السياسية || محمد محسن الجوهري*

من المشاهد التي تختزل علاقة العرب بإيران قبل الثورة الإسلامية، مشهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وهو يصافح شاه إيران محمد رضا بهلوي خلال توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975م، حيث بدا صدام، وكان حينها نائباً للرئيس أحمد حسن البكر، حريصاً على إرضاء الشاه وحل الخلافات الحدودية مع إيران بالطرق الدبلوماسية، تجنباً للصراع المسلح المحتمل بين البلدين. غير أن هذا المشهد اختلف جذرياً بعد سقوط الشاه وقيام الثورة الإسلامية في إيران بعدها بأربع سنوات، حيث استأسد صدام وبات الرجل الأول في المنطقة، وشن حرباً استمرت ثماني سنوات ضد الجمهورية الفتية التي انتهجت مساراً إسلامياً معادياً لـ"إسرائيل" والصهيونية، وحريصاً على الوحدة الإسلامية.
أما بالنسبة لدول الخليج، فالوضع كان أكثر تعقيداً، حيث كان الشاه بمثابة شرطي أمريكا في المنطقة وحليفاً قوياً للغرب خصوصاً واشنطن ولندن، وهو الأمر الذي جعل حكام الخليج يتعاملون معه بحذر وخضوع. ومن المشاهد التي تعكس ذلك، مشهد أمراء آل سعود وهم يرقصون احتفالاً بزيارته، وهو مشهد مذل للملك خالد وإخوانه آنذاك، لكن هيبة محمد رضا بهلوي أجبرتهم على الخضوع له، رغم أنه كان ينظر إليهم بدونية، وهو ما أكده عندما وصف آل سعود بـ "البدو المتخلفين" عام 1957م خلال زيارة الملك سعود له في طهران. لم يكن الحال مختلفاً بالنسبة للإمارات، التي اضطرت إلى التعايش مع الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث (أبو موسى - طنب الكبرى - طنب الصغرى) عام 1971، قبل أيام من انسحاب بريطانيا من الخليج. الاحتلال الذي فرضه الشاه بالقوة العسكرية ظل واقعاً لا يمكن تغييره، ولم تستطع أبوظبي رغم علاقاتها القوية بطهران حينها، المطالبة علناً باستعادة الجزر حتى سقوط الشاه عام 1979م.
عداء الشاه للعرب لم يكن يقتصر على الهيمنة السياسية أو الاحتلال العسكري، بل امتد إلى محاولات تفتيت الدول العربية من الداخل. كان دعمه للحركات الانفصالية في شمال العراق أحد أبرز الأمثلة على ذلك، حيث قدم دعماً عسكرياً ولوجستياً للأكراد في مواجهة الحكومة العراقية، قبل أن يتخلى عنهم في صفقة سياسية خلال اتفاقية الجزائر، حين باعهم مقابل مكاسب استراتيجية على حساب العراق.
ورغم كل هذا التاريخ من العداء، لم يجد الحكام العرب في سقوط الشاه مدعاة للفرح، بل ظهر عليهم الارتباك والقلق، وكأنهم فقدوا سيداً كان يحدد لهم أدوارهم في المسرح السياسي الإقليمي. المفترض أن رحيل الشاه كان فرصة لهم للتخلص من التبعية، لكنهم بدلاً من ذلك أظهروا عداءً واضحاً للثورة الإسلامية التي جاءت بمشروع جديد، قائم على الاستقلال عن النفوذ الغربي، والتصدي للصهيونية، ومد يد الوحدة للعالم الإسلامي. كان من الممكن أن تتعامل الدول العربية مع إيران الثورة بمنطق المصلحة المشتركة، إلا أن أنظمتها فضلت الاستمرار في دور التابع، وبدلاً من الاستفادة من الفراغ الذي تركه الشاه، هرعوا إلى البحث عن بديل يحميهم، لأن ثقافة العبودية السياسية لا تتواءم مع الحرية.
سقوط الشاه كشف أن بعض الحكام العرب لا يعادون الاستبداد بحد ذاته، بل يعادون فقط أي تغيير قد يفلتهم من قبضة الهيمنة الغربية. ولهذا لم يكن عداؤهم للثورة الإسلامية في إيران نابعاً من خوفهم على شعوبهم، بقدر ما كان تعبيراً عن خوفهم على أنفسهم من أي مشروع تحرري قد يعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة. كان بإمكانهم استثمار التحولات الكبرى لصالحهم، لكنهم اختاروا المواجهة، وتحولوا إلى أدوات في لعبة دولية لا تخدم سوى القوى الكبرى لتبقى المنطقة العربية تدور في دوامة من الصراعات التي لم تجنِ منها شعوبها سوى المزيد من التبعية والضعف.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب