترامب لتهجير سكان غزة، وبأساليب مختلفة، منها التقليل من خطورة المشروع وحرف البوصلة تجاه قضايا أخرى عديمة الأهمية، إضافةً إلى أنسنة العدو الإسرائيلي بالحديث عن وجوده السلمي في فلسطين وحتى في سورية.
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، ظهر جليًا أن بعض وسائل الإعلام السعودية مثل "العربية" و"الحدث"، تتبنى سرديات تخدم الأجندة الإسرائيلية، سواء بشكل مباشر أو عبر تهميش القضية الفلسطينية لصالح أولويات أخرى، ما يؤكد تحيز النظام السعودي مع التوجهات الصهيونية، ويسخر إعلامه للتمهيد بفكرة تهجير أهل غزة، والالتفاف على ذلك بأساليب متعددة، ومنها تقليل خطورة المشروع حيث يتم تقديمه باعتباره "حلاً إنسانيًا" أو "إعادة توطين" للفلسطينيين في أماكن أخرى، وتشتيت الانتباه عبر التركيز على قضايا أخرى مثل خلافات الفصائل الفلسطينية أو قضايا داخلية عربية بهدف صرف الأنظار عن الخطر الحقيقي المتمثل في محاولات تهجير سكان غزة.
كما يتم تسليط الضوء على "المعاناة" التي يواجهها الصهاينة بسبب الصواريخ الفلسطينية بينما يتم تهميش حجم المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال في القطاع، إضافة إلى التركيز على خطاب يعتبر فصائل المقاومة الفلسطينية سببًا رئيسيًا في التصعيد دون الإشارة إلى الجرائم الإسرائيلية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.
لم يعد خافيًا أن العلاقات السعودية - الإسرائيلية تشهد تطورًا متسارعًا، من اللقاءات السرية إلى التصريحات العلنية التي تلمح إلى تطبيع قريب. هذا التقارب ينعكس بوضوح في الإعلام السعودي حيث نلاحظ الترويج لفكرة "السلام مع إسرائيل" وتصوير التطبيع كخطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار في المنطقة مع تغييب أي حديث عن الحقوق الفلسطينية المسلوبة، واستضافة شخصيات إسرائيلية في الإعلام العربي للدفاع عن مواقفهم وتبرير العدوان على غزة، ومحاولة إعادة كتابة التاريخ عبر الترويج لروايات جديدة تحاول التقليل من مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي.
إذا استمر الإعلام السعودي في هذا النهج، فقد يساهم في تمهيد الأرضية للتطبيع الكامل بين السعودية وإسرائيل من خلال خلق رأي عام متقبل لهذه العلاقة، وإضعاف الموقف العربي الموحّد تجاه القضية الفلسطينية مما يسهل تنفيذ مخططات تهجير سكان غزة دون رد فعل قوي، وتقويض شرعية المقاومة الفلسطينية عبر تصويرها كعقبة أمام "السلام" بدلًا من كونها حركة تحرر وطني.
ما يحدث في الإعلام السعودي ليس مجرد انحياز إعلامي عابر، بل هو جزء من إستراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل الرأي العام العربي تجاه القضية الفلسطينية. وفي ظل هذه التطورات، يبقى على الجماهير الواعية أن تدرك خطورة هذه السياسات الإعلامية وأن تعمل على التصدي لها من خلال نشر الوعي، ودعم الإعلام الحر الذي ينقل الحقيقة دون تزييف أو تضليل.
المقال يعبر عن رأي الكاتب