السياسية || محمد محسن الجوهري*

تُعتبر الإمارات قوة اقتصادية قائمة تحت المظلة الغربية، ولكن مع ظهور "رؤية 2030" السعودية، فإنها تواجه خطرًا وجوديًا قد يقصيها عن المشهد الجيوسياسي. هذه الرؤية تهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة اقتصادية رائدة، مما يبرز التحديات التي قد تواجهها الإمارات، خصوصًا إذا نشأت قوة جديدة تنافسها على مصادر قوتها اللوجستية، مثل ميناء دبي. إذا كانت هذه القوة مدعومة من الغرب، فإن الوضع سيكون مقلقًا للغاية.

الإصلاحات الاقتصادية التي يُطلقها محمد بن سلمان تشمل إنشاء موانئ جديدة مثل ميناء "الملك عبد الله" وميناء "جدة"، مما يهدف إلى تعزيز التجارة البحرية وتسهيل حركة البضائع. ووفقًا لتقرير صادر عن مجلس التعاون الخليجي، يُتوقع أن تزداد حركة الشحن في المملكة بنسبة تصل إلى 30% بحلول عام 2030. هذا النمو المتوقع في حركة الشحن قد يجعل الموانئ السعودية أكثر تنافسية، مما يهدد مكانة ميناء دبي.

تحويل المملكة إلى وجهة سياحية هو أيضًا جزء أساسي من الرؤية، حيث تُخطط السعودية لاستثمار 100 مليار دولار في تطوير السياحة، بما في ذلك مشاريع ضخمة مثل "نيوم" ومشاريع البحر الأحمر. وتشير التوقعات إلى أن عدد السياح في المملكة قد يصل إلى 100 مليون سائح بحلول عام 2030، مما يجعلها واحدة من الوجهات السياحية الرائدة. في هذا الإطار، يتوقع أن تتجاوز إيرادات السياحة السعودية 30 مليار دولار، في حين يُتوقع أن تصل إيرادات السياحة في الإمارات إلى 27 مليار دولار فقط.

إذا تمكنت السعودية من تحقيق أهدافها، فإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على مكانة الإمارات، وخاصة دبي. يُعتبر ميناء دبي أحد أكثر الموانئ ازدحامًا في العالم، ولكن تراجع قيمة هذا الميناء أو مغادرة الاستثمارات الأجنبية، خاصة السعودية، قد يعيد الإمارات نصف قرن إلى الوراء. الأرقام تتحدث بوضوح: في عام 2022، استقبل ميناء دبي حوالي 14.6 مليون حاوية. ومع ذلك، يُتوقع أن تنخفض هذه الأرقام إذا بدأت الاستثمارات تتحول إلى الموانئ السعودية. دراسة حديثة من مجلة "فوربس" أظهرت أن حوالي 30% من الشركات السعودية تفكر في نقل عملياتها إلى وجهات أخرى، بما في ذلك الموانئ الجديدة في المملكة.

في الوقت الذي تسعى فيه السعودية لتعزيز مكانتها الاقتصادية، تتزايد المخاوف من أن تصبح الإمارات ضحية لهذه التحولات. مع التركيز المتزايد على السياحة والاقتصاد المعتمد على التنوع، قد تجد الإمارات نفسها في موقف صعب، خاصة إذا استمرت السعودية في مساعيها لتحويل المملكة إلى وجهة سياحية رائدة. السياحة كعامل رئيسي ستكون حاسمة في هذا السياق، حيث يمكن أن يؤثر الفارق في الإيرادات السياحية بشكل كبير على الاستثمارات السياحية في دبي، التي تعتمد بشكل كبير على جذب السياح الأجانب.

إذا استمرت السعودية في تنفيذ رؤيتها الطموحة 2030، فإن الإمارات تواجه خطرًا وجوديًا قد يُقصيها عن المشهد الجيوسياسي والاقتصادي. حيث ستلعب التحولات في التجارة والسياحة والاستثمار دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل الإمارات. وفي ظل هذه الظروف، يجب على الإمارات إعادة تقييم استراتيجياتها لمواجهة التحديات الجديدة التي قد تؤثر على مكانتها في المنطقة. إن التكيف مع هذه التغيرات والتخطيط للمستقبل سيكون أمرًا حاسمًا لضمان استمرارية النمو والازدهار في الإمارات، وسط المنافسة المتزايدة من المملكة العربية السعودية.



* المقال يعبر عن رأي الكاتب